«خارطة الحب».. بين الأم والابنة

مرت، أول من أمس، الذكرى السابعة لرحيل المترجمة والأكاديمية الرائدة، الدكتورة فاطمة موسى، التي أهدت للساحة الأدبية العديد من الدراسات النقدية والترجمات؛ وكذلك ابنة مبدعة لا تختلف عن أمها كثيراً، وهي الدكتورة أهداف سويف.

رحلت فاطمة موسى في 13 أكتوبر 2007، بعد مسيرة حافلة بالإنجازات العلمية والترجمات، التي كان على رأسها «ميرامار» نجيب محفوظ، التي نقلتها موسى إلى «الإنجليزية»، علاوة على العديد من كلاسيكيات المسرح الإنجليزي التي ترجمتها لـ«العربية».

1927

العام الذي ولدت فيه الدكتورة فاطمة موسى التي حصلت على جائزة الدولة التقديرية في الآداب بمصر عام 1997. ومن الترجمات التي أنجزتها من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية «مأساة الملك لير»، و«هنري الرابع» لوليم شكسبير، ومن اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية رواية «ميرامار» لنجيب محفوظ.

ومن أبرز ترجمات الراحلة إلى اللغة العربية أيضاً الرواية الملحمية (700 صفحة) التي كتبتها ابنتها أهداف سويف بالإنجليزية «خارطة الحب»؛ والتي رشحت لنيل جائزة البوكر الإنجليزية، وحازت صيتاً عالمياً. واللافت أن الطبعة التي أصدرتها مكتبة الأسرة في مصر للرواية في عام 2010 خلا غلافاها الخارجي والداخلي من اسم المترجمة (الأم)، لتحتل الصدارة وحدها المؤلفة (الابنة) أهداف سويف، وكأنه كتب على الأم أن تبقى في الظل، لتفسح الساحة كاملة للابنة التي ظن بعض القراء أنها كتبت الرواية باللغة الإنجليزية، ونقلتها بقلمها مرة أخرى إلى اللغة العربية، لاسيما أن لها أعمالاً بلغة الضاد.

عوالم «خارطة الحب» في نسختها العربية حافلة بالجمال، بفضل المترجمة فاطمة موسى التي استطاعت نقل تفاصيل تلك «الخارطة»، وتذليل جميع الحواجز ما بين لغتين، فبدت الرواية كأنها بالفعل مكتوبة من الأصل باللغة العربية؛ تتنقل برشاقة فنية ما بين ثقافات عدة، وتجمع ما بين أزمنة بالجملة، وعقود ممتدة، وتتجاور في تلك «الخارطة» ألوان شتى من الشرق والغرب، من مصر وفلسطين وبريطانيا وأميركا وغيرها من المحطات المكانية التي طافت بين معالمها - وكذلك ثقافاتها - الرواية ذات النفس الملحمي الطويل، الذي لم يصبه أي نوع من الترهل أو التشوه رغم تبدلات الزمان والمكان والوجوه وكذلك اللهجات.

تمثل رواية «خارطة الحب» في نسختها العربية حالة خاصة، مشروعاً «عائلياً»، تعبت في إنجازه الأول الابنة، وشادته تحفة أدبية، وجاءت «الأم» لتصون كل ذلك الجمال، وتنقله إلى اللغة العربية، وتحافظ على كل ما فيه، وكانت أدرى الناس بمواطن فرادة النص الأصلي، الذي استحال عبر كلماته إلى واحد من أهم النصوص الروائية المعاصرة في مصر والعالم العربي.

يتنقل قارئ «خارطة الحب» بين مستويات مختلفة، ثقافات من هنا وهناك، شرق وغرب، وحكاية حب مبتورة في لحظة التوهج والتجلي، تاريخ يمتد إلى عقود، يستدعي زعيماً منفياً، ورفاق دربه، عبر رسائل قديمة تقع بين يدي روائية تعد مشروعاً إبداعياً تمتزج بين ضفافه أزمات الأمس واليوم، تتجاور فيه أصوات من جهات مختلفة من هذا العالم: رسالة آنا الإنجليزية وليلى المصرية وأمل، وغيرهن من نساء العمل الرئيسات، اللواتي يأخذن الحظ الأوفر من الرواية. وبحرفية شديدة، تصل الكاتبة ما بين الماضي والحاضر، وفي سلاسة حريرية، تدور بين أزمات بدايات القرن الـ20 ونهاياته، تمد خط الحزن على استقامته، تبرز نقطة البداية، وترسم بطول «خارطة الحب» مساراً يتمدد ويصير أشد وطأة وألماً، يحرم كثيرين من حقهم في الحياة، وليس في ترف الحب فحسب.

يحضر في «خارطة الحب» تاريخ حي، يعتمد على شهادات ووثائق في باطنه، ولكنه يحيلها إلى عوالم من الفن، تستدعي الرواية أسماء تاريخية وتكشف عن وجوه مغايرة لها، لا تقنع بالمشهور والمتداول عن تلك الشخصيات؛ وإلا فما قيمة الرواية، وما الجديد الذي تضيفه، إذ تُبرز جانباً مسكوتاً عنه أو منسياً، تلتقط إشارة صغيرة وتبني عليها، وبدا ذلك جلياً في كثير من صفحات «خارطة الحب» التي تحتاج إلى مساحات أرحب لتفصيلها، وتتبع جمالياتها الكثيرة، التي صاغتها المؤلفة الابنة، وأبرزتها عربية الروح المترجمة الراحلة فاطمة موسى.

الأكثر مشاركة