عالجت ظاهرة التطرف برؤية العامري ونص إسماعيل عبدالله
من «خليجي الشارقة» إلى «أيامها».. «لا تقصص رؤيـــاك» بإطلالة مغايرة
حالة إبداعية مميزة فرضتها مسرحية «لا تقصص رؤياك»، لتقدم عملاً متكاملاً، ونموذجياً، ليس مقارنة بالعملين الآخرين المتنافسين معها في جوائز مهرجان أيام الشارقة المسرحية هذا العام فقط، بل على نطاق أوسع، سواء للمسرح في رحابه المحلي أو الخليجي والعربي، لتكون ليلة عرضها مساء أول من أمس، بمثابة انتصار لحضور إبداع مسرحي، احتفى به الجمهور والنقاد والفنانون.
إسماعيل عبدالله: آراؤكم تثري نصي لم يكن عرض «لا تقصص رؤياك» يتجه صوب العمل المتكامل على الصعيد الفني فقط، بل وفق قيم وتقاليد المسرح، التي تدفع مبدعيه إلى الاستفادة من النقد وانطباعات الجمهور، وهو ما حدث بالفعل في العرض الثاني للعمل، الذي لوحظ فيه تدارك ما وصف أثناء عرضه الأول قبل نحو شهر بـ«الأخطاء». وعلى الرغم من أن الأمر هنا يبقى منوطاً بشكل رئيس بمخرج العمل والممثلين والأطقم الفنية، فإن مؤلف العمل إسماعيل عبدالله أكد أنه استفاد كثيراً مما طرح، مضيفاً: «آراؤكم تثري نصي، سواء في ما يتعلق بتصحيح هذا العمل بشكل خاص، أو في ما يتعلق بأعمال أخرى جديدة، أستفيد فيها مما تشيرون إليه، فأعزز الجيد، وأسعى لتلافي سواه». وأشار إلى أنه تردد في أن يكتب رغبته بإهداء العمل لروح شقيقه الفنان الراحل محمد إسماعيل على كتيب العمل، حرصاً على ألا يكون شيء من الإخفاق الفني مقترناً بهذا الإهداء، وهو تردد أكد أنه زال بعد الاستماع للآراء النقدية له: «الآن فقط.. أهدي العمل لروح الراحل محمد إسماعيل». محمد العامري: شكراً لأسرة العمل و«المنتقدين»
وجّه مخرج العمل الفنان محمد العامري رسالة شكر وتقدير إلى جميع أفراد أسرة العمل، واحتاج إلى المساحة الكبرى من مداخلته ليعدد أسماء جميع من أسهم في إنجاز العمل، بدءاً بمؤلفه، مروراً بالممثلين والأطقم الفنية فرداً فرداً. ووجه أيضاً شكره إلى من انتقدوا «لا تقصص رؤياك» في عرضه الأول، على الرغم من حصوله على جائزة أفضل عمل متكامل في مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي في فبراير الماضي. وأكد أنه سعى إلى استدراك تلك الملاحظات النقدية، وأتيحت له فرصة أكبر للتدريب، ما انعكس على أداء الممثلين، على عكس عرضه الأول. وتوقف العامري عند أسماء بعينها عملت معه في «لا تقصص رؤياك» خصوصاً بالنسبة للأطقم الفنية، بعد أن بدأ مشواره مع المسرح متتلمذاً على يديها، مستفيداً من خبرتها، اعتباراً من عام 1989 الذي عرف فيه للمرة الأولى طريقه إلى الخشبة. |
وعلى الرغم من حالة التململ التي خلفها تأخر فتح ستارة العرض أكثر من 25 دقيقة للمرة الأولى في هذه الدورة، وإلحاح الجمهور بالتصفيق أكثر من مرة لبدء انطلاقته، إلا أن عبارة ذات إيقاع سماعي مؤثر، لاسيما حينما تقال بنبرة توسلية لزوجة مكلومة، يقابلها تحدي عرافة تظل تردد «اقصص رؤياك» في سياقات مختلفة، لكن الأهم من ذلك هو فحوى تلك الرؤية، التي تشد المتلقي للانجذاب لها أحداث مسرحية «لا تقصص رؤياك» التي اختتمت عروض المسابقة الرسمية لمهرجان أيام الشارقة المسرحية في دورتها الـ25، من إنتاج مسرح الشارقة الوطني، وتأليف إسماعيل عبدالله، وإخراج محمد العامري.
كل الأطياف تنبث من هنا، من العربة الخشبية، التي وظفت طوال العرض في سياقات مختلفة، تماماً مثلما فعل المخرج بعنبر متحرك، بدا كأنه الوطن الذي يتسع للجميع.
منذ البداية يسهل للمتلقي الذي تابع «لا تقصص رؤياك» في عرضها الأول بـ«خليجي الشارقة» أن العمل الذي يضم كوكبة من الممثلين قد تطور، خصوصاً على مستوى التمثيل، إذ لم يأخذ العمل في عرضه الأول وقتاً كافياً في الإعداد، بسبب انشغال بعض عناصره، بمن فيهم المخرج بعرض «طقوس الأبيض» الذي شارك أيضاً باسم الإمارات في مهرجان المسرح العربي.
استفاد العامري من خبرته بنصوص إسماعيل عبدالله من جهة، وهذه المساحة الزمنية الفاصلة بين المهرجانين، وسعى إلى تدارك الإشكالية، كما أنه استفاد أيضاً من ملاحظات نقدية، ولم يطمئن كثيراً لمجرد فوزه بجائزة «خليجي الشارقة»، فجاء العمل في ثوبه الجديد أكثر انضباطاً، ومناسباً سواء للباع الكبيرة التي يتمتع بها كل من المؤلف والمخرج، كل في مجاله، أو خبرة العديد من الممثلين المشاركين فيه، إذ ضم كلاً من مروان عبدالله وإبراهيم سالم وملاك الخالدي وبدور وحميد سمبيج ويوسف الكعبي وعذاري وهيفاء العلي.
