شكَّل عماد اقتصاد الخليج والمهنة الأبرز حتى الحرب العالمية الثانية
صيد اللؤلؤ قصص محفــــوفة بالمغامرة والمخاطر
التاريخ هو الهوية الحقيقية للأمم والشعوب، وهناك علامات فارقة في تاريخ الشعوب والدول لا يتشابه ما قبلها مع ما بعدها، كما في تاريخ الثاني من ديسمبر 1971، الذي يمثل في حقيقته جوهر تاريخ دولة الإمارات، واللبنة الأساسية التي بنيت عليها أسس قيام الدولة وتطورها ونموها، واستناداً إلى أهمية هذا التاريخ، وإلى حقيقة أن «تاريخ الإمارات المشرق لا يقل أهمية عن حاضرها الزاهي»، جاءت مبادرة «1971»، التي أطلقها سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، بهدف الإسهام في توثيق تاريخ الدولة في جميع المجالات.
واستلهاماً لهذه المبادرة المهمة، تأتي هذه الصفحة الأسبوعية التي تقدمها «الإمارات اليوم»، بالتعاون مع «الأرشيف الوطني»، التابع لوزارة شؤون الرئاسة، للتعريف بشكل الحياة في الإمارات قبل الاتحاد، وخلال بداياته الأولى، والجهد الكبير الذي بذله الآباء المؤسسون للدولة من أجل قيامها.
لصيد اللؤلؤ تاريخ عريق في منطقة الخليج العربي، فقد كانت تجارة اللؤلؤ المهنة الأبرز في المنطقة منذ القدم وحتى الحرب العالمية الثانية، حيث كانت دول الخليج تبيع اللؤلؤ وتصدّره إلى دول كبرى مثل: بريطانيا وفرنسا والهند وإيطاليا، وسائر بلدان أوروبا، إلى أن قامت اليابان بزراعة اللؤلؤ، فأصبح اللؤلؤ الطبيعي باهظ الثمن، وأقبل الجميع على اللؤلؤ الاصطناعي.
لمشاهدة صور تاريخية، يرجي الضغط علي هذا الرابط. أرقام وأحداث 7 يعتمد الوزن على فرز اللؤلؤ أولاً من حيث حجمه بواسطة طاسات مثقوبة تصل إلى سبع طاسات. 30 زادت قيمة اللآلئ الطبيعية والمستزرعة المتداولة عبر دبي بمعدل 25% سنوياً في المتوسط بين عامي 2003 و2011 لتصل إلى 30 مليون دولار سنوياً في السنوات القليلة الماضية، بينما ترتفع أحجام التداول 10% سنوياً. 40 عرف العالم اللؤلؤ منذ قديم الزمان، حيث تضمنت مخطوطة أشورية تعود إلى 40 قرناً خلت، إشارة إلى لآلئ البحرين. 722 شهدت دبي بيع أغلى لؤلؤة في الشرق الأوسط، يبلغ وزنها 224 قيراطاً، وتعد ثاني أكبر لؤلؤة من نوعها في العالم، وواحدة من بين تسع فقط عرضت في مزادات علنية دولية، واشتراها مقتن صيني مقابل مليوني و600 ألف درهم (722 ألف دولار). مواسم الصيد كان صيد اللؤلؤ يتم في مواسم معينة خلال السنة من أهمها: ■ الغوص الكبير: أو كما يعرف بالغوص «العود»، ويعد من أطول وأخطر الأنواع، وهو يبدأ من شهر مايو ويستمر حتى شهر سبتمبر، وفي هذا الغوص تتوجه جميع سفن الغوص الكبيرة والصغيرة إلى المغاصات البعيدة، وغالباً ما يستمر الغوص الكبير نحو أربعة أشهر. ■ غوص الخانجية: فيبدأ بعد انتهاء فصل الشتاء، وتحديداً في شهر أبريل، إذ لاتزال مياه البحر باردة، ويسمى أيضاً بـ«غوص البرد»، ويستمر هذا الغوص حتى شهر مايو، وقد تزيد مدة الغوص على أسبوعين، ولا تتجاوز مدته 40 يوماً. ■ غوص الردة: وتعني العودة إلى البحر، ويبدأ هذا النوع من الغوص بعد نهاية موسم الغوص الكبير مباشرة، أي في شهر أكتوبر تقريباً، حيث يكون البحر بارداً، ولا تستغرق مدته أكثر من شهر، في المقابل غوص الرديدة وهو تصغير للردة، أي العودة مرة أخرى ولأيام معدودة بعد عودتهم من غوص الردة مباشرة، ويكون الغوص في الأماكن القريبة، على اعتبار أن الجو يكون بارداً. ■ غوص القحة: يتم بالقرب من الديار والأهل، وكانت المرحلة الواحدة منهما تستمر نحو ثلاثة أسابيع، أو شهراً واحداً تقريباً، وذلك عندما يضطر بعض الغواصين إلى العمل للحصول على مزيد من الأموال، ليتمكنوا من سداد ديونهم التي لم يتمكنوا من تسديدها بعد مرحلة الغوص الكبير، وكان البحارة في مرحلتي القحة يقتسمون الأرباح بالتساوي. |
الإماراتي فرج بن بطي المحيربي، الذي ارتبط بالبحر منذ كان صبياً صغيراً يعمل في سفينة للغوص، إلى أن أصبح قبطاناً لسفينة غوص، كما كلّفه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، برئاسة «جمعية الإمارات للغوص»، عقب أن أمر بإنشائها للحفاظ على الموروث البحري للدولة، يؤمن بأن المحار إذا كان في صحة جيدة، فإن البحر في حالة جيدة، وينعكس هذا الأمر علينا جميعاً.
