5 ملامح من «عجائب الآثار»
يعد عبدالرحمن بن حسن الجبرتي (1753 - 1825) واحداً من كبار المؤرخين، وصاحب مدرسة في الكتابة التاريخية، إذ اعتبر كتابه «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» من أهم السجلات التي توثّق لفترة طويلة من تاريخ مصر الحديث بشكل خاص، إذ عاصر أحداثاً كبرى، وشهد على معارك وحملات استعمارية وثورات، وطغى اسم الجبرتي حتى على عنوان الكتاب الذي اشتهر باسم «تاريخ الجبرتي».
يتفرّد «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» «بالعناية بتاريخ الحياة الاجتماعية في مصر، الأمر الذي جعل لتاريخه أهمية خاصة، فقد ذكرت دائرة المعارف الإسلامية أن هذا التاريخ قد صور تفصيلاً حياة الشرقيين». ووصفته الدائرة بأنه أعظم تواريخ مصر في القرنين الـ18، و19، وهو الكتاب العمدة والمرجع الأصلي، الذي تفخر مكتبات عدة بأنها تضم إحدى مخطوطاته الأولى.
نجح الجبرتي، حسب المؤرخ الراحل عبدالعظيم رمضان، في أن يصور أصدق تصوير أنواع المظالم التي عاناها الشعب المصري خلال القرنين الـ17، و18 من الحاكم المستبد الجاهل، وموقف المصريين ومقاومتهم للبغاة، وكيف كان شيوخ الأزهر وسطاء لوقف طغيان المماليك، وكيف كان الأزهر يحتل مكانة مرموقة.
ظهرت الطبعة الأولى من «عجائب الآثار» عام 1778 في «مطبعة مصر بثغر الإسكندرية»، بينما ظهرت الطبعة الثانية من مطبعة بولاق الشهيرة بعد ذلك التاريخ بسنتين، ثم توالت طبعاته في أربعة مجلدات. ويقدم الجبرتي وثيقة دقيقة عن تاريخ المجتمع المصري السياسي والاقتصادي والاجتماعي والحضاري.
أدرك صاحب الكتاب أهمية علم التاريخ، ولم يكتفِ بذكر الحوادث، بل عمل على تحليلها، إذ رأى الجبرتي أن التاريخ «المقياس الذي به يقيس العاقل نفسه على من مضى من أمثاله في هذه الدار، كما تألم لأهل عصره الذين نبذوا علم التاريخ وأهملوه وعدوه من شغل البطالين، وقال إنهم لمعذرون وبالأهم مشغلون، ولا يرضون لأقلامهم المتعبة في هذه المنقبة، فإن الزمان قد انعكست أحواله».
في مقدمة الكتاب، يعدّد الجبرتي أهمية دراسة التاريخ مستعيناً بمقولة الإمام الشافعي: «من علم التاريخ زاد عقله»، مشيراً إلى بدايات التاريخ ومن ألفوا فيه، ليثبت صلته بآباء ذلك العلم، ومن قدموا جهوداً متقدمة جعلته يسير على منوالهم، لافتاً إلى أن «كتب التواريخ أكثر من أن تحصى».