الاهتمام بالسينوغرافيا بشكل رئيس هو أحد سمات محمد العامري، لكن الملاحظ في «لا تقصص رؤياك» أن ثمة مبالغة غير مبررة أحياناً أو إفراطاً في تكريس توظيف الإضاءة الملونة، فضلاً عن سائر عناصر السينوغرافيا الأخرى على نحو قد يفوق الجو النفسي المراد، كما هي الحال في مشهد البداية الذي انفتح فيه المسرح على مشهدية عالية لم يتحملها إيقاع المسرحية في ما بعد، ما جعل المشاهد يلاحظ هبوط الإيقاع أحياناً، تداركه المخرج في ما بعد.
وتظل عبارة «لا تقصص رؤياك» تتردد بين الحين والآخر لتكون بمثابة «إشارة النجاة» لزوجة الشخصية الرئيسة (منار)، ويؤدي دور الزوج الفنان مروان عبدالله، فيما تؤدي دور الزوجة الفنانة بدور، ويمر منار أثناء المسرحية بتحولات عدة، بعد أن تنفتح عليه الستار مسجى على عربة خشبية بدائية، في حين يظهر شخص بدين في عمق المسرح وهو «الملك» (يقوم بدوره الفنان إبراهيم سالم)، صارخاً بشكل متكرر: «إني أرى في المنام»، أما من ينام بالفعل فهو ذلك الشخص محور المسرحية، وفي حين أن العرّافة تلح عليه بأن «يقصص رؤياه»، فإن زوجته تتوسل إليه ألا يفعل.
بين المتناقضين في قصّ الرؤية وعدمها، تتصاعد الأحداث، ليتحول الرجل بفعل المحيطين به إلى «درويش» يتبرك به، ويصبح قريباً من دوائر الإرهابيين وذوي الأفكار المنحرفة، لتعريهم المسرحية من الداخل، وتكشف ما في حياتهم من تناقضات، تؤكد أنهم يستترون بالدين لتحقيق منافعهم الخاصة، وإشباع رغباتهم، ويتحالفون من أجل مصالحهم، حتى مع خصوم الوطن، إذ يتعرض العمل لحياة المجون التي يحيونها، بأسلوب أقرب للغة الشعرية، التي لا تفارق إحدى سمات نصوص إسماعيل عبدالله وهي السخرية، ولكن على نحو جذبه مخرج العمل هذه المرة إلى آفاق الكاركاتيورية.
وحرّض اختيار «قضية الساعة»، التي تؤثر في مصير أمة بأكملها، الجمهور لأن يبقى على تماس واستغراق مع كل تفاصيل العمل، لأنهما أصرا على أن يكون محورهما من خلال اختيارهما لقضية على تماس ليس مع واقعه فقط، بل مع مستقبله أيضاً، الذي بدا مشوباً رغم كل ذلك، بأمل، أكبر من الحجم الرمزي الذي ظهر عليه مجسم متحرك لطفل رضيع يزحف ناجياً من حضن أمه التي اغتالتها يد التطرف والإرهاب، وهي زوجة «منار» ذاتها، ما يعني أن الإرهاب عدو ينهش المجتمع من داخله، لكي يكون هناك «خلف» يصل رسالة الشخصية الوحيدة التي جاء على لسانها عنوان العمل «لا تقصص رؤياك». على عكس سائر الشخصيات التي كانت تحرض بالاتجاه المعاكس، ما يعني أنها الشخصية الإيجابية الوحيدة، وموتها في سبيل قضيتها، هو انتصار يستكمله هذا الرضيع الناجي المؤهل لأن ينضج بفعل ما هو آت من مستقبل.
إناء في الندوة التطبيقية
فاجأ الناقد الجزائري د.عبدالناصر خلاف، حضور الندوة التطبيقية التي أدارها مدير تحرير مجلة دبي الثقافية، الزميل نواف يونس، عقب العرض، بوضع إناء فارغ على رأسه، تم استخدامه أثناء العرض للتعبير عن استغلال الطبقات المهمشة في المجتمع من أجل الترويج لأفكار متطرفة.
وقال خلاف: «احتفظت بهذا الإناء من العرض ووضعته على رأسي تقديراً للعمل الذي أمتعني شخصياً، وأمتع الجمهور الذي كان محظوظاً بحضور العرض».
بينما قال الدكتور محمد سيد أحمد إن «العمل نضج وتطور واستفاد من ملاحظات رافقت عرضه الأول بالفعل، وأصبح الممثلون أكثر تمكناً وانسجاماً مع أدوارهم، وجاء استبدال مشهد تفجير مسجد لاقى انتقاداً بآخر أكثر خدمة للمحتوى الدرامي، لكنه سجل ملاحظة أن العمل أدان جميع شخصياته، بمن فيهم المرأة التي كانت معادلاً موضوعياً للفكر المتزن، من خلال انتمائها لأسرة ضحت بأبنائها فداء للوطن، في مقابل أصحاب الدعاوى الهدامة».
وضمّ العمل من الممثلين كلاً من: مروان عبدالله وإبراهيم سالم وملاك الخالدي وبدور وحميد سمبيج ويوسف الكعبي وعذاري وهيفاء العلي وآخرين.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news