لطيفة بنت مكتوم.. فن بإملاءات الأمومة
من الرسم تبدأ الشيخة لطيفة بنت مكتوم عملها التصويري، فيأخذها عالم الألوان إلى وضع الخلفيات التي تبحث عنها، والمشاهد التي تريد التقاطها. تنقلنا من خلال معرضها الذي افتتح أخيراً، بعنوان «فصل جديد» في مركز «تشكيل»، الذي أسسته منذ تسع سنوات، إلى عالم الأمومة، حيث الحنان والعطاء ودفء العائلة، تتجسد من خلال خلفيات ذات ألوان تعكس هذا المزاج. وأكدت أن الألوان الدافئة التي تستخدمها في صورها، هي سبب بحثها الدائم عن الهدوء في هذا العصر المملوء بالضغوط الحياتية.
مركز تشكيل لفتت الشيخة لطيفة بنت مكتوم إلى أن مركز تشكيل قارب أن يبلغ عامه العاشر، وهو اليوم يلعب دوراً في الفن بخلقه مساحة للتفاهم بين الفنانين، الذين يعيشون في الإمارات ويأتون من الخارج، «وأريده أن يكون لغة عالمية للتفاهم». ورأت أن دوره مميز، لاسيما أنه اليوم في حي دبي للتصميم، هناك مجموعة من المصممين كانت بدايتهم من «تشكيل»، فالصالة ليست ربحية لذا لا أتمسك بهم، بل أجعلهم ينطلقون، وأحب الفنانين الجدد لأنهم لا يخافون، ولديهم خطوات جريئة تجعل الفنان يأخذ خطوات جريئة مشابهة. |
وقالت الشيخة لطيفة، لـ«الإمارات اليوم»، إنني «أطلقت على معرضي عنوان (فصل جديد)، لأنني أرى تداخلاً بين الحياة الشخصية والمهنية، وكل يوم هناك فصل جديد في حياتنا، لاسيما بعد أن أصبحت أماً منذ فترة قريبة، وبت أعمل بشكل جديد ومختلف، فصرت أتوجه للعمل خلال وقت أقصر وبشكل لا يقلل من قيمة العمل نفسه». وأضافت: «الحياة الشخصية أثرت كثيراً في حياتي العملية، لأنني كنت منذ فترة أكرس كامل وقتي للعمل، لكن اليوم أريد أن أفرغ من وقتي للعائلة، لكن في الوقت عينه من المهم ألا يرتاح الشخص في مكانه، فالراحة تعني عدم التقدم، إذ يجب أن تكون هناك بداية جديدة للتعلم والمتابعة».
وحول انطلاق المشروع الفني، لفتت الشيخة لطيفة إلى أنها تبدأ بالرسم، فخلفية الرسم الموجودة لديها تجعلها تبدأ باللون، مشيرة إلى أنها في بعض الأحيان لا تتمكن من التصوير إلا بعد أن ترسم الخلفية، وكل ما يوجد في الصورة، وموقع الشخص في الصورة، لأن كل ما بداخل المشهد يكون له سبب، كما أنها ترى المكان أولاً، ثم تبحث عن العناصر المكملة له، وضربت مثالاً على ذلك بالصورة التي التقطتها في حديقة المركز بعنوان «الانتقال»، والتي لم تصورها إلا بعد أن رأت المكان، وتخيلت المشهد، ثم أنتجت العمل خلال 24 ساعة. وشددت على أن بعض الصور تطلبت الكثير من الوقت، ومنها صورة العائلة والتي استغرقت منها شهراً كاملاً، كي تنجزها، موضحة أن هذه الصورة تطلبت أخذ صور من منزل جدها، ومن ثم بيتهم، ومناظر عدة، لتدمج القديم مع الجديد، وتتمكن من تركيب الخلفية.
