محمد عبده: الأغنية الســـياسية صراخ في صحراء العرب
حالة أخرى يصنعها الفنان محمد عبده، بآرائه الفنية التي تختزل مسيرة امتدت لأكثر من نصف قرن مع الغناء والطرب، لتمثل في مجملها توثيقاً لسيرة فنان يحمل لقباً يخرجه من تقسيمات الجغرافيا، ليصبح «فنان العرب»، باعتباره أحد العمالقة الذين لايزالون يشعرون الجمهور بأن «الزمن الجميل» يمكن أن يكون حاضراً أيضاً.
فخر.. وترقب طالب الفنان محمد عبده جمهوره بتوقع مفاجأة تلفزيونية جديدة له قريباً، مضيفاً لـ«الإمارات اليوم»: «يجري الإعداد لبرنامج تلفزيوني جديد، قد يكون موعده بعد أشهر قليلة». وتابع: «فخور ببرنامج (فنان العرب)، الذي توج علاقة وطيدة تربطني بـ(تلفزيون دبي)، وعبره تم اكتشاف صوت يمني أصيل، أقوم الآن بمتابعة الاهتمام برعايته». ورأى عبده أنه يجب ألا نضع جميع برامج استكشاف المواهب في سلة واحدة، مضيفاً: «الكثير منها له أغراض تسويقية، لكن بعضها يقدم خدمات جليلة للفن، حينما تكون وراءه فكرة حقيقية وواضحة». مدينة استثنائية وصف فنان العرب محمد عبده دبي بـ«مدينة العرب» والاستثنائية في توفير فرص حقيقية للمطرب العربي عموماً، والخليجي بصفة خاصة، مضيفاً: «ما تقدمه دبي للأغنية الخليجية، لاسيما لجهة التقاء الفنان مع الجمهور، بمثابة خدمات جليلة سيحفظها التأريخ الفني». |
عبده وصف دبي بـ«مدينة العرب» والاستثنائية في توفير الفرص، ورأى أن ما تقدمه المدينة للأغنية الخليجية سيذكره التأريخ الفني.
جاء ذلك في حوار له مع «الإمارات اليوم»، أعرب فيه عبده عن حرصه الشديد على الوجود مع جمهوره في دبي، وبصفة خاصة، خلال إجازة العيدين، مشيراً إلى أن دبي ملتقى أول للفنانين العرب عموماً، والخليجيين بصفة خاصة، بل إنها ملتقى مثالي لجمهور يقصدها من كل مكان، لينعم بكل الأمن والطمأنينة والأريحية على أرضها.
وعلى الرغم من امتداد الحفل الفني الساهر الذي جمعه بجمهوره وعشاقه في دبي، وهي عادة أصبح محمد عبده حريصاً على إحيائها، كأنها أصبحت طقساً مرتبطاً بليالي العيد في «دانة الخليج»، حتى ساعات الفجر، إلا أنه بدا حريصاً على لقاء إعلامي في اليوم التالي، تم تأخير موعده لساعتين، من أجل توفير مزيد من الراحة للفنان السعودي.
وفي إجابته عن سؤال عن موقع الفن عموماً، والأغنية بصفة خاصة، من الواقع العربي الراهن، والمأزوم سياسياً وأمنياً وفكرياً، في مواقع عدة من جسد الأمة، قال: «لا يمكن للفن بما في ذلك الطرب، أن يكون معالجاً، لكن يمكن أن يكون مصوراً وعاكساً وراصداً للواقع».
ولكن ألا يمكن أن يكون للفن دور في التصدي لقيم مشوهة ودعاوى مغلوطة، من خلال انحيازه الأصيل لإعلاء قيم الخير والعدل والجمال، سؤال أجاب عنه فنان العرب بقوله: «هذا دور أساسي للفن، وكل عمل مبدع يحمل نسقاً يصب في هذه البوتقة، بل هو توجه فطري وأصيل لدى الفنان الذي نجده منحازاً بطبيعته، ثم نتاجه، إلى هذه القيم، ولكن في الوقت ذاته، فإن معالجة أي خلل مجتمعي أو قيمي، لا يمكن أن تكون مهمة أو وظيفة للفنان، أياً كانت أدواته ووسيلته».
وعن ما اصطلح على تسميته بـ«الأغنية السياسية»، وهل لاتزال موجودة فعلاً، أم ذابت مع تلاشي مرحلة التغني بـ«القومية العربية» في الستينات، وما تلاها؟ وهل تستدعي المرحلة ردة إلى نسق مشابه، على اعتبار أن تلك الأغنية جاءت رفيقة للأزمات والتهديدات الكبرى التي تعرض لها الوطن العربي، يرد فنان العرب على السؤال بتساؤل استنكاري: «وماذا أثمر هذا النوع من الأغاني؟»، قبل أن يضيف: «الأغنية السياسية كانت صراخاً في صحراء العرب، كان هناك الكثير من الشعراء والمؤلفين الذين تميزوا بنتاج غزير في هذا المجال، والآن لم نعد نسمع نتاجاً يصب في إطار نقد السلوك السياسي، على نحو يمكن اعتباره توجهاً فنياً».
وتابع: «مع تواتر صناعة الأغاني السياسية في الستينات وما تلاها، هل استطاعت أن تؤثر أو تعدل في إطار ما دعت إليه؟ لا أعتقد، لذلك فإن استدعاءها أو استعادتها عمل غير مجدٍ، والاستثناءات تبقى محدودة، ومشروطة بأن تكون هناك فكرة ورسالة حقيقية ومحددة، بعيداً عن العمومية ومجانية الطرح».
وأشار عبده إلى قناعته بأن الفنان الحقيقي الذي يؤدي رسالته، بمثابة جريدة صوتية تنقل مشاعر الناس وتعكسها في أعمال مبدعة تخاطب الوجدان، ولا تنفصل عن المجتمع. وفنياً أعرب عن سعادته بغنائه أمام جمهور غفير في دبي، في إطار حفلات «العيد في دبي»، التي تنظمها «روتانا للصوتيات» بالتعاون مع مؤسسة دبي للمهرجانات والتجزئة، التابعة لدائرة السياحة والتسويق التجاري، وخص جمهور هذا الحفل بأغاني ألبومه الجديد «يا راحلة»، الذي يضم خمسة أعمال مختلفة، معتبراً أن المقارنة بين «يا راحلة» و«الأماكن»، تبقى بالنسبة له غير جائزة، باعتبار كل منهما عملاً فنياً مستقلأً بذاته، دون أن ينفي قناعته بأن «الأماكن» شكلت لديه ولدى جمهوره «حالة خاصة».
كما أعرب عبده عن رفضه القاطع لفكرة الغناء بلهجة غير خليجية، مشيراً إلى أن الأمر بالنسبة له «قناعة»، والقناعات لا يمكن أن يغيرها تتالي العقود، فيما رحب بتعاونه لأول مرة مع الفنان ماجد المهندس (ملحناً) إحدى أغنيات ألبوم «يا راحلة» وهي «سلم»، نافياً أن تكون «الراحلة» المقصودة في الأغنية هي شركة «روتانا» للصوتيات، التي يواصل تعاونه معها تحت إدارة الرئيس التنفيذي لها سالم الهندي، من خلال إنتاجها وتوزيعها «يا راحلة»، فضلاً عن توليها التعاقد على حفلاته الغنائية المباشرة.