هيفاء منصور تعشق التراث العربي. الإمارات اليوم

قرّاء فوق العادة في «الشـارقة للكتاب»

وسط زوّاره الذين تخطوا المليون، ثمة قرّاء فوق العادة، في معرض الشارقة للكتاب، من بينهم قارئ كان يأخذ استراحة بعد جولة طويلة أمام العناوين، له حكاية مع معرض رآه أفضل مكان يستجم فيه بعد إجرائه جراحة زراعة كبد قبل أشهر، أما الثانية فقارئة كانت تتوكأ على عزيمة وعكازين، وتسعى بابتسامة غير مصطنعة بين دور النشر بنفسها لتنتقي بنفسها كتباً ستكون أنيسها حتى الدورة المقبلة من المعرض، بينما الثالث قارئ كان يجلس بطمأنينة على كرسي متحرك، يتصفّح رحلة عبدالوهاب المسيري الفكرية في رابع زيارة له لمعرض يتزود منه بالكثير.

استثمار طاقات

شدّد الموريتاني المختار بن أحمد عالم، على ضرورة استثمار مواهب المعاقين، مضيفاً أن «دولة الإمارات غير مقصرّة في هذا المجال، ولكن ينبغي توسيع الدائرة، إذ يمتلك المعاقون طاقات كثيرة ينبغي استثمارها».

ولفت إلى أنه «شخصياً يبحث أحياناً عن متنفس لمواهبه المنوّعة، التي يحلم بأن ترى يوماً النور، وأن يستفيد منها المجتمع».

القارئ القادم من بلد يوصف بأنه «بلد المليون شاعر»، وصف نفسه بـ«المتطفل على الشعراء»، ولا يعد نفسه واحداً منهم، على حد قوله، منوهاً إلى أنه «حصل من معرض الشارقة على بعض الكتب التي تتناول تاريخ بلاده، وكذلك التاريخ الإنساني عموماً».

ثلاثة نماذج لقرّاء تحدّوا الظروف والألم، لأنهم يمتلكون شغفاً بالكتاب، ومحبة لنور الحرف والكلمة.. أصحاب قصص «ملهمة»، وعزيمة تجعلهم «قدوة» للأصحاء ولسواهم ممن حرموا نعمة ما، إذ يعتبرون جميعاً أن القراءة هي «الزاد الأجمل، وحياة العقل»، وينبغي أن يحرص عليها الجميع.

البداية من خارج الإمارات؛ من منطقة حائل في السعودية، إذ أراد الابن سعود فهد آل علي، أن يدخل البهجة على أبيه، الذي يقضى فترة نقاهة بعد جراحة زراعة الكبد، وسأله عن أفضل مكان يحب أن يتجه إليه، وفوجئ الابن بأن الأب يطلب «الاستجمام بين الكتب»، تحديداً في معرض الشارقة.

بعيداً عن المرض وآلامه، استهل فهد آل علي حديثه مع «الإمارات اليوم»، معرباً عن سعادته بالمشهد في معرض الشارقة، مضيفاً: «تمنيت لو يرى من يتهمون العرب بأنهم لا يقرأون هذا المشهد في معرض الشارقة للكتاب: الطفل والمرأة والرجل، جنباً إلى جنب، بشكل يفوق الخيال، وهذا عامل مطمئن، لأن القراءة غذاء للعقل من كل جانب، ولقد سررت جداً بما رأيت».

وأضاف: «رغم الظرف الصحي الحرج، وإجرائي جراحة زراعة كبد قبل ثلاثة أشهر، فإنني حريص حرصاً كاملاً على حضور معرض الكتاب، الذي سآتي إليه مستقبلاً أيضاً، وسأنقل صورته للجميع، فهو معرض تجد فيه كل ما تريد».

وتابع فهد: «مثل هذا المعرض لا يفوّت، إنه حدث خاص، وينبغي على الإعلام من كل الوطن العربي أن ينقل صورته للآخر»، منتقداً ما يراه تقصيراً إعلامياً عربياً في تغطية المعرض، ونقل أخباره.

