أول شهيدة إماراتية تشغل «الطابور»منذ 15 عاماً
بين قصص ترويها «مطوعة»، ومعلمين يحرّضون على المعرفة بعيداً عن المناهج، تفتّح وعي الباحث عبدالله الطابور، على القراءة، ليجتذبه التاريخ، وما يتعلق بتراث بلده ورموزه، ليبدأ رحلة التأليف مبكراً بكتيب عن الألعاب الشعبية في الإمارات، ويواصل الطريق محاولاً اكتشاف روح وطن أصيل، من على ألسنة الرواة، مفتشاً في ذاكرة الأجداد عن ملامح زمن فات ويوميات منسية لا يعرف أبناء جيله عنها شيئاً، لينجز 26 كتاباً منوعاً، بينها إصدارات عن الرعيل الأول، وأعلام من الإمارات، ورواية عن فاتحة شهداء الإمارات (سهيل)، كما يضع اللمسات الأخيرة حالياً على رواية أخرى عن أول شهيدة إماراتية تعود حكايتها إلى نحو 200 عام، وهي سيدة من «نساء القواسم» تشغله منذ 15 عاماً، كما كشف الطابور لـ«الإمارات اليوم»، معتبراً أن ذلك أقل ما يقدمه لشهداء الوطن.
ويرى ابن رأس الخيمة أن «عام القراءة»، مبادرة ينبغي استثمارها وتطويرها من الجميع، لذا فهو يعدّ مساهمته الخاصة (حقيبة القراءة) التي تضم عدداً من مؤلفاته، وسيوزعها على البعض كي تكون حافزاً للمطالعة، مشدداً على دور وزارة التربية بشكل خاص في تفعيل مبادرة «عام القراءة» بين الطلبة، وممارسة القراءة بشكل فعلي، وليس من أجل «التوثيق الإعلامي»، على حد تعبيره.
تفعيل حقيقي
بخصوص مبادرة «2016.. عام القراءة»، قال الكاتب والباحث الإماراتي عبدالله الطابور «أتمنى من وزارة التربية بشكل خاص أن تحول الفكرة إلى شيء عملي، ليقرأ الطلبة بشكل حقيقي، لا لأجل التوثيق الإعلامي، إذ يجب أن تستمر القراءة بشكل فعلي وليس بصورة سطحية، لأن التربية لها دور كبير في تنمية ثقافة القراءة لدى الناشئة والطلبة»، مشدداً على ضرورة زيادة المكتبات، كما هي الحال بأوروبا، في كل حيز بالأحياء والمناطق، وكذلك مكتبات صغيرة في مراكز التسوق بشكل خاص لمن تستهويه المطالعة، فليس الجميع من هواة التبضّع.
900 شريط للرواة يمتلكها الدكتور عبدالله الطابور، ويصفها بالكنز الذي يعود إلى رجالات مختصين في مجالاتهم، مضيفاً: «وثقنا مع الرواة شكل الحياة في زمانهم، مثل صناعة الفخار، التي كان لها تاريخ عندنا في رأس الخيمة، تحديداً في منطقة شمل، وعمرها 3000 سنة، وظلت حتى مطلع السبعينات، إذ هجر الأهالي هذه المهنة وتركوا الأفران (جلفار) شاهدة على جزء من الماضي، ولدي كتاب عن ذلك، والتقيت 14 صانعاً للفخار تطرقوا إلى أنواع الطين، وكيف كانوا يجهزون لصناعتهم، والأفران إلى الآن مازلت شواهدها موجودة، وأتمنى أن يسلط الإعلام الضوء على مهننا التاريخية، كالفخار، وكذلك صناعة النحاس التي ترجع إلى نحو 5000 عام، وكذلك ما يتعلق بالصيد، وغيرها من الصناعات التقليدية». |
بدايات التعلّق بالكلمة، تعيد الدكتور عبدالله الطابور إلى ما قبل زمن المدرسة، تحديداً من ابنة خالة الوالدة التي كانت لديها مكتبة متواضعة. ويقول: «كنت أذهب إليها برفقة أمي، واستهوتني القصص التاريخية والدينية، وفي بيتنا القديم كان من بين زوارنا امرأة تسمى مريم بنت المغربي، وكانت (مطوعة) تحفظ الكثير من القصص، وتحكيها لنا، لذا نمت لدي محبة الكلمات والروايات، كما أن السائرين إلى الحج كانوا يزودوننا بكتب، وأذكر أنني في سن مبكرة كتبت قصة الإسراء والمعراج كي تترسخ في ذهني، وأعددت نسخاً يدوية عدة منها».
ويؤكد الطابور أنه رغم بساطة المجتمع التقليدي في السبعينات، إلا أنه رسخ لديهم ثقافة القراءة والتعلّق بالكتب، مضيفاً: «لا أنسى أثر بعض المعلمين ممن غرسوا فينا حب المعرفة، وأذكر أن أحدهم في المرحلة الإعدادية، كان يحثنا على البحث عن كتب بعيداً عن المناهج.. أي كتاب في زمن كانت المكتبات محدودة ومتواضعة عندنا في رأس الخيمة، وبعدما نحصل على الكتاب كان المعلم يدفعنا إلى قراءته، وشرح محتواه للزملاء، ما رسخ لدينا حب القراءة والتنوير».
