حصة لوتاه تنتصر للفن المهجور وورد الصحراء

باحثةً عن ورود الصحراء، والأحلام المنثورة بين الرمال، وبيوت السعف المطلة على البحر، والتي لم يعد لها وجود إلا في الذاكرة؛ تطل الدكتورة حصة لوتاه في مجموعتها «في الصحراء ورد»، التي تنأى عن الثرثرة؛ إذ تلتقط مشاهد سريعة مراوغة؛ في قصص قصيرة؛ أو قصيرة جداً؛ بعضها لا يتخطى ثلاثة أسطر، مثل تغريدة تحاول توصيل ما تريد في كلمات معدودة.

القصة القصيرة - التي صارت شبه مهجورة لصالح الرواية - هي فن التكثيف، وتقطير بساتين الزهور في قارورة صغيرة فواحة، تحيل نثر الحياة ومشاهدها العابرة إلى نصوص جمالية، كما صنعت الدكتورة حصة لوتاه في معظم أقاصيص مجموعتها.

الحنين بادٍ؛ ومسيطر على «في الصحراء ورد»، التي صدرت عن دار العين بالقاهرة؛ فبعض القصص يحاول فتح الأبواب المغلقة، وتجاوز الجدران المصمتة العالية، من أجل الوصول إلى زمن أول، كانت فيه كل الأبواب إما مشرعة بشكل كامل، أو حتى مواربة لا تخشى أحداً في مجتمع كعائلة واحدة. وتعكس قصة «الأبواب المغلقة» بعض ذلك الحنين، وتستدعي ملامحه، وكذلك رموزه وأصواته، لتصل في النهاية إلى إدارة الظهر للحظة الآنية، والذوبان في البحر: «كان يمشي والشارع يمتد أمامه في خط مستقيم أسود. تذكّر الغربان. البيوت التي على جانبي الشارع عالية الجدران ومغلقة الأبواب. تذكّر بيوت السعف وأبوابها التي إما أنها تبقى مفتوحة أو مواربة بعض الشيء، أو أن حبلاً يتدلى من بابها يفتحه حين السحب. إحدى النوافذ العالية صدرت عنها أصوات موسيقى غريبة، تذكّر سالم الصوري، حارب حسن، وموزة خميس. مرت عربة مسرعة دثرته بالغبار فأغلق عينيه واستيقظ فيه شيء من الحزن والغضب. مشى باتجاه البحر، اقترب من الماء، عانق الموج قدميه، احتضنها وغسلها من الغبار. مشى نحو البحر أكثر. أحسّ بأن كائنات البحر متجانسة والماء المالح يغسل جسده. مضى أكثر، صار أكثر ألقاً في الماء ثم ذاب فيه.

وفي قصة تحمل اسم المبدع أحمد راشد، تكتب الدكتورة حصة ما يشبه مرثية وداع للراحل، تلخص مسيرة قلم من طراز خاص، عاش للشعر والكتابة والفن، وربما الصعلكة، تعيد الأقصوصة أحمد راشد إلى حضن الأمّ (فاطمة راشد عبود التي قال عنها الكثير في أدبه وسيرته)، تركّز على الحالم الكبير الذي سكنته الحروف ومحبة البحر وأمواج وجبال ساحل خورفكان، وربما تخيّلها صفحات يخطّ عليها قصائده: «فتحت صدرها واحتضنته. مازالت رائحة التراب والبحر عالقة في ثيابه، ووجهه لم يزل كما هو واضح الملامح. لم تسرقه المدن ولا الأيام ولا الدنيا كلها من نفسه التي ظل وفياً وللحروف التي أحب. لم تكن تتوقع عودته السريعة، فقد كان مسكوناً بالهجرات وبالمغامرة، ومسكوناً بحلم كانت تشعر به، وهو بعيد ينسجه كأجمل ما تكون الثياب. لم يكتمل حلمه بعد، ولكنه نثر خيوطه فوق الجبال علّ شاعراً آخر مسكوناً مثله بالكلمات يكمل نسجه. احتضنته بكل الحب الذي تبادلاه عبر السنين، فمن أحنّ عليها منه؟ هي التي أخرجته، وهي التي إليها يعود..».

أما عناوين المجموعة القصصية التي لا تتجاوز الـ58 صفحة؛ فهي: المقبرة، جنوح، تقاعد، الجديلة الحلم، المجنون، قلم، الريح، صمت، الأبواب المغلقة، الجدي الأبيض، القمر ليس حجراً، حلم، انتظار، رسالة، ليس هذا وقتك، أحمد راشد، صبي له جد، موظفة، الصقر، والعطر».

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

الأكثر مشاركة