وداد خليفة النابودة: تفاصيل «زمن السيداف» متعمّدة كي لا تغيب «الذاكرة»

«زمن السيداف».. رواية أولى مكتملة، تستحق التحيّز لها والفرح بها، لكون مبدعتها الكاتبة الإماراتية وداد خليفة النابودة، آثرت أن تسبح عكس التيار، وتغزل على مهل - في سنوات – رواية مكتنزة (711 صفحة)، نقبت صاحبتها طويلاً في تاريخ وطنها، وتراث المكان الذي تنتمي إليه، وقاوم قلمها إغراءات زمن الخواطر والكتابة للوجاهة، والسرد لمجرد الحصول على لقب ما.

إلى بعيد تذهب وداد خليفة في «زمن السيداف»، إلى ثلاثينات القرن الماضي، لتوقظ شخصيات متخيلة وحقيقية، وتكتب ما يشبه سيرة حياة لكل هؤلاء، إضافة إلى إنطاق بطل صامت، وهو المكان الذي يجهل كثيرون تاريخه، ممن اكتفوا ببريق حاضره، ولا يعلمون شيئاً عن ماضيه: الشندغة وديرة أيام الشح وانهيار تجارة اللؤلؤ.

وداد خليفة «معلمة التاريخ» المهمومة بما بين سطوره، شيدت «زمن السيداف» في المنطقة الجمالية التي يمتزج فيها التاريخ بالفن، والواقع بالخيال، ما حدث بالفعل وربما ما تخيلته العين الفنية، لتعرّف الكاتبة من يطالع الرواية بتفاصل بالجملة من تراث وعادات ومفردات ومشاعر وعوالم من عاشوا هنا في الإمارات عموماً، ودبي بشكل خاص، قبل منتصف القرن الماضي، لتصبح الكاتبة واحدة من حارسات الذاكرة، ومن يحفظن التفاصيل كي لا تتلاشى من الذاكرة الجماعية.

سيرة

• وداد خليفة جمعة النابودة.

•بكالوريوس علوم إدارية وسياسية - جامعة الإمارات.

• العمل في التربية والتعليم معلمة 18سنة، ثم الانتقال إلى الإدارة المدرسية لخمس سنوات.

• حاصلة على جائزة خليفة للمعلم، لعام 2000.

• حاصلة على جائزة حمدان بن راشد للأداء التعليمي المتميز لعام 2003

• كتاب بحثي بعنوان: تاريخ الخليج العربي، بالاشتراك مع د.راشد أبوزيد، عام 1998.

• متفرغة حالياً للكتابة، و«زمن السيداف» هي الرواية الأولى.

«وينك من زمان»

أعربت وداد خليفة النابودة عن سعادتها بردود الأفعال التي حظيت بها روايتها الأولى «زمن السيداف»، مشيرة إلى تلقيها شهادات تعتز بها من شخصيات تكنّ لها كل تقدير واحترام. وأضافت أن الدكتور فالح حنظل تواصل معها عقب قراءته للعمل، وقال لها: «وينك من زمان؟»، وأكد سعادته بالعمل وبالجهد المبذول فيه.

وذكرت أنه وردتها اتصالات من قراء بالجملة، أثنوا على العمل الذي أشعل فيهم الحنين كما قالوا، لاسيما أن الكاتبة أحيت مفردات قديمة، وحرصت على تضمين العمل ألفاظاً منسية.

حروفيات

للكاتبة وداد خليفة النابودة، حكاية أخرى مع الفن، هذه المرة مع اللون عبر حروفيات ولوحات عدة، تصفها صاحبتها بأنها محاولات «وأنا مجرد هاوية، ولا أستطيع أن أصف نفسي بأنني فنانة». وشاركت المبدعة الإماراتية في بعض المعارض المشتركة.

جمع بين عالمين

تبدو وداد خليفة مشغولة بالتاريخ وصفحاته المجهولة؛ وتعترف بأن رواية «زمن السيداف» كانت سبيلاً لتمرير ذلك، ومحاولة «فنية» للجمع ما بين عالمين. وتنطق الرواية بالجهد الذي بذل فيها، ورحلة تحضير طويلة اعتكفت فيها صاحبتها «إذ استغرق العمل ما يقارب الثلاث سنوات ونصف السنة». وأضافت وداد خليفة لـ«الإمارات اليوم»: إن المصادر التي اعتمدت عليها منوعة «فمنها الكتب التاريخية والاجتماعية والتراثية في مجالاتها المختلفة، والتي فاقت الخمسين في عددها، ومنها المجلات والدوريات التاريخية والتراثية والتي أيضاً فاقت الستين، هذا بالإضافة إلى الاستعانة بمواقع الإنترنت المختصة، وكذلك دراسة ما تيسر من الصور لاستخلاص بعص المعلومات منها، أما ذاكرة الرواة فقد اعتمدت عليها في أجزاء كثيرة من الرواية.. كل تلك المصادر تضافرت لتوفير كم من المعلومات التي اعتمدت عليها في نسج الرواية».

