كتاب مُهدى إلى الغارقين بأعالي البحار

سوريّون في مركب هارب من الموت.. ونداء استغاثة

صورة

في محطات الرحلة الاحتمالية، التي يتساوى فيها نصيب الحياة والموت، وبين تفاصيل مغامرة قد تكون رحلة العمر، أو فقدانه، يتوقف الكاتب الألماني فولفانج باور وزميله المصور التشيكي ستانيسلاف كروبر، ليتشاركا مع اللاجئين تجربة الهجرة غير الشرعية، وعبور البحر المتوسط، ليوثّقا بالكلمة والصورة جوانب من حكاية الوجع السوري تحديداً، وأحلام الهاربين من الموت، ربما إلى الموت.

أخفى المغامران الأوروبيان هويتيهما الحقيقيتين، وسلّما نفسيهما لمهربين وعصابات، واختارا اسمين مختلفين، وادّعيا أنهما حالمان بالجنّة الأوروبية، وهاربان من القوقاز هما الآخران، حتى لا ينكشف أمرهما، ولا يتاح لهما توثيق تلك الرحلة «بالحس والخبرة والتجربة القريبة الملامسة للواقع ماذا يعني بالضبط الهروب واللجوء». ولكن ثمة فارقاً كبيراً بين المغامرَين الأوروبيين، وغيرهما من السوريين، إذ إن أمامهما خيار التراجع في أي وقت، فالباب مفتوح للعودة، أما بالنسبة إلى كثيرين من السوريين الذي قرروا خوض التجربة، فلم تكن لديهم رفاهية خيار العودة وفقدان الأمل في الوصول إلى الطرف الآمن من المتوسط، خصوصاً بعد هروبهم من وطن صار مفتتاً.. كقطعة من الجحيم، على حد وصف فولفانج باور في كتابه «هاربون من الموت.. السوريون والطريق إلى أوروبا» الذي ترجمه إلى العربية جمال خليل صبح، وصدر حديثاً عن دار العربي في القاهرة، في 213 صفحة.

بقلم إنساني متعاطف تأتي مقدمة الكتاب لتركّز على تجربة اللجوء، التي لم تفلت منها قارة على وجه الأرض. ويضيف المؤلف: «أستطيع القول من تجربة شخصية؛ من بين كل معارفي ليس هناك شخص لم يكن أجداده لاجئين في زمن ما. بعضهم لاتزال تجربة اللجوء قريبة في تاريخه العائلي؛ تعود إلى بضع سنوات فقط، بينما يتحدث آخرون عن التجربة نفسها التي حدثت منذ قرون عديدة. حتى عائلتي الضيقة تتكون من أناس أصولهم بطريقة أو بأخرى من البرتغال، من أوكرانيا، بولندا وإيطاليا. كانت ألمانيا محطتهم الأخيرة على طريق الهرب واللجوء».

يهدي المؤلف الكتاب إلى اللاجئين السوريين الذين سقطوا في الطريق إلى أوروبا «لم يعودوا على قيد الحياة. لهم ولأرواحهم نهدي هذا الكتاب».

ولا تختلف خاتمة الكتاب التي تأتي في صورة رجاء ونداء استغاثة: «إلى متى يجب علينا الانتظار ونحن نشاهد هؤلاء البشر يغرقون ويموتون في أعالي البحار؟ إلى متى يجب علينا أن نجبر جيلاً فتياً من السوريين على اللجوء بطرق غير شرعية؟ وتركهم لمصيرهم مع تجار البشر والحروب من العصابات؟ إلى متى سنقوم بخيانة أنفسنا والضحك عليها؟.. لا تجبروا النساء والأطفال والرجال على الاحتماء بقوارب اللجوء والموت. فلتفتحوا الحدود الآن. ليكن في قلوبكم رحمة وشفقة».

بين دهاليز ومخابئ أولى ومحطات اختطاف (تم بالفعل حسب المؤلف) تنقّل المغامران الأوروبيان مع لاجئين سوريين في مصر، وتواريا بالقاهرة، وبعدها في الإسكندرية؛ انتظاراً لمركب الهجرة غير الشرعية، منضمين إلى عائلات كاملة باعت أغلى ما تملك كي توفر الدولارات التي طلبها المهرّبون، ويمر كثيرون منهم بإخفاقات، إلا أنهم يكررون المحاولات أملاً في الوصول إلى إيطاليا والانطلاق منها إلى أوروبا. يعرض المؤلف تفاصيل الرحلة التي لم يكملها هو وصديقه المصور، إذ قبض عليهما مع سوريين آخرين في مركب الهجرة غير الشرعي، وتم ترحيلهما، لكن الكاتب ظل مهموماً بمن وراءه؛ وتتبع مسيرة رحلتهم، إذ أفلح البعض، فيما أخفق آخرون. ويحفل الكتاب بالتفاصيل ومفاجآت الرحلة، وكذلك الشخصيات؛ بعضهم بأسماء مستعارة لبشر من لحم ودم يعرفهم المؤلف وعاش بينهم واقترب منهم ومن أحلامهم، ويسجل أن أحدهم كان ينادي بحرقة على البحر الممتد أمامه: أنت أب لكل الأيتام، فيما فتاة تدعى بيسان مصابة بالسكري تبكي وتصرخ، ثم تحاول السيطرة على نفسها قائلة: (ما لازم خاف أنا.. إزا خفت ممكن تيجي هجمة سكر وتقتلني).

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.
 

تويتر