كتب كثيرة ومتنوّعة حرص على اقتنائها فهد، الذي يحمل دكتوراه في الإعلام، لافتاً إلى أن «لديه رصيداً من زيارات المعرض المتكررة»، مشيداً بالتنظيم ودور النشر، وكذلك الشارقة «الجميلة بجمال أهلها، واستقبالهم الرائع والتسهيلات»، على حد تعبيره.

من المشاهد التي رسمت البسمة على وجه الزائر السعودي قسم الأطفال، معتبراً أن الصغار هم «من نرى المستقبل من خلالهم، ولقد وجدت إقبالاً كبيراً من الطلبة، حيث تحرص المدارس هنا على زيارة المعرض»، مشدداً على أهمية «القراءة.. القراءة.. القراءة، فالآن أجهزة التواصل الاجتماعي، تحاول أن تتخطف عقول الناشئة، لكنني وجدت هنا في المعرض ما يسرني».

القارئة الثانية هيفاء محمد منصور، التي تقيم في إمارة الشارقة، وتعشق التراث العربي، وفي الوقت ذاته الآداب العالمية، لاسيما الإنجليزي، تعلّقت بالقراءة من سن مبكرة، وكانت القصص بوابتها للدخول إلى عالم سحري، ومن القراءات الأولى تتذكر قائمة أسماء عربية وغربية، على رأسها، شكسبير، وإحسان عبدالقدوس.

تمتلك هيفاء، التي زارت معرض الشارقة بصحبة أختها وأبنائها، في منزلها مكتبة عامرة بالمؤلفات المنوّعة ما بين الدين والأدب والثقافة، لكنها رفضت وصفها بأنها تضم آلاف الكتب، إذ تحتوي على مئات العناوين فحسب.

قصص من الشرق والغرب، حصّلتها هيفاء، التي كانت تتوكأ على عكازين وتقف أمام دار نشر شهيرة، في زيارتها لمعرض الشارقة الذي تحرص دوماً على زيارته، ومنها: «المعطف وقصص أخرى» للروسي غوغول، و«البحر والسم» للياباني شوساكو إندو، و«السيدة دالاوي» للبريطانية فرجينيا وولف، وغيرها من الكتب المنوّعة.

لا تحصر هيفاء، التي تنتمي إلى عائلة تعشق القراءة، نفسها في مجال معين، رغم ميلها للأدب، إذ قالت: «أقرأ في كل شيء تقريباً، وأي كتاب أراه مفيداً أحرص على مطالعته والإفادة منه، وأخصص ساعات يومية لذلك، فالقراءة لا تحتاج إلى مجهود جسدي، وفي أي مكان يستطيع المرء أن يقرأ، ويستثمر وقت فراغه».

أما القارئ الثالث، فهو المختار بن أحمد عالم، من موريتانيا، الذي كان يتصفح سيرة الراحل الدكتور عبدالوهاب المسيري، فيرى أن «الكتاب يحيي الذاكرة»، ويحميها من الضمور الذي تسببت به الأجهزة الحديثة، «وجعلت الإنسان مدبراً عن القراءة، ومقبلاً على تلك الأجهزة التي تهدد العقل».

المختار أشار إلى أنه زار معرض الشارقة خلال دورته الـ33 أربع مرات، إذ يحرص على الاطلاع على جديد، وتجميع عدد من الإصدارات في مجالات مختلفة، لاسيما التاريخ الإنساني بوجه عام، والإسلامي بشكل خاص.

«الإعاقة في العقل، وليس في الحرمان من نعمة المشي على قدمين»، حسب القارئ الموريتاني، الذي يقيم في إمارة الشارقة، ويعمل بدائرة التخطيط والمساحة، مضيفاً: «قد تجد شخصاً مفتول العضلات وقوياً في الظاهر، لكنه من الداخل خاو، وقد تجد آخر ضعيفاً حرم من نعمة السير على قدميه، لكنه ممتلئ ولديه مواهب كثيرة». وذكر المختار، المتزوج ولديه ابنتان مريم وفاطمة، أنه «يخصص وقتاً يومياً للقراءة، وأنه اشترى خلال المعرض المعلقات السبع، وديوان المتنبي، المولع به وبسيرته وأشعاره، وكذلك حرص على شراء ديوان لشاعر موريتاني معاصر، هو أحمد ولد عبدالقادر، ومن أشهر أعماله قصيدة (الصحراء) الجميلة».

الأكثر مشاركة