«الخيوط الخفية».. قصص التكنولوجيا والإنسان

منذ عام 1957، وهو العام الذي شهد إطلاق أول قمر اصطناعي وحتى الآن؛ تتزايد سطوة حضور التكنولوجيا في حياة البشر، حتى باتت حالياً جزءاً لا يتجزأ من الحياة ذاتها، ورغم دورها الكبير في منح الإنسان حياة أسهل وأكثر رفاهية؛ إلا أن ما أخذته التكنولوجيا، في المقابل، من حياة الإنسان ليس بقليل، إذ سلبت منه جانباً مهماً من خصوصيته وحياته وتفاعله مع محيطه الاجتماعي والبيئي ليتحول إلى سجين لحياة افتراضية. هذه العلاقة الملتبسة والمتشعبة بين التكنولوجيا والإنسان والمجتمع كانت دائماً موضوعاً ملهماً لكثير من المبدعين في مختلف مجالات الإبداع، ومحوراً لكثير من الأعمال الفنية، ومن بينها الأعمال التي ضمها معرض «الخيوط الخفية: التكنولوجيا ومفارقاتها»، الذي يفتتح للجمهور مساء اليوم في رواق الفن بجامعة نيويورك أبوظبي بجزيرة السعديات.

فعاليات وحوارات

يضم المعرض أعمالاً فنية بتكليف حصري، بالإضافة إلى مجموعة من الأعمال التاريخية لـ15 فناناً عالمياً: آي ويوي، وجيمي ألين، وآرام بارثول، وتيسير بطنيجي، ووفاء بلال، وليو بولين، وجونا بروكنر كوهين، وهيثر ديوي-هاغبورغ، ومايكل خواكين غراي، ومنيرة القديري، وإيفان روث، وفيليب ستيرنز، وسيبرن فيرستيج، وآدي واغنكت، وكيني وونج. وتنظم بعد غد جلسة حوارية يناقش الفنانون المشاركون فيها موضوع المعرض مع شومون باسر، القيّم الفني في «منتدى الفن العالمي» ومؤلف كتاب «عصر الزلازل». وسيتخلل معرض «الخيوط الخفية: التكنولوجيا ومفارقاتها» برنامج عام كامل يضم مجموعة من الحوارات والفعاليات.

يرصد المعرض، الذي تمتد فعالياته حتى 31 ديسمبر، عبر مجموعة من الأعمال لـ15 فناناً من جنسيات مختلفة، جوانب متعددة من العلاقة اليومية مع عالم التكنولوجيا، ويكشف حجم تغلغل الأجهزة الحديثة في تفاصيل الحياة إلى درجة ارتباط كثيرين بعلاقة عاطفية مع أجهزتهم الخاصة؛ مثل الهاتف المحمول أو الكمبيوتر الشخصي، وهو نوع من العلاقات غير المكتملة التي تستغرق الشخص، وتعزله عن محيطه لتفرز قضايا مختلفة، مثل مدى حقيقة أن الإنسان هو المسيطر على هذه العلاقة، وقضية «العزلة والتواصل» و«الخصوصية ووسائل التواصل الاجتماعي».

ومن الأعمال التي يتضمنها المعرض، عمل للفنان مايكل خواكين جراي يمثل نسخة مصغرة عن أول قمر اصطناعي مهّد الطريق لإطلاق عصر المعلومات، تم وضعه في وسط المعرض بما يمثل نقطة بداية السرد الفني في المعرض، وهذا العمل هو نسخة من ثلاث تم صنعها يدوياً من قبل.

هناك أيضاً أعمال أكثر قرباً من الإنسان وتجاربه الشخصية بل وتكوينه البيولوجي، كما في عمل الفنانة هيثر ديوي - هاغبورغ الذي يحمل عنوان «سترينجر فيجنس» الذي قامت فيه الفنانة بجمع عينات من الحمض النووي من مواد مختلفة، مثل الشعر والعلكة وأعقاب السجائر لتقوم من خلال تحليل هذه المادة بعمل تصاميم ثلاثية الأبعاد تصوّر وجه الشخص الذي ترك المادة وراءه، بهدف إثارة التساؤلات حول تدخل التكنولوجيا في تحديد الهوية للإنسان.

في حين يتناول عمل الفنان تيسير بطنيجي الذي يأتي ضمن دراسة قائمة حول التكنولوجيا ودورها السلبي في توسيع المسافة التي تفصلنا عن إنسانيتنا، مسلّطاً الضوء على واحدة من أبرز مساوئ التكنولوجيا، وهي إمكانية الوصول إلى صور أي شخص على الفور. ويضم العمل مجموعة من الصور الفنية ذات جودة منخفضة أنتجها الفنان بالقلم الرصاص وأوراق الرسم البياني، معتمداً على تأثيرات التنقيط يجسّد فيها شخصياته المعصوبة العينين، باستخدام صور عشوائية عبر الإنترنت. وهذه السلسلة من الصور مستعارة من تشكيلة الأعمال الفنية الخاصة بمؤسسة بارجيل للفنون في الشارقة.

بينما مزجت الفنانة منيرة القديري في عملها بين ماضي وحاضر منطقة الخليج، فهو يتكون من ثلاث منحوتات للفنانة، هي نسخ مصغرة من رؤوس التنقيب عن النفط قامت القديري بتغليفها بالألماس، ولوّنتها بألوان قزحية ليجتمع النفط واللآلئ معاً، بما يرمز إلى طيف يربط بين ماضي وحاضر المنقبين عن الثروات في الخليج العربي.

هذا، ويشارك في مهام التقييم الفني لمعرض «الخيوط الخفية: التكنولوجيا ومفارقاتها» كلٌ من سكوت فيتزجيرالد، وبانة قطان.

وقالت بانة: «يضع رواق الفن ضمن جهوده عدداً من الأولويات البارزة، من بينها معالجة الموضوعات التي تحظى بأهمية على الصعيدين المحلي والعالمي»، مشيرة إلى أن المعرض يناقش أحد الموضوعات الرئيسة التي تشغل الرأي العالمي والمحلي، وهو العلاقة مع التكنولوجيا التي تتوسّع بشكل مطرد، وبات اعتمادنا عليها متزايداً.

من جانبه، أعرب رئيس الإعلام التفاعلي في جامعة نيويورك أبوظبي، سكوت فيتزجيرالد، عن سعادته بالإشراف على المعرض الذي يتناول موضوع التكنولوجيا، الذي تدور حوله دراساته الأكاديمية، وبكونه أول قيّم زائر من جامعة نيويورك أبوظبي.

الأكثر مشاركة