سلطان القاسمي: غياب القيم سبب الصــراع العربي
أكد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، أن ما يواجه العالم العربي والإسلامي اليوم، يدعونا للتفريق بين المجموعات التي تدعي الإسلام، والإسلام نفسه، مشيراً إلى أن الرد على هذا النوع من الجماعات، يكون بالتزام المسلمين بمنظومتهم الأخلاقية والقيم النبيلة، ومعرفتهم بأصول دينهم، ليتمكنوا من مواجهة هذه القوى الظلامية، وإسكاتها.
وأوضح سموه خلال لقائه رؤساء تحرير الصحف ووسائل الإعلام الوطنية، في جناح هيئة الشارقة للكتاب، المشارك في معرض لندن الدولي للكتاب، أخيراً، أن الالتزام بالقيم والأخلاق، هو الحل النافع في التعامل مع الجماعات المتطرفة والمتعصبة، مشيراً إلى أن التعامل معها بالسلاح، أو بالعقوبات فقط أو غيرهما من الوسائل لا يقضي على أثرها، وإنما يسفر عن تشكيل مجموعات جديدة أخرى في توجهها نفسه.
ودعا صاحب السمو حاكم الشارقة، إلى ضرورة التحلي بالعقلانية في حفظ المنطقة العربية والإسلامية، مؤكداً أنه لا يمكن القضاء على أشكال التطرف، والتعصب، بالسلاح فقط، أو بالتعذيب، وإنما يجب التعامل مع هذه الإشكالية بالتربية الصحيحة، وتكون البداية من الأم والأب، ليصبحا قادرين على تنشئة جيل من الأبناء المحصن والمثقف، والقادر على مواجهة المتغيرات من حوله.
مؤلفات في الطريق
- «جاهلٌ من يستورد فكر الآخرين، عالمٌ من يستنبط فكر قومه وبلده». - «الثقافة ليست كوب ماء أشربه، وإنما تراكمات، تُؤخذ من الصغر حتى الكبر». - «حجم الخراب الذي يعيشه العالم العربي يندى له الجبين، بسبب غياب الأخلاق». - «يجب أن نتمسك بكل ما يجمعنا، وننبذ كل ما يفرقنا من التلاسن، والتنابز، والتحقير». - «نحتاج إلى أصوات تدعو إلى التفاهم والتصالح.. وأتمنى أن تتولى الصحافة هذه المهمة». - «مثلما نهضت الأمة العربية بالإسلام والأخلاق، يمكننا اليوم النهوض من جديد». |
وكشف سموه عن عناوين مؤلفاته التي ستصدر قريباً، وقال: «لدي ثلاثة كتب تصدر قريباً الأول عن مخطوطة مفقودة منذ 200 عام، يسرد فيها أحد الرحالة وصفاً لسواحل الخليج العربي كلها، وقد وقعت الوثيقة بين يدي، بعد أن كان العالم والبرتغاليون تحديداً، يبحثون عنها، فأعمل على إصدارها بحجمها وشكلها الكامل، لتكون خدمة لمراكز البحث، والدارسين في تاريخ المنطقة».
وأضاف: «ويحمل الكتاب الثاني عنوان (إني أدين)، وهو مخطوطات حول المعاملة السيئة التي تلقاها المسلمون في الأندلس، وهي عبارة عن وثيقة لمحامٍ يرافع فيها عن المسلمين، فأقوم بدوري بتقديمها وعرضها على الشعب الإسباني، وأقول: (إني أدين)، حيث أعتبر هذه المخطوطات أكثر ما أكتبه خدمة للإسلام».
أما بالنسبة للكتاب الثالث، فأوضح صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، أنه يستكمل ما بدأه من تأريخ لإمارة الشارقة، ويأتي بعنوان «الشارقة بين الحماية والاستعمار»، إذ يبين فيه ما كانت عليه الشارقة، بعد أن تحولت إلى قاعدة عسكرية كاملة، تجمع أعداداً كبيرة من الجيوش، عقب نقل القوى العسكرية الاستعمارية من عدن إلى الشارقة».
النزاع العربي
وفي توصيفه لحالة النزاع العربي، قال صاحب السمو حاكم الشارقة: «إن حال العرب اليوم هو الأسوأ بين الأمم، فأينما توجهنا نجد قتالاً وصراعاً، ونزاعات، في اليمن، وسورية، والعراق، وليبيا، وهذا ما لا تتوقف الصحافة والإعلام عن نشره، وبثه بمختلف الوسائل والأشكال».
وأعاد سموه كل هذا الصراع إلى تأثر القيم والأخلاق في المجتمعات العربية، حيث قال: «حجم الخراب والقتل الذي يعيشه العالم العربي يندى له الجبين، وهذا مرده إلى غياب الأخلاق، فنتمنى أن يكون هناك توجه عام لتدعيم المنظومة الأخلاقية الإسلامية، وتعزيزها في المجتمعات».
