مسرحية الماكينة تدفع المشاهد الى الغوص في تفاصيلها الخافية. الإمارات اليوم

«ماكينة» تــــونس لا تبوح بأسرارها.. و«زيبق» مصــر يستغني عن النص

تناغم فني، وانشغال برصد التحول السياسي والاجتماعي، سيطر على العملين المشاركين باسمي تونس ومصر في مهرجان المسرح العربي الذي تستضيف العاصمة المغربية الرباط فعاليات دورته السابعة حتى الـ16 من الشهر الجاري.

وشهد أول من أمس عرض مسرحيتي «الماكينة» التونسية، و«الزيبق» المصرية، وعلى الرغم من أن الرسالة المباشرة للعمل الأول تؤشر إلى المصير البشري المحتوم الذي تؤول إليه المصائر، في زمن ينتصر لـ«الماكينة»، على حساب كل شيء، بما في ذلك العقل والمشاعر، من خلال تشيء، حتى المعنوي، فإن مخرج العمل وليد الدغستي، سعى إلى منح الأولوية السياسية في قراءة العمل، ليؤكد أن «الماكينة لا تبوح بأسرارها للجمهور، حتى مع انتهاء العرض»، وهو ما جعله يصب قدراً كبيراً من جهده، مؤلفاً ومخرجاً، ليظل الأمر كله في سياق التلميح الذي لا يقترب مطلقاً من التصريح بأنه يتطرق إلى تونس ليس بالمطلق في ما بعد «ثورة الياسمين»، بل تحديداً خلال الحقبة الأخيرة من تطور مسيرتها السياسية، وتأثير ذلك في العلاقات بين البشر.

ولم يلجأ المخرج إلى الإضاءة المتحولة، إلا في نطاق ضيق جداً، وفضّل الاعتماد على المسرح المكشوف، وهو أسلوب بدا متكرراً في أكثر من عمل، وهو أمر أبقى الإيحاءات النفسية لعنصر الإضاءة محايداً تماماً، وألقى بهذا العبء بالكامل في مسؤولية سائر عناصر العمل، خصوصاً الأداء التمثيلي الذي تفاعل معه الجمهور بشكل ملحوظ من خلال التصفيق المشيد.

فترة الشك

فريق

يضم فريق «الزيبق»:

• إعداد موسيقي وتصميم وإخراج: طارق حسن.

• المؤدون: محمد صلاح (حسن رأس الغول)، مريان يسري (أم علي الزيبق)، محمد عبدالصبور (سنقر الكلبي)، شيرلي أحمد (دليلة)، منال بكرى (رمانة)، سعد يحيى (علي الزيبق)، ياسمين سمير (الحبيبة)، محمد سالم (نمنوم).

• تدريب ممثلين: هاني حسن.

استلهام التراث

حرص مخرج الزيبق على كسر قواعد الإضاءة لتوصيل الفكرة، واهتم بالسينوغرافيا بشكل متكامل، وشدد على أن الفرقة تسعى إلى استلهام قيم التراث دون نقله الجامد من الميدان إلى المسرح، مشيراً إلى أن فرقة فرسان الشرق للتراث تأسست عام 2009 على يد المصمم والمخرج وليد عوني، بهدف استلهام التراث المصري والعربي، وإعادة صياغته فنياً من خلال تصميمات وتابلوهات حركية مبتكرة تحمل صبغة شعبية وتاريخية، ثم انضمت إلى فرق دار الأوبرا المصرية، وظهر أول أعمالها عام 2010 باسم «الشارع الأعظم».

لفت الداغستي إلى أن الفرقة المنتجة «كلاندستينو التونسية» تم تأسيسها بالأساس في فترة الشك في وصول تيار سياسي إلى الحكم لا يحتفي بالفنون عموماً، خصوصاً المسرح، لذلك تم تقديم قراءة درامية للواقع التونسي، عبر مسرحيتين، أولهما مسرحية «انفلات» التي تناولت حالة الفوضى التي عادة ما تتبع الثورات، ثم مسرحية «التفاف» التي جاءت بمثابة الجزء الثاني المكمل لانفلات المرحلة التي تلت الثورة، والتي فيها الانتخابات والتخوف من الفكر المتطرف، فيما تجيء «الماكينة» بمثابة العمل المتمم للثلاثية.

وحول حدود المسرح، ومدى قابليته للحفاظ على جمالياته كفن، في ظل الإصرار على أن يكون المشهد السياسي في صدارة أولوياته، رأى مخرج «الماكينة» أن دور المسرحي ليس مخاطبة جمهوره فقط، بل أيضاً رجل السياسة، دون أن يعني هذا أن المسرح في صراع دائم مع السلطة والسياسيين.