وعن بدايته في الغوص يقول المحيربي في شهادته التي تم توثيقها في كتاب «ذكريات الإمارات» الصادر عن «الأرشيف الوطني»: «بدأت مزاولة الغوص وأنا في السابعة من عمري، وعملت (فلّيّج)، فكانوا يضعوننا في مجموعات تضم كل مجموعة من 10 إلى 16 شخصاً، وكانت مهمتنا أن نفتح المحار ونخرج اللؤلؤ. وفي المرحلة التالية عملنا (سيوب) نخرج الغواصين من أعماق البحر برفعهم إلى سطح الماء. وبعد مرحلة السّيب، نصبح غواصين، وهذه المرحلة، بلا أدنى شك، من أشد درجات الخطر حيث الغوص في قاع البحر وأعماقه»، مشيراً إلى أن يوم الغواص والعاملين على ظهر السفينة يبدأ في السابعة صباحاً حتى الساعة السابعة مساءً، وبينما يكون الغواص في قاع البحر يكون (السيب) واقفاً على السفينة، وبيده حبلين لرفع الغواصين من قاع البحر. ويحبس الغواص أنفاسه وهو في قاع البحر، وعندما يخرج يكاد وجهه ينفجر من ضغط الماء، فتخرج من فمه عبارة «يالله يا رب العالمين، يا بخت الضيف بعشاه، يا بخت الدّيان بوفاه»، يقولون ذلك لأنه لم يكن لهم ما يشغل فكرهم ويجلب لهم الهم سوى الدّين، فهم لا يحبون أن يكون عليهم دّين أو ما يعكر صفو الحياة الكريمة، ويعرضهم للذل والمهانة.
وفي كثير من الأحيان، ربما لا ينتظر (الطواشون) وهو لقب كان يطلق على تجّار اللؤلؤ، نهاية موسم الغوص لشراء ما حصدت سفن الغوص، فيدخلون البحر، ويشترون اللؤلؤ من على ظهر السفن الموجودة على امتداد الخليج العربي من الكويت إلى عُمان. وقد يصل دخل سفينة واحدة من ستين إلى 100 ألف روبية. وهذا المبلغ كان كبيراً في تلك الأيام، وهو يعادل ملايين الدراهم بعملة اليوم.
ويستمر المحيربي في سرد ذكرياته، موضحاً أن «لنظام الغوص معادلات حسابية دقيقة، فدخل الغواص يعتمد على نسبة الأرباح العامة، وقد يتراوح ما يحصل عليه بين 500 و2000 روبية في كل موسم، وبناء على ذلك يحصل (السيّب) على نصف ما يحصل عليه الغواص، ويحصل (الفليج) على 200 روبية، وهكذا تتدرج الرتب وتتفاوت نسب الدخل»، لافتاً إلى أن موسم الغوص يستمر لمدة أربعة أشهر يقضيها الغواص بين الشقاء والهلاك، وعندما ينتهي الموسم يكون (القفّال)، فيعود الجميع إلى ديارهم. وقد يذهب البعض إلى القنص في الشتاء، وينشغل البعض الآخر بالإبل والخصول، وتهتم فئة أخرى بالاحتفالات الشعبية فيمارسون فنون (العيالة) و(الليوا) وغيرهما.
أيضاً يختزن خميس بن راشد بن زعل الرميثي في ذاكرته كثيراً من المعلومات عن الصيد واللؤلؤ، مشيراً إلى أن عائلته وقبائل أخرى من جزيرة أبوظبي كانت تقضي فصل الصيف في البحر والغوص على اللؤلؤ، وقد يذهب البعض إلى واحات ليوا والعين لجني الرطب وتعبئة التمور. أما فصل الشتاء فكانت تقضيه أسرته في (البزوم) وهي مجموعة جزر طبيعية تابعة لإمارة أبوظبي، وموقعها غاية في الأهمية من حيث قربها للمواقع الغنية باللؤلؤ فيقصدها تجار اللؤلؤ وآخرون يروّجون لبضائع مختلفة جلبوها من الهند وإيران وإفريقيا.