ووجه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، رسالة إلى الإعلام المحلي والعربي، أكد فيها ضرورة أن تكون الصحافة والإعلام شريكاً في دعم المنظومة الأخلاقية المجتمعية، وترسيخ القيم الإسلامية النبيلة في المجتمع، عبر نشر ما هو صالح، ودقيق، وموثوق، والابتعاد عن كل ما يدعو إلى التفرقة، والعنصرية، والفساد بصورة عامة. وقال سموه: «نحن في هذه الفترة، نحتاج إلى أصوات تدعو إلى التفاهم والتصالح، يعود خيرها على البلاد، وأتمنى أن تتولى الصحافة هذه المهمة، فالدعوة إلى الخير تحتاج إلى شراكة، حيث القليل من كل واحد فينا يؤثر في الكثير الذي نواجهه».
وتطرق سموه إلى فترة ظهور الإسلام على يد النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - خلال الظروف الصعبة والمتردية التي كان يعيشها العرب في مكة المكرمة، موضحاً أننا اليوم نعيش جاهلية جديدة، تحتاج إلى عودة للإسلام وقيمه، و«مثلما استطاع الإسلام إعادة عزة العرب في زمن تفرقوا فيه، وتركوا أغلى ما يملكون، يمكننا اليوم النهوض من جديد بالتمسك بقيم الإسلام وأخلاقياته».
3 كتبٍ لصاحب السمو حاكم الشارقة ستصدر قريباً، الأول: عن مخطوطة مفقودة منذ 200 عام، والثاني: «إني أدين»، والثالث: «الشارقة بين الحماية والاستعمار». |
ولفت صاحب السمو حاكم الشارقة، إلى ضرورة وجود توجه عام لتبني قيم وأخلاق الدين الإسلامي، من خلال مختلف الفنون والثقافات والمجالات. وقال: «أكثر ما نملكه اليوم هو أن نحافظ على الدين، وقدمت هذه الرؤية في مسرحية بعنوان (داعش والغبراء)، فمثلما نهضت الأمة العربية بالإسلام والأخلاق، يمكننا اليوم النهوض من جديد».
وتطرق إلى الهوية الإسلامية ودورها التاريخي في توحيد البنى الحضارية، موضحاً أن «ما حققه العالم الإسلامي طوال التاريخ، يبين أن كل ما اكتشفه العلماء والفقهاء ظل ينتسب إلى الإسلام، ولم يحدث تفريق بينهم، وفق أصولهم العرقية، والقومية، فالإسلام استطاع أن يجمع الكثير من الأمم تحت هوية واحدة، أساسها الأخلاق الحسنة والقيم النبيلة».
ودعا سموه إلى الابتعاد عن مسببات الخلافات والتفرقة الجارية في العالم العربي، التي تعود إلى الابتعاد عن أخلاق ديننا الحنيف، قائلاً: «يجب أن نتمسك بكل ما يجمعنا، وننبذ كل ما يفرقنا، فما يفرقنا اليوم، هو التلاسن، والتنابز، والتحقير، وهذا ما ينهى عنه الدين، فهذه كلها وسائل العاجز الذي لا يستطيع أن يفعل شيئاً، ولا يملك إلا أن يشتم ويستخدم لسانه، لذلك نحن ندعو إلى الابتعاد عن هذه الوسائل بين الأمم والشعوب والأديان».
منظومة
كنت راوياً عن أسلوبه في الكتابة، وأثر تجربته السردية في مجمل مؤلفاته، قال صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي: «كنت راوياً، أسرد الكتب للطلبة في الحارة، وكنت أستخدم أسلوبي في نقل الكتب، لذلك طغى عليّ السرد الروائي منذ كنت طفلاً، لذلك يجد القارئ هذا الأسلوب ظاهراً في مجمل مؤلفاتي، إضافة إلى أنني حريص على جودة النص، فأعيد قراءة الفصل الواحد ما لا يقل عن 10 مرات، وأتحرى الدقة والمصداقية في نقل أي معلومة ترد في الكتاب، ولا أتردد في حذف الكثير، حتى أصل إلى مستوى الكتابة الذي أظهر فيه». دور المثقف المركزي استشهد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم إمارة الشارقة، في تأكيده على دور المثقف المركزي، البعيد عن السلاح والقتال، بدور وزير الثقافة الفرنسي مونرو، في تحرير الجزائر، خلال فترة حكم ديغول. وقال سموه «قيل لديغول ذات يوم: لماذا في كل مرة عندما تريد اتخاذ قرار، تضع وزير الثقافة مونرو بجانبك؟ فقال: لأن هذا يذكرني بإنسانيتي. وحين سأل ديغول مونرو: كيف أكسب العرب؟ أجابه: عليك أن تكسب جمال عبدالناصر، فسأله كيف أكسب عبدالناصر؟ فقال مونرو: يجب أن تمنح الجزائر استقلالها. فقال حينها ديغول: الآن عرفت أهل الجزائر». |
وفي حديثه حول المنظومات القانونية التي تحكم سلوكيات الفرد في العالم الغربي، أوضح سموه أن هذه القوانين فاعلة وناجحة، لكن ما أن يتمكن الفرد من الاختفاء عن عين الرقيب، فإنه سيكون مستعداً لانتهاكها، بينما المنظومة الأخلاقية الإسلامية ترتبط بالخالق عزّ وجلّ، فهو أقرب إلينا من حبل الوريد، لافتاً إلى أن هذه المنظومة هي كل ما نحتاج إلى تدعيمه في مجتمعاتنا، في ظل ما نشهده من خراب واقتتال وصراع.
