سارة كوتنر.. العلاج النفسي ليس عاراً

وراء شبح «الاكتئاب» ونوباب الفزع، تركض الكاتبة الألمانية سارة كوتنر، محاولة ترويض - ما لا يروّض - في روايتها «نسخة معيبة» التي تصدّرت قائمة الأكثر مبيعاً حين صدورها، إذ تتناول تجربة نفسية تتماسّ مع روح العصر اللاهث، وتلخص سيرة كثيرين من الذين يبدوون ظاهرياً أصحاء، لكنهم ذوو أرواح عليلة، يخشون البوح بضعفهم، لذا يتساقطون في لحظة ما بلا مقدمات.

بحرفية تحفر الكاتبة سارة كوتنر في أعماق النفس، عبر بطلة حكايتها «نسخة معيبة» التي ترجمتها إلى العربية د. ناهد الديب، وصدرت عن المركز القومي للترجمة في مصر، أخيراً. تستولي على أجواء الرواية قصة الشابة كارو التي تتعرّض لأزمة، تقلب حياتها، إذ تستدعي كل ما مرّ بها من ألم، رغم أنها شابة في أواسط العشرينات، فتكشف عن نقاط ضعف الذات البشرية، وتبوح بكل ما تعرّضت له، لتصير الأزمة الأخيرة بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، أو الجزء الظاهر من جبل الثلج الذي يخفي الكثير من الطبقات في أعماقه.

مثل ملايين البشر، تبدو بطلة رواية «نسخة معيبة»، فهي لا تلجأ إلى العلاج النفسي إلا عقب تفكير طويل، وتيقنها بأن الأمور لا يبدو لها حل؛ وترددت طويلاً في اتخاذ تلك الخطوة: «أنا مؤمنة بأن العلاج النفسي ليس عاراً كي نخفيه، فأنا أعلم أن كل واحد من بين 10 يعاني الاكتئاب أو مرضاً نفسياً آخر، وأعلم كذلك أن الروح يمكن أن تمرض، تماماً كما تمرض المعدة أو الأوعية الدموية، كما أعرف جيداً أن الشخص لابد أن يكون على استعداد كامل لأن يكون واضحاً وصريحاً كي يتلقى المساعدة».

تحفل أحداث الرواية بالكثير، تأخذ قارئها إلى عوالم الاكتئاب ونوبات الفزع التي تسيطر على بطلة الحكاية، وتجعلها تقترب من حافة الخطر، تدخل إلى عيادات الطب النفسي، والمتخصصين في ذلك الميدان الصعب، تتحدث عن أدوية وجرعات علاجية ووصفات لمداواة الروح، وتتناول الرواية كل ذلك من خلال تجربة تلك الشابة (كارو) التي لاح لها الشفاء مرات، لكن المرض المعقد لا يلبث أن يعاودها، وكلما ظنت، وظن معها القارئ، أن النهاية السعيدة باتت قريبة، يلوح الاكتئاب في عرض آخر، ويرفض أن يغادر البطلة الشابة، وصفحات الرواية.

رغم ذلك لا تغرق «نسخة معيبة» في المأساوية أو الجنون، فهي في النهاية تلخص حياة فتاة عادية، تشبه ملايين البشر ممن يؤثرون السلامة ووجع الرأس، ويظلون يقاومون حتى نقطة بعينها، حينها لا يستطيعون فيضطرون إلى طلب المساعدة من الآخرين. يشار إلى أن مترجمة الرواية د. ناهد الديب نصت في تقديمها للرواية على أنها تحررت في بعض المواقع «القليلة جداً من الترجمة الحرفية، فحاولت أن أوصل إلى القارئ المعنى الذي قصدته المؤلفة، بأسلوب يتوافق مع طبيعة ثقافتنا العربية، ولا يخدش حياء القارئ، مسترشدة في ذلك بقول الكاتب الألماني الشهير جوته في شأن الترجمة، حيث قال ما معناه: الالتزام بالحرفية بقدر الإمكان، والتصرف بحرية عند اللزوم».

لكن قارئ النسخة العربية من الرواية ربما يفاجئ بأن تصرف المترجمة لم يكن قليلاً؛ بل تتجاوز الحد، لاسيما أنها «مصرّت» الرواية، بمعنى أنها لم تعرّبها، فغلبت عليها اللهجة المصرية، لاسيما في حوارات ومساحات سردية أخرى؛ وكأن أبطال الرواية قد تربوا في حي شعبي قاهري، وليس بين جنبات العاصمة الألمانية برلين.

5000 قارئ في حفل توقيع

 

سارة كوتنر - حسب مقدمة المترجمة - من مواليد 1975 في مدينة برلين، تعمل مقدمة برامج، ذاعت شهرتها من خلال برنامجها «استعراض سارة كونتر»، وكذلك برنامج «كونتر». صدرت لها مقالات مجمعة سبق نشرها في جريدة «زود ويشة»، وجريدة «موزيك إكسبريس». وفي عام 2009 فاجأت كونتر الجميع بنشر أول رواية لها بعنوان «نسخة معيبة»، وعلى الرغم من أنها باكورة إنتاجها الروائي؛ فإن الرواية استمرت أشهراً عدة على قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في ألمانيا، وقدمت الكاتبة الدليل على تمكنها من أدواتها في حفل التوقيع على النسخ الأولى من الرواية، الذي حضره ما يزيد على 5000 شخص، أدارت فيه الكاتبة حواراً وقرأت مقاطع من روايته لنحو ساعتين.

الأكثر مشاركة