الكاتب المغربي أحمد المديني مؤلف.. و«متورط» في شبكة الحكاية

«ممر الصفصاف».. مغامرة روائية على أكثر من صعيد

صورة

على أكثر من صعيد؛ يغامر الكاتب المغربي أحمد المديني في روايته «ممر الصفصاف»، فثمة شكل مغاير؛ ومضمون يشتبك بكل شيء، يقتحم قضايا بالجملة، ولا يقف عند حد، كأنه يخرج لسانه للواقع، وينتقم من تشوهاته، كما تراها الرواية التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر).

رصيد كبير

يمتلك الكاتب المغربي أحمد المديني رصيداً كبيراً من الإبداعات المنوعة في فنون عدة، رواية وقصة قصيرة وشعراً وأدب رحلات ونقداً كذلك. وله روايات «زمن بين الولادة والحلم» (1976)، و«وردة للوقت المغربي» (1983)، و«الجنازة» (1987)، و«حكاية وهم» (1995)، و«طريق السحاب» (1994)، و«مدينة براقش» (1998)، و«العجب العجاب» (1999)، و«الهباء المنثور» (2001)، و«فاس لو عادت إليه» (2003)، و«رجال ظهر المهراز» (2007)، و«المخدوعون» (2012). وله عدد من المجموعات القصصية، ونصوص أدبية حرة، وأدب رحلات وشعر، ودراسات وأبحاث نقدية.

من وجوه المغامرة في بناء «ممر الصفصاف»، التي صدرت عن المركز الثقافي العربي، في 382 صفحة، أن أحمد المديني يحضر لا كمؤلف يوزع «العدل» السردي بين شخصياته، ويساوي بينهم، ولا يظلم منهم أحداً، ويتركهم يدورون في دروب الحياة الروائية، ليس هذا فحسب، بل يحضر في فضاءات العمل كطرف، وشاهد عيان على المأساة المركبة، يتسمّع الشكايات، من «مقهورين»، كيما يخلّدها في قصصه، وربما يصل صداها إلى أحد «من فوق»، يتعاطف المديني الشخصية مع هؤلاء وينتقم من المتسلطين ويفضحهم، ولا ينجو من سهامه أصحاب «مول البركة» والمتاجرون بالشعارات الدينية، وكذلك كثيرون ممن يقطنون «بناية السعادة» و«ممر الصفصاف»؛ لكن المفارقة أن مخطوطات الشكايات وما كتبه المديني يأتي عليها من أتى على خيام مساكين تلك الرواية، ومن لا يجدون لأنفسهم مساحة في مدينة مترامية (الرباط)، اللهم إلا على هوامشها في عشوائياتها.

تأبى رواية أحمد المديني أن تفصح منذ البدايات عن مراميها، تحتاج إلى صبر قرائي وتوغل بين صفحاتها المزدحمة بالكلمات والمتشابكة بشكل قد يرهق قارئاً ما، لاسيما حينما تسقط الحدود بين الرواة، وتنتقل دفة الحديث من طرف إلى آخر، من «بني آدم» إلى بني كلبون (كلب يشهد على المأساة ويرويها بوعي أعلى مرتبة من أناس كثيرين يعيشون داخل الحكاية).

بين أكثر من نار يجد شخوص بالرواية أنفسهم، نار فقرهم وغرفهم العشوائية المتواضعة ودراجاتهم الصدئة ذات الخشخشات العالية، ونار المتسلطين النافذين في أجهزة أمنية، ممن يريدون أن يصير هؤلاء «الضعفاء» عيونهم على كل شيء، يسجلون ويحصون كل ما يدور؛ ليس في الشوارع فقط؛ بل ما وراء الأبواب المغلقة، وحتى على أسرّة غرف النوم، وكذلك نار المتشددين الذين يريدون طمس هويات المجتمع، ويطلون من قرون غابرة حالمين بأن يجرّوا الجميع إلى العودة إليها. ومن أجواء الرواية التي تختصر بعض عوالمها، وما يعانيه أحد شخوصها الرئيسين: «يعرف المقدم أنه لا يعاشر تلك الجماعة الملتحية التي بدأت تتناسل في الدوار، تنبه إلى الدين، تفرض على نسائه الحجاب، وعلى الرجال اللحى وأثواباً فضفاضة يسمونها لباس الأفغان، حين سألهم أنا أصلي من دمنات، فمن هؤلاء الأفغان يا الإخوان؟ هددوه أن يسد فمه أو سيقطعون لسانه. عرضوا العمل والمال على أفراد عاطلين، ووزعوا المساعدات على ناس معدمين، وهو لم ينل شيئاً، وهم يعرفون شظف عيشه، لكنهم ساوموه أن ينضم إلى دعوتهم فرد: أنا رجل فقير، أنا مسلم دائماً وأخاف الله وحده، ولن أخافكم، ولذلك أصر على أن لا يضع لحيتهم، ورغم ذقنه الأحرش أصبح يحلقه كل يوم تقريباً. ربما الرجل يعطف عليه، ينظر إلى فقره وعجزه فيريد أن يساعده ليبعده بالضبط عن إغراء الجماعة، لأنه فكر أنه في النهاية، هو وسواه، إن لم يجد حلاً سيلجأ إليهم لا محالة». تقسو الرواية على شخصياتها؛ وقرائها أيضاً، ربما لتعكس واقعاً خشناً كالحاً يعاني الجميع فيه، فلا تحضر مسرّات ولو صغيرة، مرارات تسلم إلى أخرى، وقهر يفضي إلى سواه، حتى إن نداوة الأنثى وقصصها تكاد تغيب عن العمل، وحينما تظهر على استحياء وبشكل عابر، تطل مقهورة هي الأخرى: خادمة آتية من أحياء الهامش، تبحث عن تفريط أقل، وشبه حياة لمن وراءها، وغيرها من النماذج الأنثوية التي عبرت الرواية، ولم تكن إحداها محطة تتريث فيها الرواية.

تويتر