وأوضح المخرج أن «الماكينة» «مسرحية تخفي أسراراً قد لا تبوح بها ولو انتهى العرض، وتدفع المشاهد إلى الغوص في تفاصيلها الخافية، وهو ما يؤكد أن المسرح في تونس لايزال محافظاً على تقاليده على اختلاف الأجيال والرؤى، عبر الحرص على تقديم عرض يدرك مساحات الجمال الفني، ويغدو فضاء ممتعاً ومثالياً للهروب من أسر الواقع العبثي الذي تحياه البلاد هذه الأيام، فيعطي المتفرج أملاً في الغد عبر الحلم والرغبة في الفعل المسرحي الجاد والحامل لمعنى».

ووصف «الماكينة» بالقصّة السيزيفيّة تصور المصير التراجيدي للعالم العربي، معتبراً أن العمل يكرس طابعاً خاصاً تقنياً فيه شيء من الخصوصية، يقف على مدى إدراك المشاهد اكتشاف الخطوط العريضة.

لم ير مخرج «الماكينة» أي إشكالية فنية في أن يكون «الجانب السياسي ذا أولوية لدى الفنان المسرحي»، مضيفاً «بالنسبة للجانب السياسي فإن تفكيك المسألة السياسية يتيح أن نقدم ونعرض المواقف السياسية التي تهم المواطن التونسي، أحياناً بالتلميح، وأحيانا أخرى بالتصريح».

وتابع «المسألة السياسية هي الأساس في أعمالنا، حيث يتدحرج الإنسان العربي، بين الحلم بالجمال ونيران الواقع، بين طيبة القلوب وسوء النوايا، بين الأشرعة البيضاء والرايات السوداء. على هذه الأرض العربية المُتقلبة، تصعب الحياة بكرامة، ويصعب معها التمتّع بالحقوق وبأبسط الحرّيات، بعد أن تُزرع بذور اليأس... وقد جسّد العرض هذه المعاني من خلال لوحة الانتحار المؤثرة، التي يضرب فيها الممثّلون حبالاً حول أعناقهم، مشهد ضارٍ يرسم نهاية الإنسان الذي يفقد كل إمكانيّة للحلم والأمل.

ملحمة شعبية

وشهد العرض المصري حرصاً ملحوظاً على متابعته، سواء من قبل ضيوف المهرجان، أو في ما يتعلق بالجمهور المغربي، على الرغم من أن العمل لفرقة شبابية متخصصة في العروض التراثية هي فرسان الشرق للعروض التراثية والرقص المعاصر التابعة لدار الأوبرا المصرية.

وليس بعيداً عن الاهتمام بالحياة السياسية، جاء العرض، لكنه اختار اتجاهاً معاكساً للاتجاه التونسي، من خلال العودة إلى التاريخ، والوقوف عند فترة بعينها، من خلال التراث الشعبي الذي روي عن شخصية علي الزيبق، وحالة الاستبداد في علاقة الحاكم بطبقات المحكومين، وانسحاب ذلك على مجمل الحياة الاجتماعية، لكن اللافت ألا محتوى نصياً يذكر في العمل الذي استعان بالرقص والاستعراض والأداء الحركي لعكس الحالات والأجواء النفسية المتبدلة للشخوص.

وتدور أحداث «الزيبق» حول شرارة الثورة ضد الطغاة، وكيف يولد الأمل من جديد من خلال الزيبق الذي يكمل مشوار أبيه الثوري ضد الظلم والاستبداد. ويعد العمل صياغة درامية بطريقة راقصة استعراضية، يحاكي فيها المصمم والمخرج جموع الشعب الفقير الباحث عن الحرية والعدالة الاجتماعية.

حول العرض قال مخرجه طارق حسن، إن «المسرحية من الملحمة الشعبية المعروفة لشخصية علي الزيبق، التي تعد من أيقونات التراث المصري والعربي، وتؤكد أن مصر زاخرة بكنوز التراث الشعبي، لما لها من مكانة متميزة في عقول المصريين وقلوبهم؛ إذ ينادي العرض بقيم ومعانٍ سامية؛ منها العدل والمساواة، وحب الخير والسلام، ويعمق الانتماء إلى أوطاننا العربية».

وأكد أن «التراث من أهم سمات الشعوب، لأنه يهدف إلى خلق ثقافة السلام والحوار، وتعميق أواصر الحب والإخاء والتضامن الإنساني، فهو بمثابة تعبير راق عن المشاعر والآراء والخبرة الإنسانية، وتعبير عن مدى تمسكنا بقيم وطننا وهويتنا العربية».

واعتبر حسن العودة إلى التراث بمثابة «الأمل في إرجاع الحلم وعلاج مشكلاتنا، ونحاول تقديم فن تراثي بطريقة خاصة، تعتمد على توظيف التراث وتوصيله إلى المجتمع بأساليب مختلفة، تأكيداً على أن التراث وسيلة مهمة لحل المشكلات».

الأكثر مشاركة