واشار الرميثي إلى أنه مارس الغوص منذ صغره ولمدة 10 سنوات، ثم أوّكل إليه والده قيادة سفينة غوص ووضعه رباناً عليها وهو صغير، ومع الخبرة الكبيرة التي اكتسبها من والده ومن البحر، إلى جانب الموهبة التي وهبه الله إياها، اشتهر بقدرته على قيادة السفينة في ظلام دامس، ومن دون الاستعانة ببوصلة، وبرغم ذلك لا يصطدم بشيء، وكذلك قدرته على تخطي تحديات البحر وتقلب أهوائه وارتفاع موجه، إلى جانب تمرسه في مجال اللؤلؤ، الذي شغف به في الفترة التي تلت عمله قبطاناً، ومارش تجاره التجارة فأصبح (طواشاً) ملماً بمسمياته اللؤلؤ وأوزانه وأشكاله ومقاييس جماله التي يتم تثمينه وفقاً لها.
وقال الرميثي: «لقد لعبت جزر أبوظبي دوراً رئيساً في استمرار الحياة وتنوّع مصادر الرزق، فجزيرة دلما كانت في أوج ازدهارها قبل انهيار تجارة اللؤلؤ حتى أطلق عليها البحارة اسم (مومبي الصغيرة) كناية عن الأضواء والحياة الاقتصادية المفعمة بالنشاط آنذاك. والبزوم كذلك، فهي تتقسم إلى قسمين: البزم الشرقي، والبزم الغربي، وفي البزم الغربي (كوكب ماء الينابيع العذب وسط ماء البحر المالح) ويذهب الناس على ظهور الحمير لجلب الماء العذب عند الجزر وتقصدها أيضاً سفن الغوص التي تتزوّد بالماء العذب لرحلات الغوص الطويلة. وكنا نسكن في البزم الشرقي الذي يتكون من أربع مناطق: الفيي، اللبة، والغبة، ومروّح. وسميت الفيي كذلك لوجود فجوة يتخللها ماء البحر فيفصلها إلى جزئين. ويستطيع الناس السير بينهما في أوقات الجزر، ويتعسّر عليهم في أوقات المد حين يطغى الماء ويدخل بغزارة».
أشكال وأحجام اللؤلؤ
■ الشكل الدائري: يأخذ شكلاً مستديراً كاملاً ويبدو بسبب هذا الوصف جميلاً.
■ الشكل نصف الدائري: يأخذ شكلاً غير مستدير، حيث يكون كأنه نصف دائرة على قاعدة له.
■ تنمبولي: يشبه الشكل الكمثري.
أحجام
■ الرأس: هي اللآلئ الكبيرة التي لا تسقط من الطاسة الكبيرة.
■ البطن: هي اللؤلؤة التي تأتي بعد الرأس، حيث إنها لا تسقط من الطاسة الثانية.
■ الذيل: هي التي لا تسقط من الطاسة الثالثة، ويعدّ من الأنواع المتوافرة أكثر من غيرها.
نظام الغوص
تعتمد عملية صيد اللؤلؤ على نظام محدد يقوم على العمل الجماعي، والتنظيم والإدارة الفاعلة، وتقسيم المهام خلال رحلة الغوص، ويتضمن فريق العمل عدداً من الرجال الذين يضطلعون بكثير من المهام المتكاملة التي تؤدي في نهاية المطاف إلى رحلة غوص ناجحة، من هؤلاء الرجال:
■ النوخذة: هو ربان السفينة والمسؤول الأول والمباشر عن رحلة الغوص، وقد يكون غالباً مالكاً لسفينة الغوص. ومن أهم السمات التي يجب أن يتمتع بها أن يكون صاحب خبرة كبيرة في مجال عمله، كأن يكون قد عمل لفترة طويلة في مجال الغوص. وأن يكون على علم ودراية بالأماكن التي يوجد فيها اللؤلؤ (الهيرات)، وتتوافر لديه معرفة كافية بعلم الفلك، ليعرف عن طريق النجوم اتجاه السير، فيقود سفينته بنجاح، إضافة إلى امتلاكه شخصية قوية ليستطيع إدارة العمل، والسيطرة على جميع العاملين في السفينة، وأن يكون على علم بكل الأدوات الموجودة على ظهر السفينة، وطرق استخدامها، ويمتلك أمر بيع اللؤلؤ المستخرج للتجّار(الطواشين)، ولديه مصادره التي تعينه على البيع.
■ المقدمي (المجدمي): هو رئيس البحارة، والمسؤول عن العمل في السفينة، والأمين على حاجاتها.
■ الغيص (الغواص): الذي يغوص في البحر لجمع المحار.
■ السيب: يقوم بسحب الغيص من قاع البحر.
- الجلّاس(اليلاّس): الذي يقوم بفتح المحار.
■ السكوني: يمسك بدفّة السفينة ويستجيب لأوامر النوخذة في توجيه السفينة.
■ النهّام (النهيم): هو الشخص الذي يغني لطاقم السفينة، فيخفف عنهم رحلة غربتهم، ويحفزهم على العمل.
أدوات الغوص
يتم خلال عملية الغوص وصيد اللؤلؤ استخدام مجموعة من الأدوات من أهمها:
■ الفطام: مشبك يضعه الغواص على أنفه أثناء الغوص، حتى لا تتسرب المياه إلى جوفه.
■ الحصاة (الحجر ـــ الثقل ـــ البلد): يربط في رِجْل الغواص ليساعده على النزول إلى العمق المطلوب.
■ الشمشول: رداء أسود سميك يلبسه الغواص.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news