وبفضل أحد المعلمين أيضاً، اكتشف الطابور عشقه للبحث والكتابة بشكل عام، موضحاً: «برز البحث لديّ من الصف الأول الثانوي، بسبب مدرسين كانوا يشجعوننا على الكتابة، لاسيما عن مجتمعنا وحكاياته وتاريخ مناطقه، ومن يومها تعلّقت بهذا الجانب: اكتشاف تاريخ بلادي، وعادات أهله، والحصول على شيء جديد من بيئتي، وكانت البداية بكتيب عن الألعاب الشعبية، وأذكر أنني كنت من أشبال الكشافة في مدرسة القاسمية، وزار المغفور له الوالد الشيخ زايد، أحد معسكراتنا، وكانت المدرسة قد طبعت الكتيب الخاص بي عن الألعاب الشعبية، ورآه الشيخ زايد وسأل عن كاتبه، وقال ما شاء الله، ووجّه بأن يطبع.. ومن يومها وضعت قدمي على طريق التأليف، وانطلقت بعد ذلك، ليصل نتاجي إلى 26 كتاباً، ولدي أعمال أخرى شبه جاهزة».
فصّل الطابور في كتابه الأول الذي طبع في أواسط الثمانينات الألعاب الشعبية المحلية، وكيفية ممارستها، وقارنها بنظيرتها الخليجية. وقال «كان لي صديق رسام أنجز رسومات تلك الألعاب القديمة كما تخيلتها، وأيضاً صورنا عدداً من الألعاب بالاستعانة بالطلبة، لكن الرسم كان أكثر دقة، ومن بين الكتب أيضاً الطب الشعبي في الإمارات، والألغاز الشعبية، إضافة إلى رسائل الرعيل الأول. وسرت في هذا الدرب فأرّخت للجيل المؤسس للثقافة في الدولة، في كتابي (رجال في تاريخ الإمارات)، ويضم شخصيات رائدة، ووجّه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بتحويل بعض الشخصيات إلى أفلام وثائقية وعرضها على تلفزيون الشارقة، وبالفعل وثقنا 15 شخصية، من بينهم إبراهيم المدفع (صاحب أول مكتبة وأول صحيفة)، وأجهز عنه كتاباً كبيراً يبرز بواكير الثقافة منذ جده عبدالله بن حسن المدفع».
وعن الرواية بشكل خاص، يقول صاحب «سهيل» التي تحكي سيرة أول شهيد إماراتي: «أحب القص، وتستهويني الرواية، وعندي أعمال بدأت فيها، ولدي سيناريوهات عدة، لكنني مازلت أشتغل عليها، لأن الرواية تحتاج إلى إعادة نظر وحبكة خاصة وتسلسل، إذ أعمل منذ فترة على رواية عن أول شهيدة في تاريخ الإمارات، وتعود إلى عام 1819، حينما هاجمت حملة إنجليزية رأس الخيمة، ودمرت الحصن والبيوت، مستهدفة أكبر قوة في المنطقة بتلك المرحلة (القواسم)، وذكر قائد الإنزال على رأس الخيمة في مذكراته: فوجئنا بهجوم علينا بالنبال والسهام ليلاً، فقتلوا منا ضابطاً برتبة عقيد، ومجموعة من الجنود، فرددنا وقتلنا عدداً منهم، وحينما هدأت المعركة، سرنا نستطلع المهاجمين، وفوجئنا بأن معظم من قتلناهم نساء، وأمسكنا ببعضهن، وسألناهن عن قائدتهن، فقالوا (فلانة).. وذكر (القائد الإنجليزي) القصة كاملة في نحو ثلاث صفحات عمن سماهن نساء القواسم». ويلفت الطابور إلى أنه يعتمد في روايته على تلك المذكرات «إضافة إلى وثائق محلية، وأيضاً شهادات لمسنين يمتلكون بعض القصص، حتى ولو شابها نوع من الأساطير، لأن بيننا وبين تلك الفترة نحو 200 عام، فالرواية حتى ولو استقامت سيكون فيها بعض الخيالات، فأنا جمعتها وأشتغل عليها منذ أكثر من 15 عاماً، واقتربت من إنجازها، كنوع من الوفاء لشهدائنا، وستصدر الرواية في معرض الشارقة للكتاب المقبل».
ومن واقع خبرته الميدانية، لا يوافق الباحث عبدالله الطابور من يرون أنه لا توجد وثائق لدى الأهالي، مضيفاً: «التقيت رواة وعائلات ومسنين، والنظرة السائدة كانت أن أهلنا لم تكن لديهم إلا مرويات شفاهية، واكتشفت عكس ذلك، إذ وجدت لدى البعض مخطوطات قديمة تعود إلى أكثر من 200 عام، مخطوطات منوعة أدبية وتاريخية وسير، ومن ضمن الأشياء التي جمعتها، مخطوطة لإحدى المطوعات، كانت ممن التقيتهم من الرواة، وكتبتَ عن الأحداث في مدينة رأس الخيمة، في شكل قصصي بخط جميل».
إحياء ما اندثر
طالب الطابور بضرورة تسليط الضوء على الصناعات التقليدية، وإعادة إحياء ما اندثر، وقال: «أخيراً كنت مع الأهل في ميونيخ، وزرنا متنزهاً للأطفال، وفوجئت بأن بعض الصناعات التاريخية الألمانية مجسّدة في المتنزه، فسألت أحد المسؤولين وقلت هذه حديقة للترفيه أم معرض؟ فقال هذا فكركم أنتم، أما نحن فنبرز موروثنا وما صنعه الإنسان الألماني في كل مكان، في الشوارع والأماكن العامة والحدائق».