رواية الكاتب اللبناني جبور الدويهي بـ «البوكر الطويلة»
صناعة الموت والاغتراب في «حي الأميركان»
عنوان مراوغ ومتاجرون بالدم والشعارات وصناعة الموت، وكذلك تركيبة معقّدة تتشكّل من فقر وتطرف واغتراب؛ تتلاقى جميعها في فضاءات رواية «حي الأميركان» للكاتب اللبناني جبور الدويهي، التي وصلت إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر)؛ التي كشف عنها أول من أمس.
إصدارات وجوائز جبور الدويهي كاتب لبناني، من أول إصداراته مجموعة قصصية بعنوان «الموت بين الأهل نعاس» 1990، وله العديد من الأعمال الروائية، منها «اعتدال الخريف» 1995، و«ريا النهر» 1998، و«عين وردة» 2002، واختيرت روايته «مطر حزيران» ضمن القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) 2008، وروايته «شريد المنازل» ضمن القائمة نفسها للجائزة في عام 2012، ونالت جائزة حنا واكيم للرواية اللبنانية، وجائزة «الأدب العربي الشاب»، باريس 2013، التي تمنح للمرة الأولى. |
من «حي الأميركان» في طرابلس لبنان تنطلق الحكاية، لتحطّ في أمكنة بالجملة، داخل بلد الأرز وخارجه، من باريس عاصمة النور إلى بغداد الملتهبة، لتختصر الرواية أحداثاً كثيرة، ولتربط ما بين حي منسي في لبنان، وما يدور حوله من صراعات؛ ليس من المبالغة وصفها بالمحورية التي تشغل العالم.
تبدو رواية الدويهي مهمومة في صفحات كثيرة بالتطرف وكيفية «تربيته»، تحاول رسم عوالم لتجار يقتاتون على الدم، تحت شعارات كبرى، وعلى النقيض تبدو مشغولة بشخصيات يأكلها الاغتراب، وتعيش على هامش الوطن، وربما الحياة جميعها؛ يلخص حكاية هؤلاء واحد من أبرز شخصيات الرواية، هو عبدالكريم، سليل عائلة آل عزام ذات التاريخ العريق، الذي يعود من باريس بعد قصة حب شديدة التوهج مع راقصة باليه صربية، ليقيم في قصر الأسرة شبه المهجور، مجتراً ذكرياته مع حبيبته عبر أسطوانتها وفساتينها وبعض النباتات التي كانت تعشقها وترعاها، وأصر «عبدالكريم» على أن يأخذها معه إلى بيته في لبنان.
لا تترك «حي الأميركان» ذلك المغترب أسير خيالاته القديمة، بل تورّطه في الأحداث، عبر خادمته «انتصار»، أم «إسماعيل»، ذلك الشاب الذي يتقلب من النقيض إلى النقيض مع تصاعد الأحداث.
فتى الرواية (إسماعيل) يجتذبه المتاجرون بالدم إلى عوالمهم، يغدقون عليه عطفاً ومالاً، يشعرونه بقيمته المنسية، فيتحوّل من «فتوة» مشاغب يتعاطى المسكرات يزيّن ظهره بوشم لـ«ملك الموت»، إلى «فتوة» من نوع مغاير، تحت شعارات هذه المرة، إذ يتم استغلاله أولاً في محاولة تفجير بتجمّع عاملات سيرلانكيات بائسات، وبعدها يترقى أكثر، فتهرّبه الجماعة، بعد أن صار مطلوباً من قبل السلطات اللبنانية، إلى العراق، ويتم اختياره لينفذ عملية انتحارية في محطة حافلات، إلا أن «إسماعيل» يتراجع في اللحظة الأخيرة.
وهنا يصف الكاتب مشهد ما بعد التراجع عن تفجير الحافلة التي كانت ممتلئة بالبشر، وذلك حينما رأى وجه أمٍّ تشبه أمه، وصبياً مريضاً ذكره بأخيه الذي يعاني المرض، وكان يعيش تحت رعايته: «بغداد التي دخلها مع الغروب جائعاً، ويد خفية تقوده في المدينة المترامية حتى رأى كشكاً لبيع الهواتف الجوالة فتذكر أمه وهاتفها، مازال يحفظ رقمه، انحفر في ذاكرته، خيطه الوحيد. اشترى هاتفاً مستعملاً بسعر بخس، جلس على طرف الرصيف واتصل بها. عند سماعه الرنة في الطرف الآخر شعر فجأة بأن جداراً ارتفع بينه وبين حياته الأخرى، أحسّ بأن صوته لن يصل، طلب أمه مرات عديدة من أمكنة عديدة، تجيبه ويعجز عن الكلام، يسمع صوتها ويقفل الخط. عجز عن التفوّه بكلمة واحدة، يريد فقط أن يسمع صوتها ويسألها عن أخيه المرض. حاول الكلام لكن صوته بقي مكتوماً».
تحفل الرواية بالمفارقات، تصوّر كيف يتم التلاعب بالمشاعر، ونسج أساطير وهالات؛ فإسماعيل صار رمزاً في «حي الأميركان»، رُفعت له صور شديدة الضخامة لتملأ كل الأعين، لعلها تجتذب شباباً آخرين، تحت اسم «الشهيد»، بعدما أذاعت قناة الجزيرة تسجيل ما قبل العملية (التي لم تتم أصلاً)، إذ أمد تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين» القناة بذلك الشريط.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news