حالة من التعاطي الإيجابي مع المشهد الأدبي العربي والعالمي والمشهد المحلي الإماراتي في الوقت نفسه يشهدها المركز. تصوير: أحمد عرديتي

«دبي الدولــــي للكتاب».. 48 ساعة نقداً وشعراً ورواية

استقبلت الفعاليات الثقافية بالدولة تدشين مركز دبي الدولي للكتاب بكثير من التفاؤل بإضافة منصة ثقافية جديدة قادرة على دعم الحراك الأدبي والفني وتقديم تجارب تساهم في دعم الحراك الثقافي في الدولة، وهو ما عبر عنه الاهتمام الملحوظ بحضور النشاطات الأولى التي كشف عنها المركز، واقيمت بالتناوب بين فندق انتركونتننتال في دبي فيستفال سيتي، ومقره في منطقة الشندغة التراثية، فضلاً عن تصريحات رأت اقامة المركز بمثابة تعضيد لألق دبي الثقافي، وقدرته على مواكبة ألقها الاقتصادي والعمراني.

وكان المقر الرسمي لمركز دبي الدولي للكتاب شهد في أول 48 ساعة له، العديد من الفعاليات المتنوعة التي حلقت في فضاءات الشعر العالمي والشعبي والرواية والنقد، وعكست تلك الفعاليات أحد جوانب المشهد الثقافي المحلي الثري والمتنوع، من خلال تعزيز حضور نماذج أدبية وافدة، وسط ألق الأدب المحلي، متجلياً في الشعر النبطي.

إيزابيل بالهول: مركز لكل العالم

قالت مديرة مهرجان الإمارات، إيزابيل بالهول، إن مركز دبي الدولي للشعر مفتوح لكل الأدباء والمبدعين والمهتمين بالإبداع من كل أنحاء العالم، مضيفة أن «دبي المتنوعة والمستوعبة والمرحبة دوماً بالآخر، تتحلى بأروع صورها في مجالات الثقافة والآداب والفنون في هذا المركز».

وتابعت: «النشاطات التي يستضيفها المركز ستسعى دوماً لتلبية مختلف الأذواق والاتجاهات، وفي الوقت الذي سننفتح على المشهد العالمي، ستكون أمام أعيننا جوانب خصوصية الإبداع المحلي، وهو ما عكسه حقيقة أن أولى الفعاليات شهدت اهتماماً كبيراً بحضور الشعر النبطي».

وأكدت بالهول أن الوجود في منطقة الشندغة التراثية يضيف زخماً مهماً إلى المركز، ويعد مؤشراً إلى حقيقة أن دبي التي تتطور اقتصاديا وعمرانياً وثقافياً تبقى مخلصة دوماً للتاريخ والتراث، اللذين يكتسيان في المنتج الأدبي ثوب «الأصالة».

كامل العدد

عادت عبارة «كامل العدد»، التي عرفتها المناشط المحلية في فعاليات مهرجان «طيران الإمارات» للآداب، لتتقدم بعض فعاليات المشهد الثقافي، حيث لا تعد فعاليات مركز دبي الدولي للكتاب مجانية، ويتم السماح بدخولها مقابل رسوم تحدد حسب كل فعالية.

500 درهم هو المبلغ الذي تم تحديده لأمسية قدمها الشاعر النيجيري بن أوكري مؤلف كتاب «طريق الجوع»، الحائز العديد من الجوائز، ومع ذلك علت عبارة «كامل العدد»، أو «لا تتوافر تذاكر»، وهو المشهد الذي صرحت بصدده إيزابيل بالهول، لـ«الإمارات اليوم»، بأن «تحديد قيمة مادية للحدث الثقافي مهم لتحفيز جمهور يعي قيمة الحدث».

ووصف رئيس المجلس الوطني الاتحادي، الأديب محمد المر، مركز دبي الدولي للكتاب بالجسر الثقافي الجديد المعزز لقيم وفرص الإبداع الأدبي والثقافي، مشيراً إلى أن مقره الحالي في منطقة الشندغة التراثية، تجاوز حالة التجديد والاحتفاء به كمعلم تاريخي إلى احتضان العديد من المنصات المهمة، خصوصاً الثقافية منها. ودعا المر جميع المهتمين بالمشهد الأدبي، من مواطنين ومقيمين، إلى التفاعل مع البرامج المختلفة التي سيتيحها المركز الجديد، من أجل تعضيد موقعه المنشود «جسراً ثقافياً عالمياً» .

