رواية الكاتب اليمني حبيب سروري في «البوكر»
«ابنة سوسلوف» ترثي «عدن» و«نجاة» والأحلام
عن اغتيال الأحلام ورموزها، وحتى مدنها، وتحولات المكان وناسه؛ تبنى الحكاية في رواية «ابنة سوسلوف» للكاتب اليمني حبيب عبدالرب سروري، التي تهيمن أجواء الموت الحقيقي والمعنوي على عوالمها، حتى إن الراوي يستدعي «هازم اللذات» ذاته، ليقصّ عليه ما حصل لحياته و«نجاته»، وكذلك لمدينته الأثيرة عدن التي مرّت بتغيّرات بالجملة.
بروفيسور ومبدع حبيب عبدالرب سروري كاتب وروائي يمني، بروفيسور في علوم الكمبيوتر في قسم هندسة الرياضيات التطبيقية بروان في فرنسا. صدرت له روايات «الملكة المغدورة» بالفرنسية عام 1998، وترجمها إلى العربية محمد زيد في 2002، ورواية «عرق الآلهة» 2009، و«تقرير الهدهد» 2012، و«أروى» 2013. وله في الشعر «شيء ما يشبه الحب» 2002، وقصص «همسات حرى من مملكة الموتى» 2000. نشرت له كتب علمية عدة، وأكثر من 95 بحثاً علمياً بالفرنسية والإنجليزية في مؤتمرات ومجلات علمية دولية، وذلك حسب التعريف به على غلاف روايته الأخيرة «ابنة سوسلوف». |
«ابنة سوسلوف»، التي وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية، تضم بين صفحاتها الـ220 خليطاً من البشر والشخصيات، لكن أزمتها أن خيوط تلك الشخصيات تهيمن عليها قبضة الراوي الذي يعد الصفحات مساحة خاصة له للبوح والحكم على الآخر، ينطلق من مأساته الخاصة، ومأساة مدينته الصغيرة عدن، والكبيرة اليمن، وربما محيطه العربي كله؛ خصوصاً بعد شرارة البوعزيزي، يتحدث عن الماضي والحاضر، يعود إلى بدايات الستينات وأحلام العدالة، وأطفال ثوريين يؤيدون انتفاضة في موزمبيق، وهم لا يعرفون حتى مكان تلك الدولة على خارطة العالم، ويشتبك الراوي مع الأحداث العربية، ويترجم مشاعر المغترب الذي يتعلّق بالأحلام من جديد، ليدخل في دائرة مغلقة من الإحباطات المتوالية، متسائلاً: «ثورة إلى الأمام هذه، أم هرولة إلى قندهار؟».
«تغيير، تكفير، تفجير».. بعض الكلمات «المفاتيح» في «ابنة سوسلوف» الصادرة عن دار الساقي، كلمات تفضي إلى سلاسل من التحوّلات والأحلام المبتورة، في مراحل عدة تتبعها الرواية، وتمنح نموذجاً مصغراً لها، وهي مدينة عدن، إذ تنشغل الرواية بتوثيق جانب من أزمة تلك المدينة التي وقع كثيرون في أسرها، تسجل ملامح من تاريخها، بعدسة أحد أبنائها المحبين، وهو راوي الحكاية عمران، الذي بحث طويلاً عن «عدنه المفقودة»، التي أتت عليها، كما أتت على مساحات من اليمن موجات من «المد الظلامي» والتعصب والتكفير للمخالفين في الرأي. تحاول الرواية أن تجيب عن سؤال: كيف تحول أناس من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، وكيف انقلبت «ابنة سوسلوف» من فتاة منطلقة إلى جهادية تقبع في قصر أحد زعماء تلك الجماعات، وكيف تحولت بعد أحداث مارس إلى فتاة أخرى تتخفف من بعض ما حملته لسنوات، عازمة على عدم ترك الموجة الجديدة، وكأنها تلخيص لحال كثيرين.
في حياد ما عن المسار الفني، تنغمس الرواية في «الربيع العربي»، تستحيل إلى توثيق انطباعي من وجهة نظر الراوي ومن يحرّكه، يعود عمران إلى وطنه اليمن منضماً إلى جموع ميدان التحرير الراغبين في التغيير، يسجل – بذاتية ـــ يوميات الثورة، وشعارات المعتصمين في ميادينها، يحكي بعض حواراتهم، ومشاهد ربما تبدو مكررة، خصوصاً في كتب عدة وثّقت لتلك الأحداث في اليمن وسواها من الحواضر. يبدو الراوي هنا في «ابنة سوسلوف» مهموماً بالتحوّلات، لذا يضع يده على قلبه، مستشعراً أن «الخلطة الثورية» لن تخرج في النهاية إلا ما حصل في اليمن.
ومن أجواء الرواية، وتذكر حبيبة البطل التي لقيت مصرعها في تفجير إرهابي في إحدى محطات المترو بفرنسا: «في أول عيد ميلاد لي، ونحن نعيش معاً، أهدتني 21 قلم رصاص، وفي آخر عيد ميلاد سبق رحيلها أهدتني 38 قلم رصاص.. بفضل الأقلام تعرفت (عندما استدعاني البوليس إلى محطة سانت ميشيل) على نجاة بين أشلاء مزقتها وأحرقتها العبوات الناسفة. عندما ترى، عزيزي عزرائيل، ملكة ملكات الكون، ملكة جماله، كومة أشلاء ودم مخلوطة بقلم حبر تكلس تماماً (هدية)، وبأقلام رصاص متفحمة وكتب محروقة (هوامش الهدية)، تفقد الحياة في منظرك كل معنى وهدف، وتتحول كابوساً دائماً لا غير، محيط ظلمات. تدرك فعلاً أن جزءاً من دماغك قد تعطل كلية وإلى الأبد! تدرك فعلاً أن جزءاً من حياتك قد انهار كلية إلى الأبد! كل ما عدا ذلك ثرثرات صالونات! إلهي، ماذا يدور في دماغ جهادي يضع قنابله في سلة مهملات محطة مترو؟».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news