سعيد حمدان الوفيّ لصدى «الكبار» الغائبين

مع أهل الفصحى، والنبطي، والغناء، وبرفقة بن مصبح وبوشهاب وبن حاضر وراشد الخضر وسالم الجمري و«الكبار» الذين غادروا «ولكن الصدي لايزال ساكناً فينا»، يرتحل الكاتب والباحث سعيد حمدان، يبدو وفياً لمن عمّروا الذاكرة، يبعث تحية لهم، ويتملّى في قصائدهم وإبداعاتهم، في كتابه «من وحي الشعر الإماراتي».

من الإهداء إلى الأسطر الأخيرة قبل الختام، تبدو غاية الكتاب، إذ يرفض حمدان الاستسلام لتغييب مبدعي الزمن الجميل، وأسماء كان لها حضورها المميز، فالاهداء: «إلى الكبار الذين غابوا.. سنظل نتطلع إليكم دوماً»، بينما الختام: «خسارة أن نفقد أمثال هؤلاء، أن تكون نهايتهم النسيان، نحتاج إلى أن نجدّد ما تبقى من الذاكرة، نبحث عنهم، نعيدهم إلينا، نعود لهم، نسأل عنهم، نبحث عن الزمن الجميل القريب الذي أصبح بعيداً».

نصوص الكتاب (مقالاته التي رأت النور في فضاءات إعلامية مختلفة)، تستعيد فصولاً من سير المبدعين المؤسسين، وقصائد من شكلوا محطة أولى في تاريخ وثقافة وذاكرة هذا الوطن، حتى لا يلفها النسيان.

ويستهل حمدان الرحلة مع خلفان بن مصبح، ملخصاً الحكاية كلها، في نص مكثف، يتعقب حياة الراحل من البداية إلى النهاية، من الحيرة «أرض الطفولة والعشق والشعر»، إلى «وجه الحياة المظلم»، والسفر مع الكبار في البحر، ورحلة المعاناة، ومرض الجسد وطلب العلاج في البحرين والهند، وحتى الاستراحة الأخيرة في الحيرة: «رحمه الموت عندما قرر أن يأخذه من شقاء المرض. من هذه الحياة».

وعلى عشق «بوشهاب» وغيابه، يلقي الضوء سعيد حمدان، ليتجاور النصان هنا في الكتاب، الأول عن «التي عشقها بوشهاب»، والقصائد المغزولة بحكاية حب كتب فيها بوشهاب «روائع وأشعاراً خالدة». ومن الحب إلى الغياب؛ يأتي النص الثاني، مؤبّناً بوشهاب: «أحب المجالس إليه، والتي أبدع فيها واشتهر منها وأخلص لها من كل قلبه هو عندما يكون في حضرة زايد، فأجمل وأكثر قصائده من فصيحة ونبطية قالها في (الزعيم). في المجلس العامر وقف ممسكاً عصاه تلك التي لا تفارق يمناه في الوطن وفي الغربة. في كل الظروف معه كظله، وبدأ يلقي قصيدة واحدة من قصائده. تألق ودار شعره يسري في ضيوف المجلس، طالت القصيدة وطال وقوفه فرحاً طرباً، كانت العصا واقفة ثابتة بينما يده تتحرك، ترتفع كذلك طبقات صوته، شغله الشعر لم يشعر بأن هناك وخزات بدأت ترتفع في دواخله. أتم قصيدته، بعدها انسلت عصاه وسقط خلفها!».

يضع سعيد حمدان يده على روح قصائد الذاهبين، ويستدعي قلمه حكايات كما الأسرار، تؤشر إليها قصيدة هناك أو هناك، وكأنه معايش حقيقي لأولئك المبدعين، سلك دروبهم، ومر بما مروا به من تجارب، في زمن الشدة قبل الرخاء، في البحر والبر ومجالس السمر والمساجلات، ومع ذلك يصرح في مقدمة كتابه بأن «القصيدة المختلفة توحي لنا بالكتابة، إلا أنه لا يمكننا أن نكتبها، نصفها، إنما يمكننا أن ندور حولها، نتغزل بها، نعبر عن عشقنا لها، وعن مشاعرنا نحوها».

«من وحي الشعر الإماراتي»، ليس مجرد مقالات متقرّقة، كما يذكر المؤلف في المقدمة، بل هو رحلة حقيقية مع الرموز، وغوص في الأعماق وراء لآلئ قصائد أسماء يأمل حمدان أن تظل ملء السمع والبصر، وألا يغيب ذكرها أبداً.

يشار إلى أن الكتاب صدر عن وزارة الثقافة، واتحاد كتاب وأدباء الإمارات، في 156 صفحة.

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

 

الأكثر مشاركة