«الحب كله».. ثنائية المرح والمعاناة
ليست مثالية المنحى صورة بيروت التي تقدمها الفنانة اللبنانية نادين قانصو، في معرضها التصويري الذي افتتح أخيراً في أبراج الإمارات بعنوان «الحب كله»، حيث تبرز ثنائية المعاناة والمرح، فتظهر هذه المدينة بكل جمالياتها ومآسيها، من وجهة نظر ناقدة وبعين المغتربة التي تحب مدينتها ويمكنها أن تدقق بكل تفاصيلها عن بعد. تعمل قانصو في معرضها على الكثير من التناقضات، ولكنها تختار الصور الأصدق في التعبير عن المدينة وناسها، لهذا نجدها تأخذ صورها من الشوارع والمباني والدمار والخراب.
سيرة فنية ولدت الفنانة اللبنانية نادين قانصو في بيروت عام 1968، وعاشت طفولتها هناك وحصلت على درجتين علميتين من الجامعة اللبنانية الأميركية. درست فنون الاتصال وتصميم الإعلانات، ومهدت هاتان الدرجتان الجامعيتان الطريق لها للعمل في عالم التصوير. عملت في عدد من المجالات المتعلقة بالتصميم والصحافة. قدمت أعمالها في متحف «فكتوريا أند ألبرت» في بريطانيا عام 2006، ثم عرضت أعمالها في دبي في العام نفسه. أمّا في مجال المجوهرات فقد أطلقت في ديسمبر 2006 مجموعة مجوهرات «بلعربي»، التي قدمت من خلالها وعبر الذهب جماليات اللغة العربية، حيث صاغت الأقراط والأساور والخواتم على شكل كلمات وحروف. تعاونت أخيراً مع «روبرت وان» لإنجاز عمل فريد من خلال لؤلؤة فريدة من متحف روبرت وان للؤلؤ. |
تأخذنا قانصو في معرضها الذي قسمته لأكثر من جزء الى عالم الأبيض والأسود، وهذا ما يفسر الحنين في أعمالها، فهي تبرز أوجه المدينة التي تحن إليها، وكذلك تفاصيل ومشاهد يومية من خلال الكتابات على الجدران، والشعارات التي تمثل أفكار الناس، ومنها «جوعتونا»، أو «ولعانة»، وهي عبارات تدلنا على حياة الناس سواء في تعاطيهم مع الفرح أو حتى المعاناة. توثق في أعمالها الخراب والدمار الذي شهدته مجموعة كبيرة من المباني نتيجة الحرب اللبنانية، ولكنها لا تلغي مساحة الأمل، وهذا نجده في بعض التفاصيل البسيطة، ومنها الزرع الأخضر الذي ينبت بين المباني القديمة المقدمة بالأبيض والأسود في الصور.
بين عالم اللغة التي تصيغها عبر المجوهرات، وعالم التصوير الضوئي، تبرز شخصية قانصو بهوية خاصة شديدة التعلق بعروبتها، وهذا يتجلى في كل ما تعكسه من صور، فهي حتى حينما تختار جسد المرأة لتصوره، تراعي المجتمع وعاداته، ونجدها تبحث في تفاصيله أكثر من كونها تلتقطه بطريقة جريئة أو مباشرة. تعكس من خلال الجسد الذي اختارت له شعر نزار قباني عن بيروت، فقد خاطبها كامرأة هتكت حرمتها وشوهت ولكنها تبحث بحنين عن جمالها وروحها، كل هذه المعاني تعكسها قانصو من خلال جسد الأنثى. كما تقدم في المعرض مجموعة «مكان في الذاكرة»، وهو مجموعة من الصور التقطتها بالقرب من بيتها القديم، وتعبر فيها عن حنينها إلى المكان الذي ترعرعت فيه.
وحول المعرض قالت قانصو، لـ «الإمارات اليوم»: «هناك أكثر من مجموعة ضمن هذا المعرض، ومنها أعمال من (مكان في الذاكرة)، و(في القلب)، و(ولعانة بيروت)، وغيرها من الأعمال التي تحكي عن بيروت الغالية على قلبي، فهي تترجم العلاقة بيني وبينها، خصوصاً بعد أن تركتها، فعيني تكون ناقدة أكثر، وهناك الكثير من الحب وعدم الحب ولكن ليس الكراهية». وأضافت أن «الحديث عن (مكان في الذاكرة) يحمل الكثير من الحنين في المشاهد، وهي مشاهد اجتماعية وسياسية، ومنها الأبنية، بينما تأتي مجموعة (في القلب) مستوحاة من قصيدة نزار قباني (يا ست الدنيا يا بيروت)». ولفتت الى أن المجموعة الأخيرة تحمل التناقض بين صورة المرأة الجميلة والأبنية المدمرة، وقد أحبت إبراز المكان بكل ما يحمله من انتقاد للحالتين السياسية والاجتماعية. ورأت قانصو أن «النظر الى المباني القديمة، التي هي جزء من بيروت، يجعلنا لا ننسى الحرب، فهناك من رحل من هذا المبنى وأناس ماتوا، وهناك الكثير من القصص المثيرة التي سمعتها من الناس بعد أن قدمت معرضي». ولكن هذه المدينة في رأيها تحمل تناقضات جمة حتى في العبارات التي تحمل أكثر من وجه، فكلمة «ولعانة» تدل على السهر، والحرب في الوقت نفسه، مشيرة الى وجود اختلافات وفروق كثيرة وتظهر من خلال السياسة والشعارات، موضحة أنها أرادت إبراز هذه الفروق من خلال التصوير الذي يُعد أصعب من الرسم من الناحية الفنية في تقديم هذه الرسالة. وحول إبراز جسد المرأة بطريقة بعيدة عن الابتذال، لفتت الى أن قصيدة قباني تتحدث عن بيروت كما لو أنها امرأة، وأحبت أن توجدها من خلال الجسد وليس فقط المباني، ولهذا قررت استخدام العدسة القريبة والكاميرا القديمة، وأخذت الجسد عن قرب، فحساسية المرأة ظاهرة ولكنها تجريدية إلى حد ما، وهذا أبعد الصور عن النمطية، فهي المرأة والمدينة، وهنا تكمن موازنة المشهد. ووصفت قانصو نفسها بالرومانسية، مشيرة الى أنها تواجه مشكلات كثيرة مع ما تحمله الذاكرة، فتحن الى الماضي دائماً، وهذا ما يفسر تقديم أعمالها بالأبيض والأسود فقط، وكذلك تصويرها بواسطة الكاميرات القديمة فقط.
واعتبرت قانصو أن الفنان يمكنه أن يسهم في كتابة التاريخ، مبينة أن ثمة أعمالاً توثق الأزمات، وهناك مجموعة من الفنانين ذهبوا الى اتخاذ مواقف وتوظيفها، موضحة أن هذا ليس سيئاً، إذ يجب أن يكون الفنان صادقاً مع نفسه، كي يقدم ما يشعر به للآخرين.