نجيب محفوظ يشغل القاهرة حاضراً وغائباً

يبدو أن قدر صاحب «أولاد حارتنا»، هو أن يشغل القاهرة حاضراً وغائباً وحالماً.. إذ هدأ الجدل، أخيراً، في الساحة الأدبية بالعاصمة المصرية، بعد فترة من الأخذ والرد، بسبب «الأحلام الأخيرة» لأديب نوبل الراحل نجيب محفوظ، والتي كشفت عنها دار الشروق العام الماضي.

«الكنز» الأخير من الأحلام عثرت عليه ابنتا نجيب محفوظ (فاطمة وأم كلثوم).

500 حلم أو أكثر تركها نجيب محفوظ موزعة ما بين «أحلام فترة النقاهة» و«الأحلام الأخيرة».

تحضر في أحلام محفوظ رموز وأسماء لها محل خاص في نفسه، بداية من الأم والحبيبة، مروراً بالزعماء، مثل سعد زغلول وجمال عبدالناصر، وصولاً إلى الأصدقاء وشلة «الحرافيش».

بين الإثبات والنفي، و«حقيقية» و«مزورة»؛ توالت فصول الجدل حول أحلام نجيب محفوظ الأخيرة؛ فبينما أكد ناشروها أنهم استوثقوا منها، وراجعوها بعد عثور ابنتي نجيب محفوظ عليها (فاطمة وأم كلثوم)، وأن «أصفياء»، مبدع «السكرية»، وأصدقاءه المقربين، قد قطعوا بأن الأحلام هي بالفعل «محفوظية» 100%، شكك الفريق الثاني في ذلك، مشيرين إلى اختلافات بالجملة؛ بين «أحلام فترة النقاهة» في جزئها الأول الذي ظهر في عام 2005، وما أطلقته «الشروق» خلال الفترة الماضية، «زاعمة» - من وجهة نظر هؤلاء - أنها عثرت على «كنز» بعد نحو عقد من رحيل نجيب محفوظ.

ليس مستبعداً اكتشاف أوراق مجهولة لأديب بقامة كبيرة، أو حتى لكاتب عادي، فالخزائن فيها من الأسرار ما فيها، وكذلك الدفاتر المنسية من قبل المبدع ذاته، التي قد تفاجئ قرّاءه بمسودة أولى، أو بمشروع لم يكتمل، ويبقى الفيصل هو العثور على روح الكاتب، وتلمّس بصمته.

تضم «الأحلام الأخيرة» 291 حلماً، ليكون مجموع «ما تركه محفوظ من الأحلام يزيد على الـ500 حلم»، إذ اشتمل كتابه الأول «أحلام فترة النقاهة» على أكثر من 200 حلم، ويعدها نقاد «من أهم وأجمل النصوص في الأدب العربي، ومن أجمل ما أبدع وألّف محفوظ، وأنها ابتكار جديد في فن السرد، كما قالوا إنها من أعلى مراتب الإبداع والفلسفة والشفافية والحكمة، وإنها محملة بمعانٍ وأفكار تحلق في أسمى مراتب الصوفية والصفاء وجوهر الحياة، بينما قال محفوظ بتواضع إنه يكتب (حاجات صغيرة قد الكف)، وإنه مرتاح لهذا الشكل وراضٍ عما يؤلفه، حسب صاحب دار الشروق الناشر إبراهيم المعلم، في مقدمة «الأحلام الأخيرة».

22 حلماً، خصصها محفوظ لـ«الست أم إبراهيم أو فاطمة، أمه المتدينة التي تزور سيدنا الحسين يومياً»، ومن «أحلام الأم»: «رأيتني صبياً مع أمي وهي في فناء البيت تعد الطيارة الورقية للطيران، وأجلس على قاعدتها المزخرفة وتمضي هي في حركتها وهي ترتفع رويداً رويداً حتى تبلغ الأفق؛ فيتاح لي أن أرى الحي من فوق مثل الأسطح وما فيها من دجاج وأرانب ورؤوس الأشجار بثمار (دقن الباشا) وأعالي المآذن، وتتلو أمي الآية الكريمة: (تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير) فأردّد وراءها...». وثمة رمز آخر في الأحلام، وهو الزعيم سعد زغلول الذي يفرد له محفوظ ثمانية أحلام. كما يحضر الزعيم جمال عبدالناصر هو الآخر: «وجدتني مع الرئيس عبدالناصر في حديقة صغيرة وهو يقول: لعلك تتساءل لماذا قلت مقابلاتنا، فأجبته بالإيجاب. فقال: كلما شاورتك في أمر جاءت مشورتك بالاختلاف كلياً أو جزئياً، فخفت أن تتأثر صداقتي لك بهذا الموقف. فقلت: أما أنا فلن تتأثر صداقتي لك مهما اختلفنا». وتحفل الأحلام بمشاهد مكثفة، ورؤى، ولغة، تجعل الأدب يترحم - ألف رحمة ونور ـ على الراحل نجيب محفوظ.

 

الأكثر مشاركة