السويدي يرتاد آفاقاً روحية بصحبة المازني والحاجة ميشائيلا

بغلاف يكتسي ما يشبه ثياب الكعبة المشرفة، وعنوان ذهبي اللون، يطل كتاب «لبيك اللهم لبيك»، الذي يضم صوراً ومشاهد من الحج اختارها وقدم لها المبدع الإماراتي محمد أحمد السويدي، الذي يرتاد آفاقاً جغرافية وتاريخية، ليجمع - بعدد أيام السنة - ما يتعلق بهذه التجربة الروحية، ويرافق حجيجاً من الشرق والغرب، من أزمنة مختلفة، إلى البيت العتيق، ويقلب في ذكرياتهم، وكذلك طرائفهم.

يحوي «لبيك اللهم لبيك» سرديات لزهاد حقيقيين وأصحاب أحوال يقصدون البيت بأرواحهم قبل أجسادهم، ومبدعين يسافرون طلباً لسكينة أو تجربة مغايرة، وجواسيس يتلمسون الأخبار في أكبر تجمّع، ونماذج إنسانية كثيرة، ليرتحل القارئ مع كل هؤلاء، في الكتاب الصادر عن دار السويدي في أبوظبي، صاحبة الإصدارات النوعية التي ترتاد الآفاق، وتغوص في جماليات أدب الرحلة.

تتنوع النقولات التي جمعها المبدع الإماراتي السويدي، لتتلاقى بين فضاءاتها، رحلات من وصلوا إلى البيت العتيق على ظهور الإبل قديماً، ومن ركبوا البواخر ومن نعموا بركوب الطائرات في العصر الحديث، وإن كان الأولون أوفر حظاً في الكتاب الذي يضرب بعيداً في التاريخ، ولا ينسى أن يضمن يوميات تعد معاصرة إلى حد ما.

أيام السنة

تبدأ الحكاية في الكتاب من الأول من يناير، وتتواصل حتى 31 من ديسمبر، لتصير السرديات المنقولة بعدد أيام العام. واللافت هو أن البداية والنهاية تكون مع محمد بن أحمد بن جبير الأندلسي، وتدوينه ما يخص تلك الرحلة وأيامها المباركة.

وكما يتخير السويدي أخباراً تخص الرحلة بأقلام ابن جبير الأندلسي وأبي الفرج الأصفهاني وابن بطوطة، يتخير كذلك رفقة إبراهيم عبدالقادر المازني ومحمد حسين هيكل وشكيب أرسلان وعلي الطنطاوي ومالكوم إكس والطبيبة الألمانية الحاجة ميشائيلا، وكثيرين تتكرر أخبارهم، نظراً لثراء تجاربهم مع الرحلة، وكونهم أفردوا كتباً أو صفحات طويلة للأيام المبرورة، والمشاعر المقدسة التي تهفو إليها الأفئدة.

 

من هنا وهناك

يحفل الكتاب بيوميات بالجملة، وأخبار من هنا وهناك تطوف بالنهاية حول البيت الحرام، ولا تخلو السرديات من غرائب وطرائف، فثمة من يتحايل ليدخل أدوات تصوير في زمن كان ذلك ممنوعاً، وآخر يسعده الحظ بأن يصلي فوق سقف الكعبة، وذلك خلال الرحلة العياشية لصاحبها عبدالله بن محمد العياشي، الذي تصادفت رحلته مع «تجديد السقف الأعلى للبيت العتيق.. وتنافس الناس في العمل في ذلك ابتغاء الأجر، وقد منّ الله علي بالصعود...فصليت في سطح البيت عدة ركعات، وناولتهم شيئاً من الطين واللبن تبركاً بالخدمة، وأعطوني شيئاً من الخشب المنكسر المقطوع في حال الإصلاح، واشتريت نحو ثلاثين لبنة من خالص ما أجد أدخلت في بناء البيت التماساً للرحمة ونحن على أبواب أرحم الراحمين».

وهناك حاج ثانٍ (غربي هذه المرة) وهو السير ريتشارد فرنسيس بيرتون (الحاج عبدالله) يتحايل خلال رحلته الحجازية في عام 1853، كي يفوز بقطعة من كسوة الكعبة «لكن عيوناً كثيرة كانت تحدق، وفي هذا الموسم تكون الكسوة بالية لكثرة لمس أصابع الحجاج لها وبسبب هبوب الرياح. ويعتبر اختلاس قطعة من هذه الأستار المبجلة مجرد زلة أو إثم طفيف، ولكن لأن المسؤولين في المسجد يجمعون النقود من بيعها فإنهم – بالتأكيد – سيعاقبون من يكتشفونه بالعصا. وقد أعطاني الولد محمد قطعة من الكسوة قبل مغادرتي مكة، ولاتزال الصدرية المعدة من كسوة الكعبة تعد لباساً ملائماً للمقاتل تحصنه وتمنع إصابته بجروح، وتعد هدية مناسبة للأمراء.

ويحاول المسلمون بشكل عام الحصول على قصاصة من هذه الكسوة لاستخدامها كشريط يضعونه في المصحف لتبيان المواضع التي وصلوا عندها في القراءة ولأغراض أخرى شبيهة، وعلى أية حال فقد لاحت الفرصة فحصلت على ما أريد».

 

مالكوم إكس

من أبرز النماذج الغربية التي سجل الكتاب بعض أخبارهم: الحاجة ميشائيلا (الطبيبة الألمانية التي سقط حجابها في الحرم)، وجوزيف بتس (الحاج يوسف)، والسير ريتشارد فرنسيس بيرتون (الحاج عبدالله)، وتاكيشي سوزوكي (الحاج محمد صالح)، وكذلك المناضل الأميركي الشهير مالكوم إكس، ومن رسالة الأخير من مكة عام 1965: «لقد وسع الحج نطاق تفكيري، وفتح بصيرتي، فرأيت في أسبوعين ما لم أره في تسع وثلاثين سنة، رأيت كل الأجناس والألوان من البيض ذوي العيون الزرق حتى الأفارقة ذوي البشرة السوداء، وقد ألفت بين قلوبهم الوحدة والأخوة فأصبحوا يعيشون وكأنهم ذات واحدة في كنف الله الواحد، لم أرَ بينهم دعاة عنصرية ولا ليبراليين، ولغتهم – على أي حال – لا تتسع لمثل هذه المصطلحات، نعم، كنت أدين البيض كلهم بشدة، ولكني اكتشفت الآن أن هناك بيضاً قادرين على أن يكنوا للإنسان الأسود مشاعر أخوة صادقة، ولقد فتح الإسلام عيني على أن إدانة كل البيض، كإدانة البيض للسود، شيء خطأ. لقد غير موقفي ما رأيته وعشته في البقاع المقدسة من أخوة لم تقتصر عليّ وحدي، ولكنها شملت كل من كانوا هناك على اختلاف جنسياتهم وألوانهم».

الأكثر مشاركة