«ريتاج» حمد الحمادي.. حافلة بالمفارقات وتساقط الأقنعة
رحلة طويلة في دروب متعرجة، حافلة في ختامها بالمفارقات والمفاجآت، والتّماس مع الواقع.. ملامح بارزة يخرج بها قارئ رواية «ريتاج» للكاتب الإماراتي الدكتور حمد الحمادي، الذي يشتبك بقضية شائكة، ويحاول أن يعالجها بشكل فني مراوغ، لا يكشف عن جميع سماته إلا مع آخر صفحات الرواية، التي صدرت حديثاً عن دار كتّاب.
إهداءات يبدو أن الكاتب الإماراتي حمد الحمادي أراد أن يشير، في مستهل روايته «ريتاج»، إلى أنه سيسير بشكل غير تقليدي في بنائها، لذا عمد في الإهداء إلى أن يكون إهداءات، وليس واحداً فحسب، فثمة ما يتماس مع الرواية، ومن سترد حكايتهما فيها: «إلى من قابلتها في مطار دبي الدولي صباح الثلاثاء 2 يوليو 2013 والسيدة الفاضلة إنعام السكري». وهناك إهداء «ذو مغزى» على حد تعبير الكاتب: «إلى 99 رجلاً وامرأة وروح فقط لا غير أرادوا كفل صاحبها وعزوه في الخطاب». |
حكاية حب، وقلبان يتلاقيان، وبينهما «عزول» يحاول أن يفسد تلك الحكاية الجميلة.. شعور قد يستولي على متصفح الرواية بعد الوصول إلى أكثر من منتصفها، وربما يتعاطف مع «عاشقين» على وشك الزواج، رغم سعي الطرف الثالث إلى الحيلولة دون ذلك بـ«فرية» ما، واتهام من خطف ابنة خاله بأنه ينتمي إلى «التنظيم السري».
واستكمالاً لذلك الطرح المراوغ في الرواية وعوالمها الملتبسة، ثمة والد صاحب مرض، تطببه ابنته، وتقف إلى جواره، وتمنحه جزءاً منها، برضا وإخلاص متفانٍ، غافلة عن أنها قد تجاوزت الثلاثين من العمر، وأن العنوسة تتهددها.. وتظل الرواية تصف سمات ذلك الأب وتعلّقه بأرشفة تواريخ بعينها، وحياته وصداقاته، لكن النهاية تحمل مفارقة، وتكشف عن الوجه الخفي لذلك الوالد، في صدمة للابنة، وربما للقارئ، إذ إن مسارات الرواية كانت في وجهة مغايرة، ولعل الكاتب حمد الحمادي عمد إلى تلك الحيلة الفنية، ليقول - بشكل ما - إن أعضاء ذلك «التنظيم»، يعيشون أكثر من حياة، ويتعمدون التواري وراء أقنعة شديدة الكثافة أحياناً، وربما يُخفى وجههم الحقيقي حتى عن أقرب الناس إليهم، كما كانت حال تلك الابنة التي تبرّعت لوالدها بجزء من كبدها لعلها تنقذه مما يعانيه، وصحبته في رحلة علاجاته الطويلة، وكانت تعيش معه، ومع ذلك حملت لها النهاية مفاجأة و«صدمة».
لا تكتفي رواية «ريتاج» بذلك، بل تستدعي أوراقاً أخرى خفية، متتبعة خيوطاً دقيقة، لكي تكمل الصورة، وتحاول أن ترسم شبكة أعضاء ذلك التنظيم السري، ولذلك تسير في دروب بالجملة، لتكشف عن ملامح بعض هؤلاء.
ومن أجواء الرواية التي تكشف بعض الحقائق لبطلة الحكاية: «كان من الممكن أن يكون والدك ضمن أعضاء التنظيم الذين قبضنا عليهم مؤخراً. وكان سيحول إلى المحاكمة لكنه توفي قبل أن نكتشف تورطه. بقي شخص واحد.. بوعبيد صديق والدك المقيم في الأردن، والدك كان يقوم بتحويل مبلغ محدد له كل شهر كإيجار لبيتكم الذي اشتراه بوعبيد لمساعدة والدك بعد خسارته في التجارة.. الحقيقة أن والدك لم يخسر في التجارة لأنه لم يمارس التجارة أصلاً.. بيع البيت كان صورياً للتستر على إرسال الأموال إلى الخارج، الأموال المحولة لم تكن إيجاراً بل كانت 5% من دخل والدك وهي النسبة التي يساهم فيها الأعضاء في تمويل التنظيم الخارجي. هناك شيء لم تعرفيه بعد.. والدك لم يكن يعلق قصاصات الصحف عبثاً على الحائط.. كل القصاصات كانت تشير إلى التواريخ المهمة التي كان يجتمع فيها مع أعضاء التنظيم بسرية».
وتستمر الصفحات الأخيرة، تسرد المفاجآت، ووقعها على بطلة الرواية التي احتاجت إلى بعض الوقت كي تستوعب، إذ ازدحمت حياتها في تلك الآونة بالكثير، ووجدت نفسها وسط قصة خداع كبرى، وللأسف كان بطلها أقرب الناس إليها، وهو والدها، ولم تلبث أن اكتملت مأساة تلك الفتاة بأن يخدعها من كان من المفترض أن يصير زوجها، وهو الشاب الذي ارتبط به قلبها، ورأت أنه سيعوضها عما فاتها، لكنها كانت تعيش وهماً، ما لبثت الصفحات الأخيرة من رواية حمد الحمادي أن كشفته.
عالج صاحب «يساراً جهة القلب» روايته «ريتاج» بشكل غير تقليدي، لذا حضر المؤلف ذاته في البداية والنهاية، أقحم نفسه بشكل فني في المقدمة والختام، ليعلن عن أنه التقى بطلة الحكاية، وتعرّف إليها في أحد المطارات، وطلبت منه أن يروي ما وقع لها، وأن يصور فصولها حسب ما يرى قلمه.
كما نص الكاتب حمد الحمادي على أن «ريتاج.. بناء على أحداث حقيقية.. رواية الحب والأمن والتنظيم». وحملت الرواية هوامش بالجملة، ولا تنكر أن الأحداث مرتبطة بالواقع، وأن حظ الخيال من العمل لا يطغى على الوجه الأبرز فيه، لذا تُحضر أسماء حيناً، ورموزاً حيناً آخر، وتسير الأحداث في مراحل بعينها وفق تسلسل تاريخي.