«حيفا... برقة» نبش في الذاكرة

لا يمل الرجل الثمانيني من الحلم والبحث عن الجذور، ونبش الذاكرة والعمل الحفري، من أجل مستقبل أفضل يستحقه الأطفال، كي لا ينسى أحد فلسطين، إنه الدكتور سميح مسعود، الحريص على القيام بكل ما يجب، من أجل الاستمرار في نبش ذاكرة المكان، مسعود الذي طرق أبواب الثمانين بهمة ونشاط وحلم ابن الـ20، لايزال يحتفظ بذاكرته المتقدة.

 

في جعبة الدكتور الأديب سميح مسعود، القادم من عالم النفط والاقتصاد، الكثير وفي كل يوم يخطط للمستقبل، ولديه من الإصدارات ما يستحق القراءة والجدل والنقاش، في مختلف المجالات.

 

في «حيفا.. برقة.. البحث عن الجذور»، يبحث المؤلف عن جذوره في فلسطين، والطفولة في حيفا، والأب الذي كان يعمل موظفاً في البريد والهاتف والتلغراف، الاحتلال البريطاني، وبدايات الوعي السياسي من خلال أصدقاء العائلة، التنزه في شوارع حيفا مع الأم، ثم موسم الصيف في برقة، القرية التي تنحدر منها العائلة، بساتين وأراضي برقة المزروعة بالخضراوات بمختلف أنواعها، وأشجار الزيتون واللوز والكرز والبرقوق والمشمش والتين والعنب والرمان والخوخ. برقة والقرى المحيطة بها، منطقة باب الجامع حيث يلتقي «الكبار»، الذين يتحدثون عن أحوال القرية وأحوال فلسطين. مدرسة القرية الذي يلتحق بها الكاتب، لسنة واحدة فقط، قبل العودة إلى حيفا. فيتعرف إلى الألعاب التي يلعبها أولاد القرية، الذين عرّفوه أيضاً على الشبابة «وكيف تصنع من القصب وضلوع بعض النباتات»، و«كيفية صنع سيارة لعب من السحارات المرمية في الطرقات».. وألعاب أخرى.

«حيفا.. برقة.. البحث عن الجذور»، هو الجزء الثاني، وليس الأخير في ما يبدو، في هذه السيرة التي حضر فيها المنهج الأنثروبولوجي من قبل مسعود، كباحث حرص على استنطاق المكان والذاكرة الشفهية في أجمل وأدق صورة، وفي مختلف التفاصيل التي صورت اللحظة تلو اللحظة بعناية، ليؤكد كل ذلك حقيقة مفادها أن جذوره في فلسطين أكبر من مدينة حيفا، ومن قريته برقة، ففي روايته التسجيلية يتم التأكيد من جديد على امتداده وحضوره التاريخي والثقافي والاجتماعي، وبالضرورة السياسي والوطني في كل الوطن الفلسطيني، والهوية الفلسطينية الضاربة في عمق التاريخ والجغرافيا، التي لا يمكن لأيٍّ كان أن يقتلعها من جذورها أو يلغيها مهما طال الزمان، والمكان وفقاً لما توصل إليه الأديب والروائي والشاعر والباحث مسعود، تجاوز ما كان يهدف إليه مباشرة، إلى الفضاء الأوسع، الفضاء الحقيقي الذي يحكي حكاية فلسطين وناسها.

الكتاب يتجاوز فكرة البحث عن الجذور العائلية، إلى البحث عن الإنسان في المكان، في أرضه التي لن تكون إلّا له ولشعبه، بلا شركاء من خارج طينتهم.

 

 

تويتر