وشددت الشيخة لطيفة على أنها لا تستخدم «الفوتوشوب» في الصور، حتى حينما قامت بإخفاء وجهها، تعمدت أن يكون ذلك من خلال الخلفية وطريقة الوقوف، مشيرة إلى أنها حملت الغيوم بيدها، والأوراق، كي تغطي الأمكنة التي تريدها أن تغطى. ولفتت إلى أنها المرة الأولى التي تقوم بتصوير نفسها، لأنها وجدت أن حديثها عن موضوع شخصي يتعارض مع الاستعانة بمن يقف في الصورة بدلاً منها، علماً بأن في مركز «تشكيل» توجد عضوة تشبهها إلى حد ما، وكان يمكنها الاستعانة بها، لكنها فضلت تصوير نفسها. ورأت أن تصوير الشخص لنفسه فيه جرأة، معتبرة الخطوة تشبه بداية عملها في مركز «تشكيل»، لأنها درست في مدرسة خاصة بالبنات، ودرست في جامعة خاصة بالبنات أيضاً، وبالتالي حين افتتاح المركز كان الحوار مع والدتها، وهل سيكون للبنات فقط، وأردفت قائلة: «أردت أن أوجد مكاناً فيه الكثير من الاحترام والإبداع، وبهذا الأسلوب صورت نفسي، حيث إنني لم أخرج بطريقة تشكل صدمة للناس».
ولفتت إلى أن هذا التصوير الشخصي يكون من خلال تركيب المشهد، وألتقط الصورة بالاستعانة بشخصية، لتتمكن من السيطرة على التركيز في الصورة والإطار، وبعدها تضع الكاميرا على التوقيت الذي تتحكم به لالتقاط مجموعة غير متناهية من الصور، لهذا تمكنت من التحرك.
الألوان المريحة في الصورة تراها الشيخة لطيفة أنها بسبب بحثها الدائم عن الهدوء في ظل الضغوط الحياتية، مشيرة إلى أنها تتعاطى مع المنظر كأنه لوحة زيتية، لكن بدلاً من مزج الألوان تختار عناصر التصوير. أما عودتها للألوان، فترى أنها من الأمور التي يصعب عليها القيام بها، فهناك اللوحة التي رسمتها أثناء حملها، وكانت بداية التصوير لديها، إذ تضع أفكارها على اللوحة، ثم الألوان الزيتية، لكنها أكدت تعمدها عدم إنهاء العمل، كي تعود إليه في كل فترة، وتمنحه المزيد من الأفكار.
والتريث في المعرض الفردي الأول أتى في هذا الوقت، لأنها منذ أن افتتحت «تشكيل» عام 2008، تفرغت للمركز أكثر من الفن، وشاركت في معارض جماعية، ولم ترغب في القيام بخطوة ناقصة، لكن بعد تسع سنوات في «تشكيل»، وجدت أن هناك من يهتم بالمركز، ويمكنها الاهتمام بتفاصيل معرضها كاملاً، منوهة بأنها تعمل على التقسيم بين وقت العمل والأمومة والعائلة، حيث يأتي عملها في أوقات راحة ونشاطات ابنها، كي تمنحه كامل الاهتمام.
وحول التحضير لمشروعات جديدة، أكدت وجود لوحات لم تعرضها في المعرض، منها العمل الذي صورته في مكان نوم طفلها، والذي رأته شديد الخصوصية، ومن حقه وحده، موضحة أنها ستستكمل العمل عليه، وقد لا تعرضه، إلى جانب أعمال أخرى تشغلها حالياً، معتبرة أن العمل على العائلة بصدق سيجعل العمل أكثر صدقاً، ويجعل من يواجهون العمل يشعرون به.
أما العمل التركيبي الموجود في المعرض والمكون من الساعات، فيشير إلى الوقت، ولفتت إلى أن المعرض كاملاً يعبر عن الوقت الذي مر، والعمل يعبر عن الوقت الذي نراه وهو الحاضر الذي نعيشه اليوم، كما أن الوقت هو الصبر الذي نعيشه حيث نقف، ليس في المستقبل وليس الحاضر، موضحة أن التفاعلات مع هذا العمل كانت متباينة بين الفرحة والانزعاج والخوف، لكن أظن أن العمل الفني يحتم ردود فعل متباينة.