في ندوة استضافها «كتّاب الإمارات» في أبوظبي

عبدالجواد يس: الأصولية الدينية ظاهرة متكرّرة في تاريخ التدين

عبدالجواد يس: تنبع مشكلة الأصولية من نمط التدين التاريخي السائد، وليست الممارسات المتأخرة التي ينسبها البعض إلى أنظمة حديثة. تصوير: نجيب محمد

أكد المفكر المصري المستشار عبدالجواد يس، أن الأصولية الدينية هي ظاهرة متكررة في تاريخ التدين، في جميع انساق التدين، خصوصاً التوحيدية، أي اليهودية والمسيحية والإسلام، موضحاً أن الأصولية، كمصطلح، تعبر عن توجه داخل الديانة يعتقد أن مستوى التدين السائد دون مستوى التدين المعياري يرجع إلى حقبة التأسيس، وبذلك تنبع مشكلة الأصولية من نمط التدين التاريخي السائد، وليست الممارسات المتأخرة التي ينسبها البعض إلى أنظمة حديثة.

عبدالجواد يس قاضٍ مصري من مواليد 1954، تخرج في كلية الحقوق سنة 1976، وتدرج في سلك النيابة والقضاء في مصر والإمارات. تنتمي أعماله إلى فلسفة الدين، وعلم الاجتماع الديني، وتدور إجمالاً حول نقد منظومات التدين التاريخي العام، والتراث العقلي الإسلامي.

وطرح يس ثلاثة أسئلة مثلت المحاور الرئيسة للندوة، التي نظمها له اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، فرع أبوظبي، مساء أول من أمس، بعنوان «الأصولية الإسلامية: الأصول النظرية للعنف»، وقدمت لها الكاتبة والإعلامية عائشة سلطان، حول نشأة الأصولية الدينية عموماً، وكيفية قراءة الأصولية الإسلامية بوجه خاص، ومصدر العنف في الأصولية الإسلامية. مشيراً إلى أن وجود إشكالية كبرى بين النظامين الديني والاجتماعي، ترجع إلى وجود توتر في علاقة الدين والاجتماع، سببه تاريخ التدين، وليس فكرة الدين، فالدين عميق في الروح الإنسانية، ولا يمكن زحزحته بحال من الأحوال، لكن يشير التاريخ إلى ان هناك نمط تدين ساد تاريخياً منذ التجربة العبرية، أدى إلى فرض نمط معين من أنماط التدين حرف الدين عن حقيقته الأصلية، التي في جوهرها الإيمان بالله وبالأخلاق.

وأشار يس إلى أن ممارسات التدين ليست مطلقة، لكنها آتية من الاجتماع، حيث تمت إضافة كتلة من التراث الاجتماعي إلى الدين ثم جرى العمل على تحنيط وتثبيت هذه الكتلة، في حين أن التاريخ والاجتماع متحركان، وبالتالي من المستحيل أن يحدث توافق بين النظامين الديني والاجتماعي، والنظام الديني هنا ليس الدين، فالدين هو المطلق الإيماني، أما النظام الديني فهو التراث الذي تم إلحاقه بالدين. مبيناً أن النظام الديني يتناقض حتماً مع قوانين الاجتماع الذي يقوم على التنوع والتطور، وتحدث المشكلة نتيجة سعي النظام الديني إلى تثبيت كتلة من التاريخ الاجتماعي وجعلها أصولاً، بينما تفرض حركة التطور الاجتماعي على الواقع التغير.

وقال: «يحدث في كل ديانة أن يكون هناك عصر التدوين فيه يتم إنشاء نصوص جديدة، ثم إنشاء سلسلة من العلوم التي تدور حول النصوص، وفي مرحلة التدوين، وهي لاحقة لغياب المؤسس، يتم تكوين النموذج المعياري للدين، الذي يظل معياراً للقياس عليه. وتاريخياً يحدث أن يكون هناك التدين الشعبي الاعتيادي، الذي تفصله مسافة بين نمط التدين المعياري، فالتدين الشعبي أقل مستوى بسبب قوانين الاجتماع والغرائز البشرية، وتسعى الأصولية إلى إلغاء هذه المسافة بين التدين الشعبي والمعياري».

وأوضح يس أن كل أصولية، رغم موضوعها السلفي، هي ظاهرة حداثية بامتياز، لأنها تلبية لموضوعها السلفي وتنشأ بدوافع من واقعها الاجتماعي المعاصر لها، وتستخدم آليات الخطاب في الواقع المعاصر لها، على سبيل المثال، هناك أصولية الخوارج التي رفعت المصاحف، وأصولية «داعش» التي تمارس التواصل عبر الإنترنت، فكلاهما يعبر عن ثقافته المعاصرة. مشيراً إلى ان الإسلام في الشرق لم يتعرض لمعركة تكسير عظام حقيقية مع التطوير، كما حدث في الغرب، لأن الهياكل العامة (الاقتصادية والاجتماعية) لم تتطور بدرجة متكافئة لإحداث صدام، فهناك بوادر للتحرك ليست كافية لإحداث الصدام، لكنها كافية لإحداث توتر، وهذا التوتر هو الذي أنشأ الأصولية الإسلامية، التي لا تعد بدورها هجوماً مضاداً على الحداثة، ولكنها هجوم استباقي موجه للحداثة باعتبارها تشكل تهديداً وشيكاً للدين الإسلامي.

وفي تطرقه لمنابع العنف، اشار المفكر عبدالجواد يس إلى أن العنف ينبع من بنية التدين، وان هناك إشكالية في التكوين التراثي في بنية النصوص، لافتاً إلى أن العقل الإسلامي يتعامل مع النص باعتباره كتلة واحدة مطلقة.

تويتر