وأشاد سموه بتخصيص دولة الإمارات العربية المتحدة عاماً للقراءة، والرؤى الموضوعة لتعزيز المعرفة والثقافة لدى الأجيال الجديدة، مشيراً سموه إلى ضرورة البدء من الأسرة. وقال سموه: «قبل البدء في تعزيز المعرفة والثقافة، علينا الرجوع إلى المجتمع في مكوناته الأساسية، فليس من الضروري أن يصبح كل فرد في المجتمع مثقفاً، لكن من الضروري أن يكون ناشئاً ومتربياً على القيم السليمة، وهذه هي مهمة الأب والأم».
وأضاف: «في السابق لم يكن لدينا تلفزيون، فكانت تتولى الأمهات والجدات تربية الأطفال بالحكايات و(الخراريف)، حيث كانت تروي للأطفال حكايات ذات محمول أخلاقي، وقيمي عالٍ، فكان الأطفال ينشؤون على قيم مجتمعية ذات أصول إسلامية متينة».
ولفت إلى دور المجتمع في تعزيز الأخلاق، وتدعيم القيم الإسلامية، وقال إن «كل مسلم عليه أن يتحلى بأخلاقيات الإسلام، ويكون شريكاً في تعميم الخير، ولا يقتصر ذلك على (رجال الدين)، فهذا المفهوم ليس له أصل ومبتدع، فكل منا عليه واجب تمثيل الدين، بالالتزام، والمعرفة، والعلم، وكل مسلم مطالب بالتفقه بالدين، وتعلم أصوله».
وتوقف سموه عند تاريخ الحركات القومية، ومحاولاتها النهوض بالأمة العربية، فقال: «إن الأسس القومية موجودة، ولا يمكن إنكارها، لكن كل من أتى بالقومية واتخذها مطية فشل فيها، وهذا يكشفه التاريخ، إذ لو نظرنا إلى كل ما طُرح، سواء كان البعث، أو القوميين العرب، أو جمال عبدالناصر، نجد أن كلها وسائل لإيجاد الطريق، وكلها تفشل، لأنها غير مبنية على الأسس والقيم، وسبق أن قلت في إحدى المقابلات: جاهل من يستورد فكر الآخرين، عالم من يستنبط فكر قومه وبلده».
وأشار إلى أنه لا يمكن الحديث عن القومية العربية من دون الحديث عن الإسلام، مضيفاً: «عندما ننمي الفكر القومي، فإننا بالضرورة نستعيد الإسلام، فالإسلام نجح في صناعة حضارتنا، وأمسك بدولتين عظيمتين هما الفرس والروم، وكان الوسيلة للخروج من الظلمات».
النهوض بالإعلام
وفي حديثه عن واقع الإعلام المحلي، وآليات النهوض به، قال سموه: «الكثير ممن يكتبون في الصحف ليسوا من ذوي الاختصاص، ويوقع ذلك الكثير من المغالطات، حتى إن بعض المقالات تكتب اليوم، وهي مستندة إلى معلومات يعود تاريخها إلى خمسينات القرن الماضي».
ووجه سموه الصحافة المحلية إلى ضرورة وجود مراكز أبحاث، تدعم المحتوى الصحافي والإعلامي، لافتاً إلى أن وجود مثل هذا النوع من المراكز، يكفل عدم الوقوع في الأخطاء والمغالطات، التي لا تقبلها الأعراف الدبلوماسية، والعلاقات بين الدول.
واختتم سموه اللقاء بالحديث عن دور المثقف، وأهمية الثقافة في بناء الحضارات، بقوله: «الثقافة أبوابها كثيرة، وتحتاج وسائل وبنياناً صحيحاً، فهي ليست كوب ماء أشربه، وإنما هي تراكمات، تُؤخذ من الصغر حتى الكبر، وهذه الثقافة تحتاج قبل كل شيء إلى الأخلاق، فحتى كلمة ثقف في العربية، ترجع إلى ثقف العود، أي أزال عنه الشوك والأغصان الزائدة».