«أنقذت» حياة آندي ميلر وتمتزج بسيرته الذاتية
50 كتاباً عظيماً في «سنة القراءة الخطرة»
عند عشاقها، تتمرّد الكتب على الساعة المخصصة للقراءة، والوِرد اليومي لها، لتمتزج بتفاصيل حياة المحبين للحرف، كما الحال لدى المبدع آندي ميلر، الذي عايش في عام واحد 50 كتاباً «عظيماً»؛ وكتابين على خلاف ذلك، سارداً حكايته الشائقة في كتاب بعنوان: «سنة القراءة الخطرة».
أكثر من مجرد آراء عن مطالعات، أو حتى عرض لانطباعات عن روائع وكلاسيكيات من هنا وهناك، إذ يدرك المؤلف آندي ميلر أن الزمن لم يعد يتحمّل، وأن القارئ الذي سيمد يده إلى غلاف يحوي كلاماً عن أغلفة أخرى، ربما سيكون عزيزاً إلى حد الندرة، لذا يلجأ إلى وصفة مغايرة، يمرّر قراءاته بشكل مختلف، ينسجها بيوميات حياته، يضعها في قالب مذكرات شخصية، تتجول بين الأشياء الصغيرة والكبيرة، تركّز على العادي والعابر، في محاولة لتمرير الرسالة الكبرى، وإنصاف مبدعين يرى ميلر أنهم تعرّضوا لتجاهل ما، ليس من الآخر فحسب، بل منه هو شخصياً، لذا يقف في السابعة والثلاثين من العمر، محاولاً استعادة بعض «المنسيين»، ومعايشة صفحاتهم من جديد.
بشكل غير تقليدي، يسرد آندي ميلر مسيرته مع القراءة، بادئاً بكلمة توضيحية، تعد مفتاحاً لأسلوب الرجل ورؤيته للثقافة والحياة، وحس السخرية غير المصطنع الذي يطل منذ البداية، فثمة حديث عن حيرة العنوان، هل يتخيّر: «سنة القراءة الخطرة» أم «قصص ميلر» أم «انهض من الكسل» أو «اصطياد نمور من الورق» أم «مذكرات متشائم ولد من جديد»، وغيرها من العناوين التي انتصر عليها الأول. كما فكر المؤلف في تغيير اسمه هو شخصياً؛ فما أكثر من يحملون الاسم نفسه (آندي ميلر) في هذا العالم، بعضهم مشاهير وآخرون مغمورون، أدباء مرشحون لجوائز عالمية ولاعبون وعازفون «ومئات من الأشخاص الذين يحملون اسم آندي ميلر على (فيس بوك)، بالذات ذلك الذي كتب ضمن هواياته واهتماماته: النساء اللواتي يحضرن لي السندويتشات، وكل هؤلاء الذين يحملون اسم آندي ميلر يملكون ما يجعل كل وحد منهم فريداً بذاته، لكن لا أحد منهم يشبهني، لذلك قررت أن أحتفظ باسمي وأطبعه على غلاف هذا الكتاب، لأنه اسم الرجل الذي قام بكتابته، وللعلم فقط، أنا أفضل صنع سندويتشاتي بنفسي، أما عن هواياتي واهتماماتي الأخرى، فسوف تكتشفونها عما قريب في صفحات هذا الكتاب».
