«سفينة نوح» أعمال فنية محملة بالتأويل

وعي الوجود، التحولات، علاقة الأنا بالآخر والإنسان بذاته، الفصل والفرز.. وغيرها كثير من التأويلات والمعاني التي حملتها الأعمال الفنية التي ضمها المعرض السنوي الـ34 لجمعية الإمارات للفنون التشكيلية، الذي يحمل هذا العام ثيمة «سفينة نوح»، والذي يخرج في هذه الدورة من حدوده الجغرافية في الشارقة، لتستضيف منارة السعديات في أبوظبي جانباً من الأعمال المشاركة فيه في معرض مكمل، بالتعاون مع هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، في خطوة من شأنها دعم خطط الجمعية الرامية إلى الارتقاء بالدور المنوط بها في إرساء الحركة الثقافية بالدولة.

 

ثمانية أعمال لثمانية فنانين، حملتها «سفينة نوح» في منارة السعديات، عبر المعرض الذي افتتحه مساء أول من أمس، الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، بحضور المستشار الثقافي في وزارة شؤون الرئاسة زكي نسيبة، ورئيس جمعية الإمارات للفنون التشكيلية ناصر عبدالله محمد، وعدد من المسؤولين والفنانين والمهتمين بالشأن الثقافي. وتنوعت الأعمال في المضمون والأفكار التي استلهمها الفنانون من الثيمة الرئيسة للمعرض، التي تعبر إلى ما لا ينتهي، بحسب ما يذكر القيّم الفني للمعرض محمد المزروعي، رغبة في فهم الوجود على أنه لحظة فقط، لافتاً إلى أن «سفينة نوح» أرَّخت لمستوى تزاوج الفلسفي المفكر فيه بالبصري، وذلك بما طرحته على الفنان من وعي يتجاوز وضعه الشخصي. من جهة أخرى، اختار المزروعي أن يخرج بالكتيب المرافق لافتتاح المعرض عن الشائع في المعارض الأخرى، فلم يتضمن الكتيب سيرة ذاتية للفنانين المشاركين، أو وصفاً يقدمونه لأعمالهم، ولكنه قدم قراءة فلسفية وضعها القيّم الفني للأعمال الفنية في المعرض.

تعاون

تُقام فعاليات الدورة الـ34 للمعرض السنوي لجمعية الإمارات للفنون التشكيلية تحت رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة. وتعتبر هذه المرة الأولى التي يقام فيها المعرض منذ انطلاقته في كل من أبوظبي والشارقة في الوقت نفسه، حيث تهدف هذه الخطوة إلى دعم خطط الجمعية الرامية للارتقاء بالدور المنوط بها في تعزيز الحركة الثقافية والارتقاء بالذائقة البصرية لدولة الإمارات.

بعمل تفاعلي للفنان هاشل اللمكي، يستقبل «سفينة نوح» زائريه، وهو العمل الوحيد الذي يعرض في المعرض بمتحف الشارقة للفنون، وفي معرض منارة السعديات كذلك. العمل الذي يجسد تكوينا من الخيوط والأقمشة يمكن للزائر أن يصعد ويسير فوقه، يجد فيه محمد المزروعي، في قراءته للعمل، محرضاً للتفاؤل والضحك، فالضحك بما يحمله من سعادة هو ما يتبقى مما نمارسه من طقوس وأشياء في حياتنا. الفنانة عائشة جمعة قدمت عملاً يتيح للمتلقي التفاعل معه ليصبح شريكاً في تجربة نفسية تصب في النهاية في محاولة خلق مزيد من الوعي بالوجود والذات والمادة وتحولاتها، ففي عملها جسدت الفنانة نماذج مصغرة لرؤوس بشرية، تحمل ملامحها، وضعتها في غرفة مضاءة بالأبيض، داعية المتلقي للسير فوق هذه الرؤوس.

بينما تشارك الشيخة وفا حشر آل مكتوم، بعمل يفتح مجال التأويل واسعاً في اتجاه معانٍ مثل الفصل والفرز والفوارق بمختلف معانيها، حيث استخدمت لوح فصل متحركاً، وكرس هذه المعاني اللعب على تناقضات الألوان في الأبيض والأسود، بينما حمل شكل الجمل الذي زينت به اللوح معاني أخرى من بينها ارتباطه بكلمة سفينة، فطالما عرف الجمل في الثقافة العربية والبدوية باسم «سفينة الصحراء». التنوع ربما يكون هو الأساس الذي بنى عليه الفنان وداد ثامر لوحته التي اتسمت بطابعها التجريدي، والثراء البصري الذي يترك في نفس المتلقي أثراً واضحاً، خصوصاً ان التعدد والتنوع يأتي عبر تعدد طبقات اللون على سطح اللوحة، ما اضفى مزيداً من العمق عليها عبر لعبة الكشف والإخفاء في طبقات لونية متتالية قام بها الفنان في ما يزيد على مليون ضربة فرشاة. بينما يمثل عمل الفنان محمود الرمحي العمل النحتي الوحيد في المعرض، ويقوم على المزج بين الأسطورة والمستقبل عبر تجسيد تحولات تتخذها يد آدمية لتشكل منحوتات متعددة الأحجام والأشكال. في حين برز عمل الفنانة مريم القاسمي بألوانه الزاهية، ورسومها المتداخلة بطابعها الطفولي، «فالفنانة لا تعيد تكوين طبقات اللوحة لدفن ذكريات أو حتى الحفاظ على كنز أو أحفورات لمستكشفين قادمين، ومع ذلك يمكن للمتلقي أن يشعر بأن كل باطن وقاع الأرض والبحر يحويان الكثير الكثير»، بحسب ما يذكر القيّم الفني في كتيب المعرض. ويتخذ الفنان محمد القصاب من «السوق» وما يحفل به من حالة حراك دائمة، مع تكرار الشكل في بعض اللوحات التي نفذها باللونين الأبيض والأسود، والتي تكمل سلسلة من الأعمال التجريدية، مع لوحة متعددة الألوان. وتركز الفنانة كريستينا دي مارشي في عملها على العلاقة بين الإنسان والمكان، التي تجسدها بلوحة تبدو فيها الخريطة.

الأكثر مشاركة