مشهد من العرض. الإمارات اليوم

مهرجان المسرح العربي: عرض عراقي يتطاول على المقدسات ويصدم الجمهور

أثار العرض الرئيس لرابعة ليالي مهرجان المسرح العربي، المقام في مدينتي وهران ومستغانم بالجزائر، أزمة حقيقية تجاوزت قاعته وندوته التطبيقية، لتمتد إلى أروقة وكواليس المهرجان، عبر جدل استمر حتى صباح اليوم التالي.

الالتزام بالقيم.. ضروري

جمع الفنان أحمد الجسمي وفد مراكز الناشئة بالشارقة، ممن تصادف حضورهم العرض، وطالبهم بنسيان ما شاهدوه تماماً، مؤكداً لهم ضرورة الالتزام بالقيم الدينية والمجتمعية في الأعمال الفنية. وفي تصريح لـ«الإمارات اليوم» قال الجسمي: «لولا تلك الصدمة غير المقبولة، لما ترددت في إعلان إعجابي الفني بالعمل». حالة الرفض الإماراتي للعرض عبر عنها أيضاً الفنان، أحمد ناصر، الذي أضاف: «أشعر بالمرارة والإحباط بعد مشاهدتي للعرض الذي تجاوز كل الخطوط الحمراء، ووقع بالفعل في فخاخ سخرية غير مقبولة من المقدس».

أخطاء بالجملة

قال الفنان العماني، عماد الشنفري: «لم أحتمل متابعة العمل حتى آخره، فهو بالإضافة إلى كل ما حمله من سخرية غير مقبولة، حفل بأخطاء واقتطاعات تؤثر في المعنى لآيات قرآنية».

وطالب الشنفري بالعمل على عدم إتاحة الفرصة لمثل هذه الأعمال للوصول إلى منصة عرض رسمية، مضيفاً «هناك فارق كبير بين التحرر والانفتاح وحرية الفكر التي نشجعها جميعاً، وبين السخرية من المقدس».

رفض جزائري

استطلعت «الإمارات اليوم» آراء إعلاميين وفنانين جزائريين عقب العرض. وقالت الأديبة، عمارية بلال: «العرض قام بتجريد نفسه من أي امتياز فني حينما تجاهل احترام الناس للمقدس، وجاء صادماً». وقال الصحافي بجريدة «الخبر» الجزائرية، سعيد بودور: «من حسن الحظ أنه لم يكن هناك جمهور شعبوي جزائري، واقتصر الحضور الجزائري هنا على النخبة، العمل استفزازي وغير مقبول».

وتضمن العمل، الذي سعى إلى الغوص في مأساة الأمهات الثكالى، بسبب الحرب والإرهاب في العراق خصوصاً، تجسيداً درامياً لشخصية النبي موسى، ومناجاة تجاوزت المألوف بين الممثلة، التي قامت بدور «الأم الثكلى»، وبين الذات الإلهية، في حين حفل العمل بالعديد من الإسقاطات المباشرة التي جاءت في كثير من مواضعها صادمة.

العمل الذي جاء مرهقاً لجمهوره من البداية، استُهل بمواربة باب المسرح الخارجي في وجه قاصديه، وعدم إفساحه تماماً من أجل إظلام المكان، وعرض مشاهد مصورة في البهو الخارجي للمسرح، وكأنها تمهيد للمسرحية، من دون أن يلاحظ الحضور ربطاً واضحاً بينهما، ونوه بوجود أسطوانة مدمجة تستكمل العرض، قال إن مدته 10 دقائق فقط، على أن يكون شرح كل دقيقة مكثفة موجوداً في الأسطوانة.

وتجاوز عرض «يا رب» العراقي، لمخرجه علي عبدالنبي، إشكالية قبول تجسيد الأنبياء، التي أثارت جدلاً في أوساط الدراما السينمائية والتلفزيونية، ليصطدم بلباقة وقدسية تلك الصورة، فضلاً عن لباقة وقدسية مناجاة الذات الإلهية، عبر العديد من المواقف الدرامية.

واعتمد العمل على شاشة عرض في الخلفية حملت بعض الشروح، التي طالبت المشاهد ببعض التخيلات التي لم تستوعبها الخشبة، وأشار المخرج إلى أنه استبعد مشاهد في البداية واكتفى بالإحالة إلى جزء من فيلم «هلا لوين» للبنانية نادين لبكي، عرضه على الشاشة، في حين اقتربت مدة العرض من ساعة كاملة، وليس 10 دقائق حسب الإشارة الاستهلالية، جاءت الأسطوانة المدمجة التي تم توزيعها لتعمق علامات الاستفهام العديدة التي طرحها العرض، من دون أن تضيف أبعاداً درامية جديدة.

وعلمت «الإمارات اليوم»، من مصدر فضل عدم الكشف عن اسمه، أن وزارة الثقافة وتنمية المعرفة، لم تُجز نشر نص «يا رب» في الإمارات، حينما كان من المفترض طبعه ضمن منشورات الهيئة العربية للمسرح، في حين أعرب الفنان الإماراتي، أحمد الجسمي، عن استيائه الشديد من النهج الذي اتخذه العمل في ما يتعلق بكسر المحظور في ما يتعلق بعلاقة الإنسان وأدب مناجاة الذات الإلهية، فضلاً عن اختراقه حالة التقديس الواجبة للأنبياء والرسل. وفور انتهاء العرض قام الجسمي بالتوجه إلى مجموعة من أعضاء مراكز الناشئة بالشارقة، تم إيفادهم للاستفادة من ورش مسرحية مرافقة للمهرجان، وطالبهم بنسيان ما رأوه بشكل تام، والقبض على ما رسخ لديهم من قيم تربوية وفنية.

وقالت الباحثة والناقدة المسرحية، ليلى بن عائشة، التي قدمت قراءة نقدية سريعة للعرض في الندوة التطبيقية «هناك جرأة كبيرة في التعامل مع المقدس، التهديد للآلهة لا يقبله منطقنا الواقعي الذي تربى على تقديس المقدس». واستنتجت بن عائشة أن الأم الثكلى ربما تحاول أن «تتدلل» من خلال هذا المسلك في علاقة المناجاة، كما رأت أن اختيار فيلم لبناني للاقتباس ليس جزافياً بل مقصوداً، لأن «أمهات لبنان ذقن المرارة نفسها سابقا».

وفي حين أشاد عدد من المتداخلين بـ«الجرأة الزائدة» ونجاح المخرج والممثلين في نقل فجاعة الحالة العراقية، ومرارة الفقد المجاني اليومي، وصف أستاذ المسرح في كلية الآداب بجامعة حلوان المصرية، الدكتور سيد علي هذا المسلك في التناول الدرامي للنبي موسى، وكسر قدسية المناجاة الإلهية، بأنه «سخرية واستهزاء» غير مقبولين، وأضاف «علينا أن نسأل أنفسنا ماذا نعلم وماذا نريد أن نوصل لأولادنا المحبين للمسرح».

وشهد العرض انسحاب عدد كبير من المتفرجين أثناء عرضه، وحالة من الجدل استمرت في أروقة المهرجان، الذي يقيم ضيوفه في عدد من فنادق مدينة وهران، امتدت للساعات الأولى من صباح اليوم التالي.

الأكثر مشاركة