دان براون.. قضى على 500 عام من الكتابة في مقابل الـ50 كتاباً العظيمة التي غيرت حياة آندي ميلر، ثمة كتابان رديئان يعودان لمؤلف واحد هو الشهير دان براون، الذي ينال نصيباً كبيراً من النقد والسخرية في «سنة القراءة الخطرة»، إذ يصف ميلر «شفرة دافنشي» بأنها «نوع من الهراء.. وسيئة جداً.. ومشتتة»، معتبراً أن براون «قام بالتخلص من آثار الأسلوب والصدقية وتخلص معهما من الجمال، الحقيقة، و500 سنة من الكتابة الأدبية». وبأسلوبه الساخر يتساءل ميلر: «هل أشعر بالغيرة من دان براون؟»، ويجيب بالنفي: «أنا لا أتطلع إلى أسلوب دان براون في الكتابة، ولا أحلم بأكون شخصية عامة مشهورة يهزأ العالم بها. وإليكم هذه الحقيقة، رغم أنه أكثر شهرة ونجاحاً مني بكثير، إلا أنه قبل نشره رواية شفرة دافنشي كانت أرقام مبيعاتنا متساوية، ثم انطلق ليتفوق عليّ بنسبة تبلغ 12 ألف نسخة مقابل كل نسخة أبيعها. أياً كان، أتمنى له المزيد من النجاح، قبل كل شيء، جميعنا كتاب وعلينا أن نقف بجانب بعضنا.. أما بالنسبة للمال، فبالطبع أود أن أحصل ولو على جزء بسيط من ثروة دان براون، لكن هذا لا يعني أنني أريد فعلها على طريقته. أتمنى أن أحصل على ثروة دونالد ترامب دون أن ألزم نفسي بالضرورة بتسريحة شعره». 326صفحة، يضمها كتاب «سنة القراءة الخطرة.. كيف استطاع خمسون كتاباً عظيماً إنقاذ حياتي»، لآندي ميلر، والذي صدرت ترجمته العربية عن دار كلمات للنشر والتوزيع في الكويت، ونقله إلى العربية محمد الضبع. |
على هذه الوتيرة، ينساب آندي ميلر مع «قائمة الإصلاح» التي تشتمل على 50 كتاباً، متنقلاً بين السيرة الحياتية والاعترافات العفوية، وكذلك الآراء التي لا يزعم صاحبها أنها فصل الخطاب، أو الكلمة الأولى والأخيرة التي لابد أن يذعن لها القارئ، فآندي ميلر لا يحاول إجبار أحد على الاقتناع بقائمته الخاصة، موقناً بأن لكل شغوف بالكتب قائمته المفضلة، ومؤلفيه المقربين.
المضمار ليس جديداً
لا يدّعي صاحب «سنة القراءة الخطرة» أنه يأتي بجديد، أو يبدع في مضمار لم يسبقه إليه أحد، فثمة علامات في هذا الطريق، من بينها كتاب الأديب هنري ميلر «الكتب في حياتي» الذي يستعرض قصصاً قرأها «عندما كان طفلاً، وتأثير الروايات في خياله، لغز الذائقة، ومأزق الكتب العظيمة، وفي كتابه بعض الرسائل والمذكرات التي أضافها مع نص الكتاب، وهناك قائمة بأفضل الكتب لديه، وفصل ساخر اسمه القراءة في الحمام». تنصف كلمات آندي ميلر الكائنات الضعيفة التي تسمى الكتب، ينطلق قلمه بحماسة منتصراً للمكتبات العامة ومؤسسات ومتاجر الكتب، وغيرها من الوجهات التي قاومت ومازالت، بعد عمليات التقشف، ومن اعتبروا بعد الأزمة المالية «المكتبات العامة بمثابة ترف لا يمكن للمجتمع تحمل تكاليفه، تم إخبار أمناء المكتبات بأن خبراتهم غير ضرورية، وأن أعمالهم بإمكانها أن تؤدى بواسطة متطوعين دون مقابل، وبدأت عملية إغلاق المكتبات، وانطلقت الاتهامات بالتخريب الثقافي.. وفي ولاية كاليفورنيا المفلسة، قام المحافظ (حينها) آرنولد شوارزنيغر باقتراح الاستغناء عن الكتب الورقية في المدارس، واستبدالها بالكتب الإلكترونية والاتصال الدائم بالإنترنت، لتصبح بوابة إلى المعرفة».
