أنطونيو تابوكي يـبحث عن «إيزابيلا» بـــين 9 دوائر

«هدية» ما بعد الرحيل، هكذا يمكن وصف رواية «إيزابيلا» للكاتب الإيطالي أنطونيو تابوكي، التي لم ترَ النور إلا بعد غياب صاحبها، إذ مرض المبدع الإيطالي الذي يهوى البرتغال في خريف 2011، قبل أن تنشر الرواية التي يعود زمن كتابتها إلى التسعينات.

وسط تسع دوائر، تلتمس المركز، تطوف الرواية وأحداثها، باحثة عن مصير «إيزابيلا» الفتاة البرتغالية التي اختفت في ظروف غامضة، ورحلة التعقب تقطع محطات كثيرة، وعوالم تشويقية، إذ إن كل من يلتقيهم الراوي، يسلمونه إلى سواهم، يضيء كل واحد منهم جانباً من شخصية الشابة المناضلة، لكنه لا يجزم بمصيرها، وكأنه يسجل شهادة، ويفتح الباب لشهادة أخرى، قد تبتعد كثيراً عن الحيز الذي يكون فيه.

بين العاصمة البرتغالية لشبونة، وماكاو وجبال الألب السويسرية والريفييرا الفرنسية تتنقل الرواية التي تقع في 142 صفحة، لكن البرتغال البلد الذي نسته أوروبا فنسيها هو الآخر، تعد مدار الحكاية، فإيزابيلا تختصر مرحلة بعينها، تسلط الضوء على من ساروا خارج السرب، وسبحوا ضد التيار في زمن أنطونيو سالازار، الدكتاتور الذي حكم البرتغال بين عامي 1932 و1968. تطل إيزابيلا في عين الراوي مثل حلم، وفتاة كاملة الأوصاف «أسطورة» في السابعة عشرة من عمرها، معادية للفاشية، رغم أنها تنتمي إلى عائلة قديمة من نبلاء البرجوازية، وكانت تلك الفتاة فنانة حقيقية، تلخص لوحاتها كذلك جزءاً من مأساة وطنها، فكل ما ترسمه نوافذ «نوافذ بمصاريع مغلقة ونوافذ بمصاريع مفتوحة، نوافذ عليها ستائر ونوافذ عليها شبكات من حديد، المهم أنها نوافذ مثل نوافذ منطقة دوورو ومينهو (من مناطق البرتغال الشمالية القديمة) ذات المصاريع الخشبية وستائر الكتان الفخمة. لكنها لم تكن تضع أبداً لوحاتها صوراً بشرية، لأنها تفسد سحر الغموض وروعة الأسرار، كما كانت تؤكد وتقول لي: ألا ترين معي أن النافذة المرسومة تبقى ساحرة، غامضة المعاني، بهية عندما لا يوجد أحد في الصورة. أما إذا رسمت شخصاً معها فإن جلال الأسرار يتلاشى سريعاً».

لا تسير الحياة، كما ترغب الشابة الشغوفة بالنوافذ، في الفن، وربما في حياتها، ولعلها كانت تبحث عن نوافذ حرية في بلدها البرتغال ولم تجدها، إذ لا تلبث أن تطاردها الشرطة السياسية، وبعدها يلقى القبض عليها، وتتعرض للضرب والتعذيب والسجن، ويفاجأ من يطارد سيرتها بخبر منشور عنها في الجريدة، بأنها ماتت في ظروف غامضة، ووسط شهادات متضاربة، فثمة من يرى أنها انتحرت بابتلاع قطعة زجاج مزقت أحشاءها، وعلى النقيض ثمة آخرون يقطعون بأن المعارضة التي تنتمي إليها دبرت لها حيلة، وتمكنت من تهريبها من السجن، وتسفيرها خارج البرتغال. ورحلة تعقب الفتاة ومصيرها حافلة بالأسرار، وكذلك الفلسفة الروحية والدوائر المتشابكة من أجل مطاردة الحقيقة.

يشار إلى أن مؤلف الرواية أنطونيو تابوكي (1943 – 2012)، من أبرز أصوات الأدب المعاصر في إيطاليا وأوروبا. ترجمت مؤلفاته إلى أكثر من 20 لغة. ونال جوائز عدة، أبرزها جائزة جان مونيه الأوروبية عام 1995، كما ورد التعريف به على غلاف رواية «إيزابيلا» التي ترجمها إلى العربية نبيل رضا المهايني، وصدرت طبعتها العربية عن دار الساقي أخيراً.

الأكثر مشاركة