كتاب بغداد عبدالمنعم أصدره معهد المخطوطات العربية

«التراث في أتون الحروب».. ناجٍ من نفق الموت السوري

المؤلفة السورية أنجزت كتابها في مدينتها حلب تحت النار ووسط معاناة كبيرة. أ.ف.ب

ترى الباحثة السورية بغداد عبدالمنعم أن الحرب في أحد جوانبها جدل بين القوة العسكرية والمعرفة، وأن الحرب الأهلية الملازمة لفترات الانعطاف في التاريخ هي أكثر خطورة على التراث المخطوط، وإن كانت كل أشكال الحروب تعرض المخطوطات لخطر الإغراق أو الحرق، أما في الحرب الباردة فلا تسلم المخطوطات من السرقة والتهريب.

ملايين بعيدة عن المطبعة

تشير الباحثة السورية، بغداد عبدالمنعم، إلى أن لدى العالم العربي «الملايين من كتبنا لم تدن بعد من المطبعة. لما تزل بخطوط وأحبار النساخ أو بخطوط مؤلفيها أو لعلها تكون نسخة وحيدة باقية».

وترى أن هذا التراث يحتاج إلى جهود «استراتيجية لا تعنى بالقضايا البحثية والنشرية فقط، بل بتسجيل الأخطار المحدقة به والإعلان عنها، والإسراع بالحد منها وإيقافها»، خصوصاً في مناطق الحروب باعتباره تراثاً إنسانياً.

وتضرب مثلاً بالحملات الصليبية (1096-1291) التي قضت على عشرات الألوف من المخطوطات في مجالات العلوم والفلسفة والأدب، التي كانت في خزائن القدس ودمشق وحلب وطرابلس. وحين اجتاح المغول بغداد عام 1258 أغرقوا مخطوطاتها في نهر دجلة. وبعد سقوط الأندلس عام 1492 جرى «إحراق مليون مخطوطة عربية وغير عربية من خزائن قرطبة وغرناطة» أمام الملكين فرديناند الثاني وإيزابيلا.

وذكرت بغداد أن مشهد إحراق المخطوطات بدا لفرديناند الثاني وإيزابيلا «وكأنه جيش إزاء جيشهم فتعاملوا معه بطريقة عسكرية تماماً» وكان من يضبط محتفظاً بالمخطوطات العربية يتعرض للمحاكمة.

وأضافت في كتابها «التراث في أتون الحروب» أن الحروب في التاريخ العربي استهدفت المدن التي كانت مراكز للمخطوطات العربية الجاذبة لاهتمام الأوروبيين، حتى إن ملك فرنسا لويس التاسع (1214-1270) «نقل معه من دمياط مخطوطات عربية وقبطية» وقلده كثير من أمراء فرنسا وأثرياؤها المرافقون لحملته.

وتفسر استهداف الحملات العسكرية للمكتبات بأن وراءه «عقدة نقص هائلة تجاهها وتجاه منتجيها وصانعيها... بإمكاننا ربط.. حدث إحراقها بالمحتوى النفسي للمنتصر... لابد من مواجهتها وتحقيق نصر.. بإحراقها وتحويلها إلى رماد»، وهو سلوك أقرب لإرهاب فكري اضطر معه كثير من مالكي المخطوطات إلى دفنها أو حرقها سراً منعاً للمحاكمة.

وتورد الباحثة بيتاً من الشعر قاله أبومحمد علي بن حزم الأندلسي (994-1064) رداً على إحراق ملك إشبيلية المعتضد بن عباد مخطوطات كتبه.. «فإن تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي..

تضمنه القرطاس بل هو في صدري».

وكتاب «التراث في أتون الحروب» الذي يقع في 178 صفحة يحمل عنواناً فرعياً هو «المخطوط العربي من القرن الخامس حتى اليوم»، وأصدره معهد المخطوطات العربية بالقاهرة باكورة لسلسلة كتب بحثية تحت عنوان «كراسات تراثية» تهدف إلى معالجة قضايا التراث «بمقاربات جديدة... قضايا التراث أصبحت اليوم أكثر عصرية من قضايا العصر ذاته»، كما يقول الباحث السوري مدير المعهد، فيصل الحفيان، في مقدمة الكتاب. ويضيف أن الكتاب «خرج من نفق الموت»، إذ أنجزته المؤلفة السورية «في ظروف صعبة للغاية.. في مدينتها حلب تحت النار ووسط معاناة كبيرة في الحركة والوصول إلى المصادر، وفي اقتناص الفرص القليلة التي تحضر فيها الكهرباء وأسباب الحياة».

ومعهد المخطوطات العربية مقره القاهرة وتأسس عام 1946 في إطار جامعة الدول العربية، ثم ألحق بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) في بدايات السبعينات. وللمعهد علاقات قوية مع مراكز البحث التراثي العربية والعالمية. وتقول المؤلفة بغداد عبدالمنعم، إن الإرهاب الفكري يدعو حائزي المخطوطات للتخلص منها، كما جرى في الأندلس بعد سقوط الحكم العربي، ومنذ ذلك الوقت «وقع التراث العربي المخطوط في فخاخ اللصوص.. أكبر السرقات.. حدثت في العراق قبيل الاحتلال الأميركي وبعده» عام 2003

وترى أن وراء تهريب المخطوطات العراقية عصابات وأفراداً محترفين.

وتضيف أن «إسرائيل» «دأبت على مطاردة التاريخ لأنها تريد أن تسرق منه أي شيء يثبت تاريخيتها وفي سبيل ذلك قامت بملاحقة التراث العربي المخطوط بدأب علها تجد ما يسد حاجتها» بالعثور مثلاً على إحصاءات تخص اليهود في العالم العربي. وتتوقف الباحثة أمام مخطوطات مدينتها حلب التي ترى أن فيها «أكبر ذخيرة مخطوطية في أقصى شمال المنطقة العربية.. فالحرب القائمة في سورية» منذ نحو أربع سنوات دفعت حائزي المخطوطات إلى نقلها إلى أماكن سرية آمنة.

وتضيف أن حلب شهدت في القرن الرابع الهجري «جدلية الحرب والمعرفة» وأن بناء خزائن المخطوطات كان متزامناً مع الحالة الحربية.

 

 

تويتر