«وجهة نظر».. الهندسة تبني التعايش
من الأشكال الهندسية المتطابقة والمتكررة من حيث الألوان والقياسات في اللوحة، تقيم الفنانة السورية جولييت مخلوف حواراً بين البشر، فترصد من خلال الأشكال الهندسية التعايش الإنساني بين مختلف الثقافات والأديان والجنسيات، وفق رمزية عالية بعنوان «وجهة نظر». وتبني الفنانة السورية في معرضها الذي افتتح أخيراً في «ميم» غاليري بدبي، أعمالها بأسلوب هندسي ولوني، يجعل اللوحة تبدو في حالة حركة، أو كأن الأشكال تتحاور وتلعب مع بعضها بعضاً، فتنجح في إيجاد حالة وهم لدى المتلقي.
سيرة لونية
درست الفنانة السورية الفنون الجميلة وتخرجت عام 1981. ثم بدأت رحلة تدريس الفن في سورية، ثم في قطر، وبعدها في الإمارات. قدمت معرضها الفردي الأول عام 2009، وكان بعنوان «الروح والجمال»، ثم قدمت معارض أخرى في الشارقة ومدريد وسورية. شاركت في مجموعة من المعارض الجماعية. منحت عضوية جمعية الفنون التشكيلية في الإمارات، كما أنها عضو في جمعية الفنانين التشكيليين في سورية. |
تعتمد اللوحة التي تقدمها مخلوف على ألوان محدودة، فنجدها تستخدم درجات لونية قليلة، تبني من خلالها عملية تقابل الأشكال الهندسية وتطابقها، والتي غالباً تأخذ شكل المثلثات، لتجعلها تبدو من خلال التداخل اللوني والتكرار الشكلي في حالة حركة مستمرة، أو كما لو أنها تخرج من إطار اللوحة لتكون نافرة، وكأنها منحوتات مثبتة على الكانفاس. تحمل الألوان التي تقدمها مخلوف السكون والهدوء فهي مريحة للبصر، حتى أن الحركة الوهمية التي تنسجها الألوان عبر التوزيع المدروس تظهر متراقصة وفرحة، ترمز مخلوف من خلال أعمالها إلى البشر، تتخذ الأشكال رمزاً للتجمعات الإنسانية، فتقود الأشكال إلى حوار إنساني، فيه الكثير من الحب والفرح والتعايش، كأنها ترفض من خلال هذه الأعمال كل أشكال العنف السائدة في مجتمعاتنا، والتي تفشت في الكثير من البلدان، لتعم لغة السلام. تنتهج مخلوف من خلال الأشكال لغة تجريدية للإنسان، فهي تنسج من الأشكال الشخوص، وتوجدهم في بيئة تنبذ كل أشكال العنف والقتل، لترفض من خلالهم التشرذم والتشتت وتمحو جانباً من المآسي اليومية التي يسمعها الناس ويرونها أو يعايشونها. هذا التجريد يبرز حالة التطور في عمل مخلوف على الشخوص، والتي تبدلت من معرضها الأخير إلى اليوم.
تبدو أعمال مخلوف على مسافة من الإطار الزمني، فهي على الرغم من خروجها عن الزمن والعصر الراهن، تدعو المتلقي إلى لحظة اختلاء مع الذات حيث يقف في مصالحة مع ما يجب أن يكون عليه الواقع، والذي هو يخالف ما يعيشه، كأنها تحث المتلقي على الخروج من الراهن، لتبرز له حالة جمالية، تمنح المتلقي السعادة. أما الخلفية العلمية التي تحملها مخلوف، فتتجلى في الأعمال، إذ يبرز المزج بين ما هو فن وما هو علمي، من خلال اللوحات التي تجمع المجالين. تحمل الأعمال الألوان الفاتحة، كالأخضر الفاتح والرمادي، وتبتكر من هذه الألوان تركيبة مميزة تتطلب الكثير من الجهد في الصياغة الفكرية والنظرية قبل التنفيذ، فهي تبحث عن التغيير وتقديم ما هو حديث في العمل الفني.
وقالت لـ«الإمارات اليوم» عن المعرض: «هذا المعرض هو نتيجة تجربة طويلة، علماً بأني لست من الذين بدأوا الرسم منذ الطفولة، الظروف قادتني إلى الرسم، وبعد تخرجي في الجامعة كان مشروعي عن الطفولة، كما أنني قدمت موضوعاً عن الحفر والطباعة، ثم تتابعت الأعمال حتى وصلت إلى هذه الأشكال في اللوحة». وأضافت «كان لديّ مرسم صغير في المنزل، وشاركت في معارض، وعملت بشكل مستقل إلى أن وصلت لتكثيف تجاربي، وقد عملت على اللعب بالألوان منذ بداية عملي، فالألوان هي الأساس في كل أعمالي». وأشارت إلى أن المعرض الفردي يعد الخامس بالنسبة لها، وهو يمثل المسؤولية المتنامية، فبعد كل افتتاح الخطوة المقبلة تكون الهاجس الذي يشغلها. وحول البناء الهندسي في اللوحة، أكدت مخلوف أنها تسعى إلى جعل المتلقي يرى الحركة المنبثقة عن اللون بمساعدة الشكل الهندسي، موضحة أن ما يهمها هو من يرى اللوحة، وكيف يستقبلها، فليس مهماً بالنسبة لها ما تقوله من خلال العمل، فهذا يبقى لها، لكن ما يفسره المشاهد. واعتبرت الفن فرصة للفرح، مشددة على أهمية أن تكون اللوحة ذات معنى وقيمة، ففي المعرض تكمن القيمة الأولى للأعمال أن الأشكال هم أشخاص وكثر مثلنا، ويعيشون معاً، كما أنهم يتمايزون بالألوان، ونحن هكذا يجب أن نكون مع بعضنا بعضاً، كي نقارن التجمع البشري، فهي أشكال تحمل روحاً، وموجودة كي تكون مرآة للبشر.
الرسالة في العمل الفني من الأمور التي تؤمن بها مخلوف، معتبرة أنها من الأمور الضرورية، لاسيما أن الفنان حينما يقيم معرضاً ويدعو الناس، لابد أن يحترم أن الناس يبحثون عن أنفسهم في الأعمال، ويريدون أن يروا ما يهمهم وما يعني واقعهم، فيجب أن تلامسهم.
أما لجهة التكثيف اللوني، فقالت «أحب أن أوفر بالألوان، فكثرة الألوان في اللوحة بالنسبة لي تتعب اللوحة، ولا يصل من خلالها الفنان إلى شيء، فالألوان بطل اللوحة، فهي ترسم دوراً لنفسها، ولابد من وجود هدف لكثرتها، في حين أن البساطة عندي هدفها السكون والهدوء». أما التجريد في العمل الفني، فاعتبرت أنه ينتقل إلى حالة التشويه عند البعض، موضحة أنه في حال كان هذا التشويه لغاية معينة، قد لا تعارضه في الفن، لاسيما أن الأخير يعتبر من الأمور الموجودة في الحياة، فهناك تشويه أجساد ونفسيات، فهو لابد أن يكون من منطلق تنبيهي، فهذا يعتبر مقبولاً، لاسيما أن الفن يقرب الناس وهو تعبير إنساني، وبالتالي فإن الحركة الفنية المنتشرة في دبي تعد مهمة ومميزة.