قنديل ووازن وغاردنر انتدوا حول «الإعلام الجاد»
حمّل الإعلامي حمدي قنديل السلطة والإعلاميين معاً تبعة ما وصل إليه المشهد الحالي المنفلت على العديد من الفضائيات ووسائل الإعلام الأخرى، مشيراً إلى أن «الإعلام يمر حالياً بأسوأ لحظاته»، فهو إما «مدجّن أو منفلت»، وكل من يظهر على الشاشات «بقى زعيم».
وقال «نحن الإعلاميين، بالإضافة إلى السلطة، فشلنا في التوصل إلى صيغة نستطيع أن نقدم بها إعلاماً حراً ومسؤولاً في الوقت نفسه»، لافتاً إلى أن الإعلام في الوطن العربي حالياً إما «مدجن أو منفلت، وفي كلتا الحالين الجمهور غاضب من الإعلام المدجن والإعلام المنفلت، وأمامنا وقت طويل».
فرانك غاردنر.. 11 طلقة لم تقتل التفاؤل خلال الندوة التي جمعت بين الإعلامي حمدي قنديل والكاتب اللبناني عبده وازن والإعلامي البريطاني فرانك غاردنر، تحدثت مديرة الندوة سارة المرزوقي عن تجربة فرانك الخاصة خلال تقديمها له، واصفة إياه بالصحافي الجريء صاحب الإرادة الحديدية، إذ إنه كان يعمل مراسلاً لـ«بي بي سي»، وتعرّض للاعتداء في إحدى ضواحي الرياض، ما أدى إلى مقتل زميلٍ مصور مرافق له، وإصابته بـ11 طلقة، أصابته بالشلل، وأفقدته القدرة على المشي، لكنه عاد إلى المهنة من جديد العام الماضي، ليصور فيلماً وثائقياً عن السعودية. فرانك الذي حضر الندوة على كرسيه المتحرك، أثار حالة من التفاؤل في الندوة، وأضفى جواً من البهجة بلغة عربية يتقنها، واللافت أن فرانك تحدث عن الإعلام ومسؤولياته، وحياته في أمكنة عدة، من بينها الإمارات، دونما تطرق إلى «مأساته» والحادث الكبير الذي تعرض له.
|
وأضاف قنديل خلال ندوة حول «الإعلام الجاد ومسؤولياته» نظمت الليلة قبل الماضية، ضمن فعاليات الدورة الـ33 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب، وتحدث فيها الى جانب الإعلامي والشاعر اللبناني عبده وازن، والمراسل الإعلامي البريطاني فرانك غاردنر، وأدارتها سارة المرزوقي. أن «العيب ليس في السلطة، بل فينا أيضاً، فنحن حينما نتكلم عن الحريات، غالباً ما نتحدث عن السلطة، وكيف تقمع الصحافة والإعلام، لكن في واقع الأمر نحن أيضاً ننافق السلطة؛ تعودنا زمناً طويلاً أن تصلنا التعليمات والأوامر والنواهي، ونكون سعداء جداً لو اتصل بنا أحد (من فوق)».
وحول الإعلام الجاد والمسؤولية، أشار حمدي قنديل إلى أن أساس المسؤولية هي الحرفية، والمهنية والتميز، موضحاً «عندما نتكلم عن الإعلام الحر المسؤول، لابد أن نذكر التدريب؛ إذ لا يوجد أحد كبيراً على التأهيل المستمر، ولا يوجد شخص يعلم كل شيء في الإعلام، والتكنولوجيا تتطور بشكل يومي، ولابد أن نطلع نحن الإعلاميين على كل التطورات، وما يجري في العالم حتى نستطيع أن نؤدي دورنا بقدر كاف من المهنية».
