عبير نعمة: الموسيقى ليست ترفاً
محمّلة بأنماط موسيقية من مختلف أنحاء العالم؛ تطلّ الفنانة اللبنانية عبير نعمة على جمهور أبوظبي، مساء الأحد المقبل، لتحيي أمسية ضمن سلسلة عروض «أمسيات» التي تنظمها هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة تحت عنوان «الموسيقى والشعر»، في حديقة المشرف المركزية بالعاصمة.
تجربتي مع «ذا فويس» إنسانية
عن تجربتها في برامج المواهب الغنائية كمتسابقة في برنامج «سوبر ستار» من قبل، وحالياً كمدربة للمشاركين في برنامج «ذا فويس»؛ قالت عبير نعمة إن النجم في هذه النوعية من البرامج يكون القناة والبرنامج نفسه، وليس المواهب الغنائية المشاركة، وبالتالي تكون نجوميتهم مؤقتة وينساهم الجمهور سريعاً ليتابع غيرهم في البرنامج نفسه أو آخر. وعلى المشارك أن يصنع نفسه معتبراً أن البرنامج فرصة لتقديم موهبته للجمهور، وعليه أن يسعى لتحويلها إلى طاقة فنية راقية. واعتبرت أن «ذا فويس» هو الأفضل بين برامج المواهب التي تعرض؛ بسبب طريقة اختيار المشاركين فيه، وللمواهب المهمة التي يقدمها. وأضافت: «تجربتي مع البرنامج إنسانية، فأنا أعمل على إظهار الموهبة لدى المتسابق ليرى أبعد مما يرى حالياً، إلى جانب تعليمه الأسس الأولية في الغناء مثل اللفظ وطريقة التعبير، واشتغل في ذلك على إدراكه لذاته ولموهبته، وتحفيزه للبحث عن خصوصية تميزه وشخصية خاصة به، فالتقليد أبشع ما يكون». أمسيات تقام فعاليات «أمسيات» تحت رعاية حرم سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، الشيخة شمسة بنت حمدان بن محمد آل نهيان. وتهدف إلى ترجمة الحوار الشعري الذي يعكس بمضمونه فهماً مشتركاً للموسيقى، ويتلاءم مع التعريف العربي لمفهوم العالمية. وتضم «أمسيات» عروضاً موسيقية وشعرية متنوعة من الإمارات، أذربيجان، لبنان، باكستان، وتركيا، يقدمها فنانون بارزون، من بينهم المنشد الباكستاني فايز علي فايز، والمغني والموسيقي الأذربيجاني عليم قاسيموف، وعازف الناي التركي قدسي أرغونر. |
وأكدت عبير نعمة في حوارها مع «الإمارات اليوم»؛ أن الموسيقى ليست ترفاً، معتبرة أنها ضرورة؛ لاسيما في الفترة التي تعيشها المنطقة العربية حالياً، وما فيها من تخبط بين الموت والحياة بشكل واضح وجذري، وليس تخبطاً في المعتقدات، كما يعتقد البعض، أو كما يبدو في الواجهة، بينما في جوهره هو تخبط بين الموت والحياة.
وأعربت عن أمنيتها في أن تتحول الموسيقى إلى لغة حوار بين الجميع، فعندها لن تكون هناك مشكلات وخلافات «فالطاقة التي تخرج من العمل الفني وحالة الانخطاف التي تجمع كل من يستمع إليه تخلق ما يشبه لقاءً روحياً إنسانياً بين الجميع، وفي الوقت نفسه تحمل كل شخص إلى مكان ما أو عالم خاص به، ولذلك فهي معجزة».
وأضافت عبير نعمة: «الموسيقى ليست ترفاً؛ فهي مرآة الشعوب، وهي صورتنا وصوتنا الأول، واللغة الوحيدة الجامعة للكل رغم اختلافاتهم. حتى في أوقات الحروب؛ هي التي تشجع الناس على تخطي ما يواجهونه من معاناة، وإذا لم تستطع الموسيقى أن تُحدث فرقاً في حياة الناس يكون هناك خطأ ما»، معتبرة أن الموسيقى معجزة، وأن الحياة بلا موسيقى ليست حياة.
أنماط مختلفة
وعن مشاركتها في أمسية الأحد المقبل بأبوظبي؛ ذكرت الفنانة اللبنانية أنها جهزت للحفل سلسلة من الأغنيات التي تمثل رحلة روحية تتنقل فيها بين أنماط موسيقية مختلفة عبر ألحان قديمة تعود لأكثر من 1200 عام، وأشعار غير معروف مؤلفها باللغة الآرامية ولغات أخرى، وهذه الأعمال تتنوع بين الشرقية الطربية والإنشاد الديني والموشحات الأندلسية ومديح الرسول.
وأشارت إلى حرصها على أن يكون في برنامج الحفل مساحة للارتجال على خشبة المسرح، موضحة: «أصر على وجود مساحة للارتجال على المسرح؛ فاللقاء مع الجمهور يمنحني طاقة غريبة أعبر عنها بالارتجال الذي لا تكتمل الحالة الفنية إلا به»، مشيرة إلى أنها ستقدم في الحفل، ولأول مرة؛ ثلاث أغنيات من ألبومها الجديد الذي تعمل عليه مع الفنان مارسيل خليفة، من بينها أغنية صوفية وأخرى عن الموسيقى، بالإضافة إلى أغنية ثالثة. كما سيصاحبها خلال الغناء مجموعة متميزة من العازفين وكورال من المجر يعد الأول في أوروبا، ليرافقها في تقديم بعض الأغنيات، خصوصاً التي لا تعتمد فيها على استخدام الموسيقى.