وشدّدت الكاتبة الإماراتية على أن «هناك شحاً في المصادر التي تناولت هذه الفترة؛ وقد تكبدت العناء في استخلاص المعلومة والبحث عنها، كما أن أغلب من عاصروا تلك الفترة قد رحلوا، ومن تبقى منهم ضعفت ذاكرته ونسي الكثير من التفاصيل».

وعن «الشلات» والأشعار التي زينت صفحات رواية «زمن السيداف»، قالت وداد خليفة: إنها «ليست من إبداعي وقد تعمدت أن أختارها لشعراء عاصروا تلك الفترة، أما عتبات الفصول فهي من كلماتي».

توثيق

وحول الانشغال بالمكان وناسه منذ البدايات، دبي وما حواليها، والانتباه إلى التفاصيل الدقيقة، أشارت إلى «أنه مسار الرواية، ودبي هي مسرح أحداث الرواية، أما التفاصيل الدقيقة فقد كانت متعمدة، بغرض توثيقها والحفاظ عليها من النسيان والتلاشي».

ولفتت وداد خليفة إلى أن تخيّرها للانطلاق من منتصف الثلاثينات لكون المنطقة «قبل الثلاثينات كانت تعيش حالة رخاء، ومنذ الستينات وتحديداً بعد تدفق النفط بدأت المنطقة تستعيد حالة الرخاء مرة أخرى، والفترة المتوسطة بينهما كانت تتميز بالركود الاقتصادي ودخول المنطقة حالة من الكساد وشظف العيش والمعاناة، كما أن حالات الخطف الداخلي للرقيق نشطت فقط بشكل واضح في تلك الفترة، وهو المحور الذي دارت حوله الرواية».

وينطلق العمل من حادثة خطف الفتاة الصغيرة (موزانة) التي دفعت جريرة أبيها، لتصير «عبدة»، وتعيش «عمراً لم تختره» على حد تعبير الكاتبة التي ترى أنها لم «تقسو» على تلك الشخصية التي كانت مفتاحاً للعمل، والتي تأخر تحررها حتى الصفحات الأخيرة.

واستطردت وداد خليفة «لم تنل موزانة حريتها بشكل كامل، والواقع الذي كانت تعيشه هو الذي قسى عليها، إذ إن السرد هو تجسيد لواقع تلك الفترة الزمنية وقسوتها، وأنا لا أستطيع أن أمنح موزانة أكثر مما منحها إياه مجتمعها، بما يحمله من مفاهيم ومعتقدات وأعراف وتراكمات».

مجتمع بكامله

ونفت المبدعة الإماراتية أن يكون قلمها تحيّز بشكل خاص للأنثى دون شريكها في العمل، لاسيما أن قارئاً ما قد يستشعر بانطلاق القلم أكثر مع الأنثى، وكونها محركاً للأحداث، وليس مجرد منتظر لتبعاتها، علاوة على توغل الرواية في أدق تفاصيل عوالمها الجميلة، وهو ما لم يحظ به شريكها الرجل. وقالت الكاتبة عن ذلك «كلاهما كان قريباً، فأنا تناولت مجتمعاً بكامله، بكل رجاله ونسائه، مع اختلاف تصنيفاتهم وتفاصيلهم، ولم يكن متعمداً الاقتراب من أحدهما دون الآخر، وإن كان هناك الشعور بالاقتراب من المرأة فقد يكون ذلك بسبب الشخصية المركزية للرواية» وهي موزانة (موزة).

ورداً على سؤال: ألم تشعرين بأن في الأمر مجازفة: رواية تتخطى الـ700 صفحة، في زمن «المختصرات» و«التغريدات» والكتابة «المستعجلة»؟ أجابت وداد خليفة: «الإيمان والإصرار غيبا الشعور بالمجازفة، فغايتي كانت توثيق مرحلة بكل تفاصيلها، كي لا تغيب عن ذاكرة مجتمع غارق في الاختصار والكتابات المستعجلة التي أسقطت الكثير من التفاصيل فغاب معها المعنى وكثير من الجذور. إنني بتلك الإطالة أبثّ أرواح وحيوات من كانوا موجودين في تلك الفترة، عل وعسى تكون لهم منبهاً».

