خلفية المسرح شاشة سينمائية استقبلت عرض «صوت البحر»

قصص حقيقية على خشبة «مسرد الندوة»

أولى فعاليات «مسرد» شهدت روايات لقصص حقيقية بلسان أصحابها، وحققت تفاعلاً ملحوظاً مع متابعيها. تصوير: تشاندرا بالان

عاش رواد ندوة الثقافة والعلوم في دبي، يوماً منوعاً وغير تقليدي، مساء أول من أمس، فما بين معايشة تفاصيل تجربة جديدة هي فعالية «مسرد» الحوارية، التي تأخذ الجمهور من مقاعد المشاهدة، أو فصول الدراسة، وأماكن العمل، والطرقات والمقاهي، إلى منصة القص، والاستمتاع بمشاهدة فيلم «صوت البحر» للمخرجة نجوم الغانم، كان مساء الحضور بالفعل مختلفاً.

فكرة مبتكرة

قال الشاب السعودي سعود الدريس، الذي قدم من المملكة العربية السعودية خصيصاً لمتابعة انطلاقة فعالية «مسرد»، بفكرة اقترحها على أعضاء جماعة نون الندوة، إنه لم يستلهم تلك الفكرة من أي لون أدبي قائم عربياً. وتابع: «ما أثارني هو الانكفاء المبالغ فيه على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو انكفاء يحول دون تواصل حقيقي وواقعي، وهذا ما نسعى إلى تجاوزه في (مسرد)». ورأى الدريس أن دبي هي الموقع المثالي لانطلاقة «مسرد»، مضيفاً: «سمة دبي الأساسية تنوع وامتزاج الثقافات، وهذه هي أحد مقومات ازدهار (مسرد) التي تسعى لنسج تبادل ثقافي بين أبناء الجاليات المختلفة عن طريق السرد الفني ذي الطابع الإنساني». اعتبرت عضوة جماعة «نون الندوة» الثقافية الإماراتية الشابة عفراء مطر، أن «الشفافية» و«التلقائية» هما أهم ما يميز فعالية «مسرد»، مشيرة إلى أنها تمنت شخصياً المشاركة في التجربة الأولى، لكن سائر الأعضاء نصحوها بإفساح مجال المشاركة للجمهور.

وأشارت مطر التي تجمع بين دراسة الفنون الجميلة وهندسة الديكور، إلى أن الأعضاء يكثفون البحث عن اصحاب قصص تثري «مسرد»، خصوصاً بين طلبة وطالبات الجامعات، فضلاً عن ابناء الجاليات المختلفة.

وعلى الرغم من أن أعضاء جماعة «نون» الندوة، التي معظم أعضائها ينتمون إضافة إلى نون «ندوة الثقافة والعلوم»، إلى عالم «نون النسوة»، تم عرض فكرتها، إلا أن المعايشة الحقيقية لأولى تجاربها، قربت المتابعين بشكل أكبر إلى طبيعتها. وعلى خشبة قاعة المؤتمرات بالندوة، تبارى أصحاب قصص حقيقية في الصعود إلى المنصة، لقص تفاصيل تلك التجارب، التي قد توصف بأنها، من فرط بساطتها قد تبدو عصية على الكتابة، خصوصاً وفق أدوات صاحبها، لكنها ظلت عبر أداة «القص» قادرة على نقل من يسمعها إلى تفاصيلها، وخصوصية وقعها عند صاحبها.

«البوح» إذا وفق تقاليد الحكاية، على نحو ارتجالي وعفوي، هو العنصر الحاسم في «مسرد»، الذي شهد تجربة مقيم ياباني يجيد التحدث باللهجة الإماراتية المحلية، خصوصاً لهجة أهل مدينة العين، على الرغم من أنه لم يقم بالدولة، سوى من ثلاث سنوات فقط.

ماذا تحدث المواطن الياباني، المعروف بين زملائه ومجاوريه في مدينة العين بـ«منصور الياباني»، واسمه الحقيقي اينوبرنر كاينكو؟ سؤال يتبادر بكل تاكيد في مستهل فعالية شبابية تنظمها مؤسسة رسمية تعنى بالثقافة، ممثلة في ندوة الثقافة والعلوم.

تحدث «منصور الياباني» بما يريد هو الحديث عنه، فتطرق بشكل حكائي عن عشقه المفرط لـ«الشاورما»، وعدم قدرته على مقاومة شهيته الدائمة لالتهام عدد كبير من ساندوتشات الشاورما بمختلف أنواعها، لدرجة أنه مال للحديث بعبارات مفرطة في الإعجاب بمذاقها اللذيذ، وتمكن من استقطاب اهتمام الجمهور لمتابعة حكايته حتى نهايتها.

وفي سردية أخرى تحدثت صفاء محمد عن موقف شخصي مرت به وأثر فيها، ويحمل بالنسبة لها دلالة ومغزى كبيرين، حيث تطرقت إلى مغامرة حدثت لها في أحد المطارات، وكادت تترك انطباعاً سيئاً في مدى تعاون رجال الشرطة مع الجمهور، لكن ما لبث أن صحح لها تلك النظرة شرطي آخر، بعد أن تفاعل مع مشكلتها بشكل إيجابي، وهو ما يؤكد أننا يجب ألا نكون سريعين في النظرة الانطباعية لفئة ما، لمجرد خطأ فردي.

سردية صفاء التي اقتربت من هامش الحد الأقصى المسموح به لكل سردية، وهي 10 دقائق، وجدت تفاعلاً من الحضور، لدرجة أن أحدهم تحدث عن تجربة مماثلة له في المطار ترتب عنها فقدان جوازه، وما ترتب على ذلك من مصاعب جمة، ما يعني أن حالة السرد، قد تتحول بشكل أو بآخر، إلى حوار، ولكن بمفهوم مغاير، بمعنى أن السرد يولد في النهاية أفكاراً جديدة لسرديات أخرى. في الوقت نفسه تطرق عدد من الحضور بالفعل إلى سرديات أخرى صغيرة، تعكس مواقف عابرة، وبسيطة، مثل ضياع الهاتف، ضياع الدليل في بلد غريب، وغيرها من الحكايات التي لا تخلو من متعة السرد، حينما يكون الراوي مجيداً لأدواته الفنية، وهي ما تهدف إليه هذه الفعالية ولكن بشكل عملي. كما استعرضت الشاعرة كلثم عبدالله أيضاً إحدى تجاربها، ولكن نثرياً هذه المرة، كمشاركة تشجيعية لأعضاء جماعة «نون الندوة».

من جهة أخرى، كان الحضور على موعد مع فيلم «صوت البحر» من إخراج السينمائية والشاعرة نجوم الغانم، حيث أخذ الفيلم الحضور في تجربة سينمائية هذه المرة إلى خصوصية، ليست البيئة البحرية الإماراتية فقط كما يوحي الفيلم الوثائقي الذي امتد لقرابة الـ90 دقيقة، بل ايضاً لخصوصية اللهجة المحكية لسكان السواحل الإماراتية، ليعد العمل، توثيقاً ذا اتجاهين، أحدهما مرتبط بالزمان والمكان، والآخر مرتبط بالمتقاطعين مع هذين العملين حيوياً، وهم سكان أهل الساحل الإماراتي، من خلال لغة سينمائية سلسة، تميزت بها الغانم في مجمل أعمالها السينمائية المهتمة بتوثيق التراث كمشروع تراثي متكامل.

تويتر