واستعاد حمدي قنديل أيامه الأولى مع مهنة الإعلام في التلفزيون المصري، في وقت لم تتوافر فيه سوى إمكانات متواضعة، وكيف كانت تأتي الأخبار باللغة الإنجليزية، ويقومون بترجمتها حسب المشاهد بدقة، لافتاً إلى أن الجدية جعلته وزملاءه في تلك الفترة ينتبهون إلى كل التفاصيل الصغيرة التي تؤثر في المشاهد وتجعله يثق بمن يقدمون له الخبر، بينما حالياً لا يعير كثيرون انتباهاً لتلك التفاصيل رغم الإمكانات الكبيرة المتوافرة حالياً.
واعتبر الإعلامي المصري أن الحرفية والمهنية أساس مهم جداً من أسس المسؤولية في المجال الإعلامي. وحول سؤال عن الحيادية الغائبة حالياً في العديد من الوسائل الإعلامية، أجاب حمدي قنديل، بأنه من الأبجديات أن هناك خبراً وهناك تعليقاً، فالأول يذكر من دون أي مؤثرات ولا إضافات «وفي ما يتعلق ببرامج التحليل، فالرأي فيها متاح، وكنت أقدم برنامجاً وأحرص فيه على نقل أخبار مصورة، والتعليق كنت أحصره في 10 دقائق، في برنامج تصل مدته إلى نحو 55 دقيقة». وشدد قنديل على أن «من يرد أن يتصدى للتعليق، ينبغي عليه أولاً أن يقول إن برنامجه تحليلي، وثانياً يكون هو على قدر هذا الموقف، أي يمتلك التجربة التي تتيح له أن يقول رأياً، ويتقدم للجمهور ويعلنه». واستدرك «اليوم كل من يظهر على التلفزيون أصبح معلقاً، كل واحد أصبح زعيماً، وبرامج (التوك شو) أصبحت مجالاً للخطابة، والاستعراض». من جهته، أكد الإعلامي والشاعر اللبناني عبده وازن، الفائز بجائزة الشيخ زايد عن رواية «الفتى الذي ابصر لون الهواء»، أن الإعلام لكي يكون جاداً يجب أن لا يسيء إلى جمهوره، وألا يزوّر الحقائق، وألا يشوه الرأي العام، وأعتقد أن علينا أن نقرن عبارة الإعلام الجاد بالديمقراطية والنقد والحقيقة والثقافة، حتى تتولد لدى الجمهور قناعات ثابتة حول الواقع، ولا يقع فريسة لأنواع التضليل الإعلامي الذي أصبحت له وسائل هائلة في قلب الحقائق والموازين وتشتيت الأفكار وإلغاء الذاكرة، وبناء أخرى لا تمت الى الواقع بصلة». في الإطار ذاته، تحدث فرانك غاردنر المراسل المتخصص في الشؤون الأمنية لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في الشرق الأوسط، الذي سبق له التعرض لاعتداء خلال عمله وأقعده عن المشي، وأودى بحياة زميله المصور سايمون كامبرز، عن تجربته في العمل الميداني الخليجي لاسيما السعودية ودولة الإمارات، وسجل خلالها العديد من المشاهدات، مبيناً أن الإعلام الجاد يقوم على نقل الحقيقة في الاساس، وأن الإعلامي الجاد لن يتوقف من أجل نقل وبيان الحقيقة حتى لو كلفه ذلك الكثير من التضحيات، لأن بناء كل شيء يتوقف عليها، وأن الخراب الحالي الموجود في العالم لم يأتِ من فراغ، وإنما جاء بناء على أكاذيب كثيرة، فحملت إلينا كل أنواع الخراب والاضطرابات التي تعصف بالعالم. وحول التعامل مع الآراء المخالفة لزملاء المهنة وتعلق هذا بالإعلام الجاد، أكد غاردنر أن المسؤولية الإعلامية تقتضي أن تذكر جميع الآراء التي قيلت أو وجدت حول موضوع تعمل على نقله للجمهور، لكي تترك لك مساحات واسعة من الاختيار، مؤكداً أن «النجاح ليس بالضرورة أن يكون بالتوافق مع رأي الإعلامي الناقل، وإنما من خلال نقله المجرد للحقائق بعيداً عن كل صور التشويه المقصودة».