وبخصوص عدم وجود دار نشر (شهيرة) على غلاف الرواية، يستثير القارئ، وهل كانت ثمة معوقات في النشر، ذكرت الكاتبة أن «السبب هو رغبتي في خوض التجربة من ألفها ليائها، كنت أريد مرافقة الكتاب في كل خطواتة سواء قبل الطباعة أو أثنائها والإشراف عليها».

وقالت: «لقد بدأت بكتابة ملامح وتاريخ هذا المكان، ولن أتوقف.. كتبت في (زمن السيداف) عن مرحلة زمنية بكل أحداثها وتفاصيلها، إلا أن هناك مواطن تحتاج إلى تسليط الضوء عليها والبحث عن تفاصيلها؛ فكل ما وجدته عنها قليل ومتناثر، مثل وجود أهل الإمارات في الهند وبومبي خاصة، وكذلك وجودهم في زنجبار، هجرة أهل المنطقة إلى بلدان الخليج للعمل.. كلها مواضيع تحتاج لباحث صبور ينقب عن تفاصيلها، ويجلو الصورة بشكل أكثر وضوح».

وبخصوص رأيها في الساحة الثقافية، وتحديداً، إبداعات «الأخريات» في الإمارات، لاسيما في ظل وجود عدد كبير منهن في الفترة الأخيرة، قالت: «في السبعينات والثمانينات حظيت الساحة بمبدعات صاحبات تجارب مميزة.. وحالياً لا أستطيع الحكم؛ إذ لا يوجد تراكم عند الكاتبات في الفترة الأخيرة لذلك لا أستطيع أن أقدم رأياً».

وترى الكاتبة الإماراتية نفسها حالياً في محطة استراحة، لاسيما بعد الجهد الذي بذلته في «زمن السيداف»، وتذليل التحدي الذي واجهته في العثور على مصادر لروايتها، وتصوير ما كان في تلك الأيام البعيدة؛ ولذا لا تستطيع أن تتحدث عن المشروع المقبل وملامحه؛ لكنها تؤكد أنها ستستمر في مشروعها السردي، حتى تصل إلى الستينات والسبعينات، لاسيما بعد ردود الأفعال التي وجدتها الرواية.

رسالة

من رسالة بعثها أحد شخوص الرواية (كريموه) الذين اضطرتهم ظروف الشحّ إلى مغادرة البلاد للعمل في السعودية التي سبق فيها اكتشاف النقط: «إنني والحمد لله بخير، لقد وصلت إلى شواطئ الدمام بعد رحلة استغرقت عشرة أيام على متن المحمل، ونزلنا منطقة الخبر، حيث قدمنا الرسالة التي منحنا إياها الحاكم، ودفعنا عشرة ريالات سعودية لنحصل على إقامة لمدة ثلاثة أشهر. ولم يقصر معنا الرجال من أهلنا الذي سبقونا بالعمل هناك حيث وفروا لنا سكناً في الواحدات السكنية التي تجمعهم، ثم بحثوا لنا عن عمل في أماكن عملهم، ولله الحمد قد حصلت على عمل في إحدى شركات النفط، وأجرتي لليوم الواحد خمسة ريالات سعودية. وأبلغكم أنني بعثت مع الطارش مئتي ريال سعودي. ولا ينقصني شيء سوى رؤياكم، أسأل الله أن يجمعني وإياكم على خير، أرجو تبليغ سلامي لوالدتي الحبيبة وأختي فطامي الغالية وعمتي عوشة بنت خلف وخالتي يميعة وزوجها بلال. ابنكم البار عبدالكريم بن بخيت الكاسور».

دبي مدينة يعشقها البحر

من أجواء العمل: «ابتسم وجه الشيبه، وسرح بنظره وهو مكمل لحديثه: دبي مدينة يعشقها البحر، ويأبى إلا أن يكون الناحت لملامحها الجغرافية، بدءاً من شواطئها الممشوقة، وحتى (حدبها وعراقيبها) اللاهثة نحو الصحراء. وما ذاك الماء الذي رأيته إلا الخور الذي يجري في عروقها، إنه ليس (لال) بل هو الخور، شريانها الممتدة في قلبها، مكوناً منطقة بر دبي، ومنطقة بر ديرة على ضفتيه».

الأكثر مشاركة