«الشارقة للراوي» يردُّ إلى الحكواتي اعتباره
أكد مشاركون في الندوة الفكرية، التي تناولت فنون السرد العربي القديم على مدار يومين، ضمن فعاليات ملتقى الشارقة الدولي للراوي في دورته الـ15، في معهد الشارقة للتراث، أهمية الراوي والحفاظ على مكانته ودوره، مطالبين بضروة الإسهام في رعاية الرواة وإعادة الاعتبار إليهم، ولفت الأنظار لأهمية الموروث الشفاهي، وضرورة الاهتمام بحَمَلته من الكنوز البشرية الحية، والاستمرار في بذل المزيد من الجهد لتوثيق مجمل المادة الشعبية.
وشارك في الندوة بيومها الأول، الوزيرة المغربية السابقة الدكتورة نجيمة طاي طاي، والدكتور موسى الهواري (الأردن)، والدكتور أحمد بهي الدين (مصر)، ورئيس معهد الشارقة للتراث عبدالعزيز المسلم، وأدار الجلسة الدكتور محمد يوسف.
وفي اليوم الثاني الدكتور نمر سلمون (سورية)، والدكتور صالح هويدي (العراق)، والدكتور رسول محمد رسول (العراق)، ونجيب الشامسي (الإمارات)، وأدار الجلسة الدكتور سعيد حداد.
أسباب التراجع
تلفزيون الأيّام الخوالي تطرق نمر سلمون إلى مفهوم السرد وأنماطه، وقال إن للسّرد أسلوبين رئيسين: فهناك المباشر، وغير المباشر. ولفت إلى أن الراوي حلقة الوصل بين المتلقي والعالم الحكائي، فهو كالسّفينة تبحر بحثاً عن البرّ، لكن كلّما كشف لنا سرّاً سألناه عن سرّ. وأضاف عن أسباب تراجع الاهتمام بالتّراث السّردي: «كان الحكواتي تلفزيون الأيّام الخوالي، يضيء بحكاياته عتم اللّيالي، فإذا التقى الخيالُ بالخيالِ حصل التّواصل المثالي، أمّا اليوم فجاءت التكنولوجيا لتسهم في انعزال الإنسان وشتاته». |
وقالت نجيمة طاي طاي، في ورقتها التي حملت عنوان: «التراث المحكي بين الممارسات والآفاق»، إننا «نقصد بالتراث المحكي كل ما وصلنا من الآباء والأجداد من حكايات وأمثال وسير ومغازٍ وقصص بطريقة شفاهية».
وذكرت أن الحكي أشرف على الانقراض لأسباب موضوعية، وأخرى ذاتية أسهمت مجتمعة في هذا التقهقر المريب، لافتة إلى أنه في ما يخص الحكواتيين الحرفيين، نلاحظ أن أعدادهم في تناقص مهول، وقد تجمع بالكاد عشرات المحترفين، فأصبحت تنطبق عليهم تسمية الكنوز البشرية الحية.
وفي ما يخص الحكي داخل البيوت، أدى انفجار العائلات الكبرى والممتدة، واستبدالها بالأسر النووية، إلى تغييب دور الجدات والعمات والخالات، فأصبحت الأم تجابه أعباء الحياة المنزلية بمفردها، ولم تعد قادرة على ممارسة الحكي ليلاً، لبحثها عن الاسترخاء والراحة، حسب المشاركة المغربية التي أضافت: «لعل جيلنا هو المسؤول عن هذه القطيعة، إذ اعتبر معظمنا أن العصرنة تعني قطع الاتصال مع الماضي والإرث الثقافي الذي اعتبرناه في الكثير من الأحيان رجعياً».
وعرض موسى الهواري ورقة عن السرد العربي القديم: بخلاء الجاحظ نموذجاً، مشيراً إلى تميز العصر الذي عاش فيه الجاحظ في الدولة العباسية بنهضة حضارية عظيمة وحركة فكرية رائدة، امتدت لتشمل العديد من المجالات، لافتاً إلى أن كتاب البخلاء يعد حدثاً مهماً في الأدب العربي، إذ شكّل السردي نقطة تحوّل في الثقافة العربية.
بينما تحدث أحمد بهي الدين عن أنماط رواة القصص الشعبي، مشيراً إلى وجود رواة قصص شعبية هواة، ورواة محترفين. وأوضح أن الرواة الهواة هم حَمَلة المأثور الشفاهي عموماً والقصص خصوصاً، ورثوا معرفته بالتواتر الشفاهي، لكنْ الرواة المحترفون هم الذين برعوا في أداء فن قصصي بعينه. وأكد عبدالعزيز المسلم أنه «سيجري العمل في الدورة المقبلة على توسعة فعاليات ملتقى الشارقة الدولي للراوي، خصوصاً فعاليات شارع الحكايات، وسيتم نقلها إلى قلب الشارقة، بالتعاون مع الهيئة العربية للمسرح». واعتبر أن الأوراق التي قدمت في الندوة والأفكار التي طرحتها ستؤخذ بعين الاعتبار عند إعداد التوصيات.
اليوم الثاني
وفي اليوم التالي، استكملت الندوة وقال رسول محمد رسول في ورقته، التي جاءت بعنوان: أنطولوجيا الراوي في السَّرد المفتون بذاته «منذ ظهور السَّرد المتخيل كان (الراوي) عنصراً رئيساً في وجود النص الحكائي، ومع مرور السنين أخذ هذا العنصر الفاعل يتنوّع في وجوده وحضوره داخل المتن الحكائي، وفي بعض الروايات أخذ يؤثر نظيره في نفسه بحيث سمح لكينونته بتعددها داخل النص الحكائي الواحد في روايات (السرد المفتون بذاته)، أو ما وراء السرد».
الحفاظ على الهوية الثقافية
وقال نجيب الشامسي، في ورقته التي حملت عنوان: دور الراوي في نقل السرد العربي القديم، إن للموروث الشعبي أهمية في المحافظة على الهوية العربية؛ إذ يتضمن عناصر عدة منها العادات والتقاليد والمعتقدات والألعاب والحرف والأهازيج والأمثال والأشعار والآداب، وكل أشكال الإبداع الإنساني التي يتركها السلف للخلف. وأضاف أن «الموروث الشعبي في الوطن العربي يجسد نظاماً حياتياً متكاملاً ومنهجاً تربوياً وإبداعياً أسهم في وجود أجيال متعاقبة من المجتمع، قادرة على الإبداع والابتكار والتفكير».
وقال صالح هويدي، في ورقة بعنوان: «وظيفة الراوي بين السرد الشفاهي والسرد الكتابي»، إن «الموروث الشفاهي كان مصدر التأثير والإلهام لبعض الأدوار التي نهض بها الراوي في السرد الكتابي الحداثي، وكشفت عنها نظريات السرد الحداثية ومنظروها الغربيون».