العويس و«لؤلؤة الثقافة»
منذ أيام، مرت الذكرى الـ15 لرحيل الشاعر الإماراتي سلطان بن علي العويس، ورغم الغياب إلا أنه حاضر في المشهد الثقافي والإبداعي العربي؛ عبر قصائده الرقيقة، وجائزته المرموقة، ومؤسسته؛ فالعويس، تاجر اللؤلؤ الذي استهوته «لؤلؤة الثقافة»، توزعت حياته ما بين القصائد والتجارة، طاف بالشرق والغرب، وأخذ من تجاربه وعمله وتجارته مداداً لقصائده التي فاضت عذوبة، بعيداً عن الأرقام والصفقات المليونية في زمانه، ووصف ذاته قائلاً: «خلقت شاعراً وتاجراً في آن واحد».
لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط. |
تعلّق الراحل الذي غاب في الرابع من يناير عام 2000 مبكراً بالكلمة، وفي منطقة الحيرة بالشارقة التي شهدت الميلاد والنشأة، كانت أولى القصائد في حضرة مجموعة شعراء أصبحوا علامات في المسيرة الأدبية الإماراتية، لكن العويس كان موزعاً ما بين تجارته وسفراته والشعر، ليكتب قصيدته من وحي تعاملاته مع البشر والنماذج الإنسانية من هنا وهناك، ولم يكن يهتم حتى بنشر أشعاره، ورأى كثيرون أن الرجل مقلّ وزاهد، يكتفي بالقصيدة أو بالأبيات يرسلها حسبما تتراءى له، دونما افتعال أو ادّعاء أو إجبار.
برومانسية؛ بدأت حكاية العويس (1925 ــ 2000) مع الشعر، واستمرت هكذا، إذ استهلت مبكراً بقصيدة وجدانية بعنوان «الوردة»، وهو في العشرينات من العمر، ووصف القصيدة في أحد حواراته بأنها «النواة الأولى.. قصيدة نابعة من القلب تماماً»، والمفارقة أن أول مجلة نشرت عملاً شعرياً للعويس كانت «الورود» اللبنانية عام 1970. حمل العويس في قلبه معزة خاصة للبنان واستمرت تلك المودة بين الشاعر وذلك البلد، وكتب فيه قصيدة من أجمل ما أبدع، منها: «يد الخلاق أجزلت العطايا.. فأغدقت النعيم بلا حدود».
يحكي الأديب محمد المر عن ذكرياته مع سلطان العويس؛ خصوصاً لقاءه الأول مع «الشاعر التاجر»: «عندما بدأت زيارته خالجني الاندهاش والتعجب، وشعرت بقدر كبير من الاستغراب والحيرة، فالشخص الذي عرفني به أخبرني أنه تاجر، عجباً، أين دفاتر الحسابات السميكة والثقيلة، لم أشاهدها، شاهدت بدلاً منها دواوين الشعر الرقيق، هذا جميل بثينة وبجواره البحتري وفوقهما الخنساء، وغير بعيد المتنبي». وأطلق المر على العويس الذي كان يحتضن الثقافة وأهلها لقب «سلطان القلوب». بينما يصفه الأديب عبدالغفار حسين بـ«التاجر الذي استهواه الشعر أكثر مما استهوته التجارة.. فنحن أمام سلطان لسنا في حقيقة الأمر أمام تاجر، وإنما أمام فنان يستحوذ فنه على كل تفكيره، ويستهون في سبيل هذا الفن كل ما يمتلكه من مال ومتاع».
كان العويس يعتبر نزار قباني من أهم الشعراء العرب؛ لأنه «نجح في إيصال صوته للجميع، وردم الهوة بين الشعر الحديث والجمهور.. نزار قباني على كل لسان، دع معياري وتذوقي الشخصي هنا، وخذ الناس على نحو واسع. الناس هم المعيار.. هم المقياس». فيما رأى أن شعر أدونيس «للنخبة المثقفة، ويستعصي على الكثيرين، وهذا ليس مثلبة.. والذي يعجبني في أدونيس هو اختياراته الشعرية الذكية والإنسانية، فهو يعرف كيف ينتقي من التراث أجمل الأشعار، وأعمقها جدلاً وإثارة للأسئلة الإبداعية».
مبادرة سلطان العويس، وجائزته التي خصصها للثقافة والإبداع، كانت محل تقدير خاص من الكتاب والمفكرين، أشاد الجميع باستقلالية الجائزة وفرادتها، وأن تكون حتى بمعزل عن صاحبها.. رآها المبدع السوري الراحل سعدالله ونوس في كلمة الفائزين بها في أولى دوراتها: «انتصاراً للإبداع، وانتصاراً للثقافة ودورها، فهذه الجائزة المستقلة، التي بدا لنا جلياً أنها لا تقيس الإبداع إلا بالإبداع، ولا تتوخى الترويج لهذه السلة أو تلك، ولا تبحث عن ولاءات ومظاهرات يمكن أن تكون منفذاً يخرج به المبدع من حصاره، وهامشيته».
أحب العويس صوت أم كلثوم؛ وحضر حفلات لسيدة الغناء العربي، واستمع إلى «بعيد عنك»، و«أراك عصي الدمع»، وكتب قصيدة إلى «قيثارة الشرق»، منها: «سواء علينا ليلنا أو نهارنا.. فأنت لنا الإبصار والسمع والفكر.. كفى النيل فخراً أن تكوني نجيه.. كفى مصر في التاريخ أنت بها مصر.. لكل زمان عبقري بفنه.. وأنت مدى الأيام ما طلع الفجر».
يشار إلى أنه قد تمت الاستفادة من كتاب «سلطان العويس.. تاجر استهواه الشعر»، من جمع وإعداد عبدالإله عبدالقادر، الصادر عن منشورات اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، الطبعة الأولى عام 1988، ومقدمة «سلطان العويس.. الأعمال الشعرية الكاملة» الصادرة عن مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، الطبعة الثانية عام 2005.