الحدث الافتتاحي الذي شهده سمو الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم، رئيس دائرة الطيران المدني، سبقه وتلاه العديد من الفعاليات، التي مثلت أول 48 ساعة في عمر المركز، حيث كانت البداية في مؤتمر دبي الدولي للشعر الذي تواصلت فعاليات يومه الثاني لتشمل جلسة عن الشعر النبطي تحدث فيها كل من الرئيس التنفيذي لمركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، عبدالله حمدان بن دلموك، وأستاذ دراسات العالم العربي المعاصر في جامعة أكسفو، لايف هولز، والمستعرب والدبلوماسي الأستاذ مارسيل كوبرشوك، وأستاذ الأنثروبولوجيا والفلكلور في جامعة الملك سعود، الدكتور سعيد صويان، الذي تطرق إلى تاريخ وأهمية الشعر النبطي، وناقش الباحث والكاتب والإعلامي، الدكتور سعيد سلمان أبوعاذرة، تقاليد دولة الإمارات العربية المتحدة وتراثها الشعري، وتناول رئيس قسم أبحاث التراث المعنوي في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، الأستاذ سعيد بن كراز المهيري، إرث دولة الإمارات ودور الشعر النبطي في الحياة الاجتماعية والثقافية.

وفي أجواء غير تقليدية استضاف المركز، أولى أمسياته الشعرية التي تضمنت، إلى جانب الشاعر سيف السعدي، نخبة من شعراء النبطي، الذين قرأوا للجمهور مجموعة من أحدث نتاجاتهم الشعرية، وهو الحدث الذي دشن أولى الفعاليات التي تقام في مقر المركز، بخلاف الحدث الافتتاحي، ليتأكد مرة أخرى أن «مركز دبي الدولي للكتاب» يعتزم مجلس إدارته الانتصار للأدب المحلي، ممثلاً في هذا المشهد بالحضور الطاغي للنبطي، إبداعياً ونقدياً. وكجزء من كتاب «ومضات من شعر محمد بن راشد»، الذي صدرت له طبعة حديثة باللغتين العربية والانجليزية، ألقى مدير مركز الشارقة للشعر الشعبي، الشاعر راشد شرار، قصيدة «الشايب» باللغة العربية، فيما ألقاها بالإنجليزية الشاعر الأيرلندي، فرانك دلاكان، لتغوص بالمتلقين في أعماق مشاعر إنسانية ثرية تبصر معاناة الآخر، وتتأثر بضعفه وهرمه وشيخوخته وفي مطلعها:

عند الغروب وناظر الشمس مكسوف

ونور النهار يكحل الليل عينه

وقفت له وهو ضعيف عن الشوف

كأن الدهر تعبر أماسي سنينه.

ومن أجواء صورها الشعرية أيضاً:

خذ من زمانه دين ما عنه مخلوف

مطلوب ويسدد إلى الوقت دينه

ترجف يدينه لا لبرد ولا خوف

من ضعفه الجبار ترجف يدينه

وصوته مثل رجع الصدى ياك من يوف

بير عميق ما يبين زنينه

مر الزمان سنين وظروف

دنيا عليها كم تزايد حنينه.

«دبي بين الأمس واليوم» هو عنوان الفيلم الوثائقي الذي استعرض ملمحاً من ملامح تطور دبي، وفق مسيرة يتواكب فيها التطور مع الأصالة، بل قدم الشاعر والكاتب النيجيري، بن أوكري مؤلف كتاب «طريق الجوع» الحائز العديد من الجوائز، كلمة أثنى فيها على إطلاق المركز، وتطرق أيضاً إلى الدور المهم للأدباء والمبدعين باعتبارهم نبض الإنسانية وصوتاً للعدل والحرية،، مشيداً بالدور المهم الذي تقوم به دبي في الربط والتقريب والتلاقي بين ثقافات العالم المختلفة.

اللقاء مع الرواية خلال الحدث الافتتاحي كان عبر قلم إبداعي شاب مثلته الكاتبة الإماراتية، نورة النومان، الحائزة جائزة اتصالات لفئة اليافعين عن روايتها «جوان»، حيث تطرقت النومان في قراءتها إلى منزل جدها لوالدتها في قلب الشارقة الذي تحول إلى متحف باسمه (إبراهيم المدفع)، وكان شاعراً معروفاً ذا نشاط واسع في عشرينات القرن الماضي، متطرقة إلى تأثير هذه الأجواء الأسرية في تكوينها الأدبي واختتمت الأديبة الإماراتية بالتعبير احتفائها بانضمام هذا الصرح الجديد، إلى منصات الاهتمام بالإبداع في دبي، متوقعة أن يكون منصة شديدة الإيجابية بنشاطاته المتنوعة. مدير دبي الدولي للكتاب، عبدالله الشاعر، من جهته أكد رغبة إدارة المركز في أن يشكل إضافة نوعية إلى المشهد الثقافي في دبي ومنطقة الشرق الأوسط، من خلال رعاية الإبداع وتوفير منصة حقيقية لاستكشاف المبدعين، مشيراً في الوقت نفسه إلى حالة التعاطي الإيجابي مع المشهد الأدبي العربي والعالمي، والمشهد المحلي الإماراتي في الوقت نفسه.

الأكثر مشاركة