مسؤولية
وأعربت عبير نعمة عن عدم قلقها على مصير الموسيقى والفنون، بشكل عام، في ظل الأحداث القائمة وظهور موجات وجماعات متطرفة طالما هناك ناس تعمل في هذا المجال ولديها إرادة الحياة «نحن شعب يرفض الموت ويتمسك بالحياة، والموسيقى هي الحياة والوطن والأرض»، مشددة على مسؤولية الدول والأفراد في دعم الجهود الصادقة والمبادرات الفنية الهادفة، مشيدة في هذا المجال بجهود دولة الإمارات في الاحتفاء بالفنون، وتسليط الضوء على التجارب الجادة والمتميزة، والتعامل مع الفنون باعتبارها مكوناً أساسياً في الحياة. وأضافت: «الموسيقى الراقية قادرة على أن تجمع كل العواطف البشرية في لحظة، وأن تقول إننا جميعاً واحد؛ وإننا باختلافنا أجمل وبلقائنا أجمل، وعندما يلتقى اثنان في نقطة واحدة لا يعني ذلك بالضرورة أن أحدهما استقطب الآخر إلى حيث يقف، بقدر ما يعني أن الاثنين ذهبا سوياً إلى مكان أجمل، حافظ فيه كل منهما على اختلافه، وفي الوقت نفسه علا به عن الخلاف»، لافتة في الوقت نفسه إلى أن الفنون الهابطة تجر المستمع معها إلى الأسفل.
رغم إعلانها عن اطلاق ألبومها المشترك مع الموسيقار مارسيل خليفة خلال 2015، إلا أن الألبوم مازال بعيداً عن أيدي الجمهور؛ هذا التأخير ترجعه نعمة إلى أنه تقرر اطلاق ألبومين معاً وليس ألبوماً واحداً، ما تطلب تحضير أكثر لأن عدد الأغنيات زاد، مع مراعاة طبيعة المنهجية المتبعة، مؤكدة «لن يتأخر إطلاق الألبومين كثيراً، فمن المقرر أن يخرجا للنور خلال الأشهر القليلة المقبلة». وذكرت أن الألبومين سيضمان أغنيات من أشعار عدد كبير من مبدعي الوطن العربي، من بينهم محمود درويش وأنسي الحاج. أما من حيث الألحان؛ فتأتي كل أغنية بلحن مختلف يأخذ المستمع إلى مكان وحالة موسيقية وإنسانية تختلف عن غيرها من الأغنيات.
وقالت نعمة: «يضم العمل نصوصاً عن الحب بكل أنماطه وتعابيره، هي نصوص تشبهني وموسيقى تشبه مارسيل خليفة، الذي يرى أنني أخذت ألحانه بصوتي إلى مكان آخر، وأنا أقول إنه أخذ صوتي بألحانه إلى مكان آخر، إذ قدمت في العمل ألواناً من الغناء بين الطرب والموشح والفصحى والعامية والصوفي والتقليدي، بمصاحبة فرق أوركسترا عالمية، كما يتضمن العمل أغنيتين دويتو مع مارسيل خليفة، وأغنية له بمفرده». واستطردت: «رغم ضخامة العمل إلا أنها لم تواجه مشكلة في الإنتاج، حيث تولى مارسيل خليفة إنتاج الألبوم وتوفير كل الإمكانات ليخرج في أفضل صورة».
الناس جميعاً
وتنفي عبير نعمة توجهها بأعمالها الفنية إلى جمهور نخبوي، رافضة تصنيف الجمهور الى نخبوي وغير نخبوي، فالعمل الجيد يصل إلى الناس، رغم ما يقوم به الإعلام من «اغتصاب» آذان المستمع بما يقدمه من أعمال هابطة، ففي ظل الحالة الثقافية الحالية، والسرعة والسطحية التي يتسم بها العصر الحالي، من الطبيعي أن تكون هناك أشكال موسيقية تعبر عن هذا الوضع وأن تجد رواجاً، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنه إذا ما طرح عمل راقٍ لن يصل للجمهور «فالجمال لابد أن يصل، ومقولة (الجمهور بيريد هيك) مقولة كاذبة، وتعد نوعاً من الحرب الثقافية».
من ناحية أخرى؛ أشارت الفنانة اللبنانية إلى استمرار برنامجها «اثنوفوليا» في موسمه الثاني، والذي يتضمن 26 حلقة مدة كل منها 50 دقيقة، بما يجعلها بمثابة فيلم وثائقي حالم حقيقي وثقافي، بحسب وصفها، موضحة أن البرنامج لا يتوجه للنخب، ولكن لمن لا يعرف كثيراً عن الأنماط الموسيقية التقليدية حول العالم، ولديه اهتمام بأن يتعرف اليها، إذ قامت بجولة في أماكن من مختلف أنحاء العالم للتعرف إلى الموسيقى التقليدية المتجذرة لدى شعوب هذه المناطق والتي ربما لم يسمع عنها أحد، أو تذهب إليها كاميرا من قبل لتكون عين المشاهد هناك.
في الوقت نفسه؛ ترى نعمة أن تقديمها أغنيات تقليدية لشعوب مختلفة بما يقارب 25 لغة لم يؤثر في شخصيتها وهويتها الفنية الخاصة بها، نظراً لانها تستند إلى جذورها كباحثة موسيقية وامرأة عربية متمكنة من الأنماط الموسيقية الشرقية، وتتعامل مع الأنماط الأخرى باعتبارها رحلة تذهب فيها لتعود من جديد إلى مكانها.