يوميات أب متعب.. وابن بمتلازمة نادرة

اقتراب أكبر من عوالم الإعاقات النادرة، وتفاصيل مغلّفة باختبار صعب، ويوميات حياة تتطلب مساحة أكبر من الإنسانية والرضا، يستكشفها قارئ كتاب «الصبي في وجه القمر»، الذي يروي فيه إين براون حكايته مع إعاقة ابنه ووكر، صاحب «متلازمة القلب والوجه والجلد».

1996

رأى ووكر النور، وبعدها بأشهر قليلة شخصت حالته النادرة ومتلازمته التي توصف باليتيمة.

يتطرق الكتاب إلى تفاصيل في حياة المعاق وأهله، يرسم شكل المنزل: كيف يتم ترتيب البيت، السرير الغالي الخاص، ألعاب المعاقين التي لا تلبي الحاجة، شكل الدرج، وعلب الدواء، وقبل كل ذلك لهفة الوالدين وانتظارهما لضحكة نادرة.

 

ببوح، يسرد براون (المؤلف الأب) الحكاية، يفتح قلبه، ويدع قلمه يكتب ما يشاء، لا يضفي على الذات هالات الملاك أو قدرات البطل الذي لا يشكو ولا يأنّ، بل على العكس، يعرب عن ضعفه، وقلقه الشديد، والحرمان المزمن من النوم، والفوضى الشديدة التي جلبها الصبي المعاق إلى حياة أسرة مكونة من زوج وزوجة وطفلة، بل ويراجع الأب قرار الإنجاب، وكأنه كان يتمنى ألا يكون، ولكن ثمة مسارات أخرى، وكأن الحب يُربَّى مع الولد (معافى كان أم صحيحاً)، يكبر معه باليوم والشهر والسنة، إذ تكاد كلمات الأب تبتسم وتقفز وهي تحكي عن لحظات بهجة ذلك الصبي المعاق، وتؤرخ لضحكاته وتوثّقها في صور قليلة.

حيرة أولى في تشخيص تلك المتلازمة قبل زمن انتشار الإنترنت، والبحث عن أعراض تشبه حالة ووكر، خصوصاً أنها تتماس مع متلازمات أخرى، لكن شُخصت حالة ووكر للمرة الأولى بأنها «متلازمة القلب والوجه والجلد» حين كان عمره سبعة أشهر، وسط حيرة الأطباء في كندا، وقبلهم الأب والأم، وسيل من المعلومات المتضاربة، قال البعض إن ثمانية أطفال في العالم هم الذي يعانون تلك المتلازمة التي يصفونها باليتيمة، لكن بعدها قيل إن هناك 20 حالة، ثم 40، وهناك بعض التقديرات توصلها إلى 300 حالة. المتلازمة اللغز تجعل القلب يعاني، وكذلك الجلد، إضافة إلى أن بعض المصابين بها يؤذون أنفسهم، ويروي الأب: «بمجرد بلوغ ووكر سن الثانية، بدأ يؤذي أذنيه ويعض نفسه، ولم يتوقف عن هذا لمدة عام ونصف العام، ظننا أنه يعاني من ألم في الأسنان والأذن، واتضح عكس ذلك، ظهر مصطلح تشويه الذات.. وبدأ يتحول إلى ضرب نفسه في الرأس كما يفعل الملاكم البارع».

لم ينطق الصبي، ومع الأيام حاول الأب أن يخترع لغة خاصة بينهما: «كنت أصفق بيدي له وهو يرد علي بالتصفيق». وكان الصغير يحب كل ما يلمع، حتى أطلق عليه أصدقاء الأسرة لقب «الصائغ». كانت الأسرة تحلم بأن يواصل نومه لبضع ساعات متتالية من دون صراخ أو لكم للرأس؛ بحث الوالدان عن لحظة يهدأ فيها ووكر وتنام معاركه الداخلية والخارجية كي يلتقطا صورة له، قبل أن تتبخر لحظة السكون هذه.

يتطرق الكتاب إلى تفاصيل في حياة المعاق وأهله، يرسم شكل المنزل: كيف يتم ترتيب البيت، السرير الغالي الخاص، ألعاب المعاقين التي لا تلبي الحاجة، شكل الدرج، وعلب الدواء، وقبل كل ذلك لهفة الوالدين وانتظارهما لضحكة حتى لو انعدم الأمل في شفاء: «فابتسامة منه أو نوبة بهجة تنتابه كانت تنير مسائي.. كان البيت كابوساً منظماً، فلا يمكنك أن تستمر في الحياة وأنت أب لطفل معاق إن لم تكن منظماً».

للوالد (المؤلف) أكثر من أمل في رحلة سرده لحكاية ولده، من بينها طلب يسير: «أن يعترف العالم بأن حياتنا لا تختلف عن حياة أي شخص آخر، في ما عدا درجة التركيز والانشغال.. يسأل الناس في الغالب: كيف تتمكن من فعل ذلك؟ كيف لاتزال قادراً على الضحك وعندك ابن مثل هذا؟».

ويؤكد الأب دائماً أن أسرته لم تكن «ممن تتلذذ بالإعاقة، وتُشعر الآخرين بالذنب والأفضلية»، رغم أن ووكر غيّر حياة الأسرة، وكذلك أعاد تنظيم العالم، دفعها إلى أن تقرأ حول المرض، وتتطلع لنهايات حالات متشابهة، وتسمع حكايات أمهات وآباء كتب على أولادهم الإعاقة. ولا جواب لسؤال: «هل سيتمكن يوماً من القراءة أو قيادة سيارة».. إذ يفصّل الكتاب، الذي ترجمه إلى العربية مجاهد أبوالفضل في نحو 255 صفحة، فصول الحكاية الحافلة بالدموع والدروس.

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

الأكثر مشاركة