في «سنة القراءة الخطرة»، الذي ترجمه إلى العربية محمد الضبع، وصدر عن دار كلمات بالكويت في 326 صفحة، يعايش القارئ مؤلفين بالجملة، لكن قبلهم سيعايش يوميات آندي ميلر، سيتعرف إلى طفله الصغير (ألكس)، وزوجته (تينا)، وطقوس العائلة الصباحية والمسائية، وتفاصيل إنسانية تشبه تلك الموجودة في كثير من المنازل، والروتين اليومي للأب والأم، ومغزولاً بذلك يأتي الحديث عن كتب السنة الخطيرة، وحكاية قراءة كتاب ما للمرة الأولى، أو استعادة قراءة آخر، وحتى سعره ومسيرة مؤلفه البائسة ربما.
صفقة مع الذات
تبدأ الحكاية مع «المعلم ومارغريتا» رواية ميخائيل بولغاكوف (1891 – 1940)، التي أعادت ميلر للحياة من جديد، على حد تعبيره، ووهبته متعة، لذا عقد صفقة مع ذاته، وأعد قائمة تبقي شرارة القراءة حية، بعد أن التهم تلك الرواية في خمسة أيام. بين الكتب عاش وعمل كذلك آندي ميلر، من مسؤول في متجر لبيعها، أو بالأصح سلسلة من متاجر الكتب، إلى محرر أدبي في دار نشر، وتعرّف إلى زوجته خلال عمله في متجر للكتب، كما التقى – كما يروي في كتابه – الأميرة الراحلة ديانا في «الفترة التي كانت فيها منفصلة عن الأمير تشارلز.. جاءت إلى المكتبة التي كنت أعمل بها، واختارت كتاباً عن تربية الآباء السيئة وآثارها النفسية في الأطفال الذين يعانون مشكلات في التغذية».
وحينما أعد آندي ميلر «قائمة الإصلاح» كان يعمل محرراً، ويشعر بالمسؤولية والتعاسة في آنٍ واحد، يحيا بين تفاصيل الطباعة والنشر: «كنت محرراً للكتب، لقد عملت مع دار نشر في لندن، وجلست أمام أكوام من الأوراق، تتزايد كل يوم، وكنت أحاول اختيار الجيد من السيئ لمعرفة ما يستحق النشر وما يستحق النسيان، ما يمكن إنقاذه بشيء من التعديل، وما يمكن إلقاؤه في سلة المهملات». رحلة ميلر اليومية من منزله خارج لندن إلى عمله، والتي تستغرق أسبوعياً نحو 15 ساعة، تحولت إلى استغراق في القراءة، بفضل «قائمة الإصلاح»، يلتهم فيها ميلر 50 صفحة أو أقل أو أكثر في ذهابه أو إيابه من عمله في القطار. تبدأ «قائمة الإصلاح»، التي تضم 50 كتاباً، بـ«المعلم ومارغريتا» لميخائيل بولغاكوف، و«مدل مارش» لجورج إليوت، وتنتهي مع «الحرب والسلام» لليو تولستوي، و«شفرة ووسترز» لبي. جي ودهاوس. ولا يكتفي بذلك، إذ يذيل كتابه بقوائم أكبر لمن أراد، وذلك في الملحقات، فثمة قائمة ثانية «مئة كتاب كان لها تأثير كبير عليّ»، وثالثة: «كتب مازلت أنوي قراءتها». يشار إلى أن آندي ميلر، كاتب ومحرر، ظهرت كتاباته في صحف ومجلات عدة، صدر كتابه الأول «مصارعة طواحين الهواء: كيف حاولت ترك القلق وحب الرياضة» عام 2002.
من «قائمة الإصلاح»
1– «المعلم ومارغريتا»، ميخائيل بولغاكوف.
3– «مكتب البريد»، تشارلز بوكوفسكي.
10– «موبي ديك»، هرمان ملفل.
11– «آنا كارنينا»، ليو تولستوي.
17– «الأوديسة»، هوميروس.
18– «الجريمة والعقاب»، دوستويفسكي.
26– «مائة عام من العزلة»، غابرييل غارسيا ماركيز.
30– «ملحمة جلجامش».
38– «الفردوس المفقود»، جون ميلتون.
43– «حبيب»، توني موريسون.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news