«إعادة تنظيم».. الفن وليد التكرار والأرقام

لا يمكن حصر أعمال الفنانة الإيرانية بيتا فايزي في منهج واحد، إذ يُبرز معرضها الذي يختصر مسيرتها من التسعينات حتى اليوم، الاختلاف في المادة الفنية التي تتخذها وسيلة للتعبير عن رؤية تتبلور من خلال الارقام؛ من الخزف الى الصوف، والسيراميك، والخشب، وكذلك التصوير والتركيب، إذ تروي فايزي في معرضها «إعادة تنظيم» الذي افتتح أخيراً في «غاليري ايزابيل فان دين آيند»، حكايتها مع الأرقام والتكرار في العمل الفني، وكيف يكون الأخير وليد هذه العملية اللامتناهية.

سيرة ذاتية

ولدت الفنانة الإيرانية بيتا فايزي في طهران عام 1962. وقد شاركت في العديد من المعارض العالمية، منها البافيليون الإيراني، وبينالي فينيسيا، وفي باريس، إلى جانب تقديم مجموعة من الأعمال في متحف الاعمال الحديثة في فريبورغ، وفي برلين. كانت لها مجموعة من المعارض المشتركة، منها في باريس بالتعاون مع ركني ورامكين حيرزاده. أما معرض «إعادة تنظيم» الذي يستمر حتى 23 أكتوبر المقبل، فهو المعرض الثالث لها في دبي.

كتاب

يقدم المعرض إلى جانب الأعمال التي تُعرض للفنانة، كتاباً عن حياتها وسيرتها الفنية. ويوضح المشروعات الفنية التي عملت عليها فايزي. ويُقدم الكتاب بالتعاون مع مجموعة لوسيانو بينتون، الذي تعتمد فيه على تقديم المشروعات التي قامت بها الفنانة لإشراك الجيل الفني الجديد في طهران في العمل الفني الحديث، ودمجهم في الأنماط الفنية المعاصرة والبعيدة عن الكلاسيكية.

يقدم المعرض مجموعة من الأعمال لفايزي منذ بداية عملها في طهران، ويبرز كيف سعت منذ دخولها مجال الفن في منتصف التسعينات الى المزج بين المواد، فأداؤها الفني لا يمكن تصنيفه تحت خانة النحت أو الخزف، أو حتى الأعمال التركيبية، فهي تتخذ شكلاً خاصاً تتحدى به الإطار الكلاسيكي والتقليدي الذي كان سائداً في طهران في تلك الفترة، والذي كان لايزال يعتمد على النمط الفني المأخوذ من القرن الـ19. تقدم فايزي في معرضها الأعمال التركيبية والكولاج، فنجد جميع أعمالها ثلاثية الأبعاد، وفق الأسلوب المفاهيمي. تجمع المواد التي ترتبط بالفن، مع مواد لا صلة لها بعالم الفن، لتقدمها الى المتلقي من خلال أيد عاملة غير فنية، حيث يكون المطلوب نتيجة غير محددة وليست معروفة. تعمل فايزي على عملها بشكل تلقائي يتحدد من خلال المواد والعاملين دون أن تحدد خطة للعمل وللشكل النهائي الذي سينتج عنه، كأنها في عملية بحث مستمرة، ما يجعل عملها غير منته حتى حين يكتمل، فهو دائماً مطروح في صيغ قابلة للتطوير أو التعديل، فالأرقام تعني الاستمرار واللانهائية.

تشكل أعمال فايزي صدمة لدى المتلقي، فهي تبتعد عن منظومة الجمال في الفن، وتأخذ من بعض الأشكال المنفرة مادة أساسية، منها العمل الذي كونته من «الصراصير» التي شكلتها من السيراميك الزجاجي اللامع، والأسلاك المعدنية والمكون من 1500 صرصور توزعت على الجدار والأرض، وكذلك كومتها على الصناديق الخشبية. هذا العمل الذي قد يبدو منفراً للكثيرين، يترجم رؤية الفنانة التي تهتم بالارقام، فهي تسعى الى إيجاد صيغة تبني فيها عملها من الرقم ومن التكرار. هذا الأسلوب الفني سيطر على جانب كبير من أعمالها في المعرض، فبدت أكثر انتماء الى الخزف في الأعمال الأخرى التي شكلتها من السيراميك المكسور، حيث تستخدم مئات القطع من السيراميك الذي يعود لأوانٍ وأطباق مكسورة، وتقوم بإلصاقها لتجعلها تأخذ شكلاً جديداً. تتجه في هذا الفن الى اكتشاف شكل جديد للمادة ينبني من الرقم الذي تستخدمه. وفي الجانب الآخر انضمت مجموعة من الغربان وزعتها على الصناديق وعلقتها، على الجدران وعلى الصناديق، الى الأعمال التي اعتمدت فيها منهجية نحت الأشكال وتكرارها.

أما الصوف فلفايزي معه حكاية أخرى، فقد اعتمدت في بعض الأعمال على الصوف لتقدم منه أشكالاً متعددة، منها رؤوس الحيوانات أو الأشكال التي صاغتها من الصوف ووزعتها على أغصان الشجرة لتبدو طيوراً تتعلق عليها. تبدو فايزي مأخوذة بالكائنات غير البشرية، فعلى الرغم من كونها لا تسعى للحديث عن حماية الحيوانات أو الطيور او الحشرات، إلا أنها تبدو مأخوذة في صياغة أعمالها من عوالم هذه الكائنات. قد تكون بعيدة عن إعطاء رسالة محددة، فهي تريد أن تعبر عن فنها بأسلوب مغاير، لا يقوم على طرح قضية بعينها.

وقالت فايزي لـ«الإمارات اليوم»، إن «العملية الفنية تعنيني أكثر من العمل الفني، وأسعى الى جمع الأشياء وفق أرقام، لأرى في الختام الشكل النهائي الذي ستبدو عليه، فهي ستكون على منصة بشكل مختلف تماماً». وأضافت «أنا لا أبحث عن موضوع محدد، وحين عملت على الكلاب النافقة التي تموت على الطرقات، لم يكن هدفي إبراز هذه القضية على الرغم من ان الموضوع قد لمسني، لكن بالنسبة لي العمل والتكرار هما الاساس، كما أنني أدعو الناس لمشاركتي العمل، سواء كانوا فنانين أو لا، وهذا ما أعتمده». واعتبرت أن جمع الناس وإنتاج العمل الفني له جانب إيجابي في خلق شيء مختلف، ولاسيما أن عملها عبارة عن حركة بالدرجة الأساس. ولفتت الى أن الأرقام بالنسبة لها تعني المجتمع والمشاركة، ولهذا تركز عليها في أعمالها.

الأكثر مشاركة