«برلنسامت»إذا لم تستطع صنع الفن فعش بقربه

كولاج من الفن والسرد المشوّق المحبوك في البداية، وحكايا عن عمليات نهب التحف من الشغوفين بها والمتاجرين فيها، خلال الحقبة النازية، وجريمة قتل مؤجلة الحل مرتبطة بذلك الماضي اللعين.. عوالم تنسجها الألمانية باربارا بونجارتس في روايتها «برلنسامت» التي تزدحم بالأسماء الحقيقية والألوان واللوحات والمجوهرات.

تثير الرواية أسئلة مؤرقة لهواة امتلاك المقتنيات العتيقة: لماذا ينشغلون بالماضي والموتى؟ هل هم فعلاً مغرمون بالجمال أم بالمال؟ لماذا لا يعترفون بأن لديهم شهوة لا حدود لها لجمع الثروات الطائلة من محيط فاخر ووسط مختلف؟

348 صفحة تقع فيها الرواية التي صدرت في عام 2011.

تتبع الرواية تاريخ الفن المسروق من أصحابه، أو ممن اشتروه من أصحابه بمعنى أدق؛ لا تترك الكاتبة القصص على حالها، بل تذهب إلى أعماق اللوحة وما وراءها، فـ«مارتين ساوندرز» الشخصية الرئيسة في «برلنسامت» ليس مجرد موظف في شركة نوبل نيويورك للمزادات، بل هو بمثابة مؤرخ فني، يضع قدماً في ألمانيا، وأخرى في الولايات المتحدة، تورّطه نزهة عادية في حدث كبير، وتتبع سيرة مجموعات فنية، ولوحات منسوخة بدقة، وعلى رأسها لوحة لجوستاف كوربيت (رسام فرنسي عاش بين عامي 1819 – 1877، ويعد ممهداً لمذهب الطبيعة): «توجهت نظرات ديفيد من جديد للوحة كوربيت: انظر فقط إلى اللوحة، الموضوع فيها لا يتعلق بالجمال، ولا بالطبيعة. الأمر يتعلق بالأحاسيس، الحنين والجنون. كوربيت كان منبوذاً، كان مطارداً في وطنه، والمنطوون على أنفسهم خطرون. وبعد اليأس والكراهية تأتي الخبرة، بأن المرء قادر على العيش من دون المجتمع. المنطوون على أنفسهم يبتكرون مقاييس جديدة خاصة بهم. ليس لديهم ما يخسرونه».

تلح الرواية على ولوج مرحلة تاريخية غيرت وجه العالم، وإثارة أسئلة مؤرقة لهواة امتلاك المقتنيات الثمينة العتيقة: لماذا ينشغلون بالماضي والموتى؟ هل هم فعلاً مغرمون بالجمال أم بالمال؟ لماذا لا يعترفون بأن لديهم شهوة لا حدود لها لجمع الثروات الطائلة من محيط فاخر ووسط مختلف، أكثر وجاهة وألواناً كذلك؟ ولذا تزدحم الرواية بأسماء الفنانين، وفي الصفحة الواحدة قد تتلاقى لوحات وتحف بالجملة، وهوامش عنها، كما في: «ستائر من قماش بروكاة من براتر، زهريات بورسلين مايسن، فضة من إنجلترا، وفن ذو قيمة عالية يعود عمره لقرون عدة في عدد قليل من الغرف.. لقد كانت قيمة هذه التحف تقدر بالملايين، والغرف كانت تزدان بما بها من تحف فنية، فعلى الحائط صورة لأندرياس جورسكي، لوحة فنية صغيرة واقعية، الصورة للرسام جرهارد ريختر. وتمثال للفنان جياكوميتي».

كما تؤرخ الرواية للوحات وتحف ومجوهرات؛ تؤرخ كذلك لبطلها مارتين، تستعرض سيرة حياته المليئة بالمحطات غير العادية، وعشقه للفن والجمال في التاريخ، حتى حصل على شهادة الدكتوراه في ذلك المجال، ولكن بقي غير قادر على صنع الفن، ولذا أراد أن يكون قريباً منه بشكل غير مباشر، عبر عمله في شركة نوبل للمزادات، وتوليه مسؤولية قسم المجوهرات في البلدان الناطقة بالألمانية.

يشار إلى أن باربارا بونجارتس من مواليد عام 1957 بمدينة كولونيا الألمانية، درست علوم المسرح والتلفزيون، ثم الادب الألماني والفلسفة في باريس وميونيخ وكولونيا. حصلت في عام 1988 على الدكتوراه وعملت مخرجة سينمائية ومدرسة بمعهد المسرح والتلفزيون في برلين. تتنقل منذ عام 1996 بين دوسيلدورف ونيويورك، وتعمل كاتبة حرة، وهي عضوة في اتحاد الكتاب الألمان. حازت جوائز عدة، منها جائزة ليسيه لنز من هوسباخ في ألمانيا، كما ورد في التعريف بالكاتبة في النسخة العربية من روايتها «برلنسامت»، التي صدرت عن مشروع كلمة في أبوظبي، وترجمها محمود عبدالنبي، وراجعتها ابتسام المتوكل.


للإطلاع على الموضوع ، يرجى الضغط على هذا الرابط.

الأكثر مشاركة