قلعة الجاهلي نموذج فريد للعمارة العسكرية

«أقرأ عن وطني»

مساحة من المعرفة تخصصها «الإمارات اليوم» لتعريف القرّاء من مختلف الأعمار بدولة الإمارات، من خلال طرح موضوعات ترتبط بالهوية الوطنية، وتاريخ الدولة وثقافتها، وتراثها ولهجتها وإنجازاتها، وكل ما يرتبط بهوية ومكونات الدولة، والشخصية الإماراتية، وهو ما يصبّ في تحقيق أهداف نشر المعرفة والثقافة التي يستند إليها «عام القراءة».

تُعد قلعة الجاهلي إحدى أكبر القلاع في العين، وواحدة من أهمّ المباني التاريخية في الإمارات العربية المتحدة. وتتمتع القلعة بأهمية خاصة من الناحية المعمارية، فهي تُعد أفضل نموذج لفن العمارة العسكرية المحلية، ومن الناحية التاريخية؛ تتمتع القلعة بأهمية كبيرة لارتباطها بتاريخ أسرة آل نهيان.

- ظلت القلعة السكن الخاص بأسرة آل نهيان حتى بعد وفاة الشيخ زايد الأول في عام 1909.

- منذ 2007 أصبحت قلعة الجاهلي محوراً لمشروع حضاري له أهمية بالغة للمحافظة على المبنى التاريخي.

ساحة للفعاليات

في عام 1975، بدأت دائرة الآثار والسياحة في العين, التابعة لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، عملية ترميم القلعة للمحافظة عليها وتأهيلها ثقافياً وسياحياً لتكون قادرة على القيام بهذا الدور التنموي. وفي فترة الثمانينات، أصبحت ساحة القلعة الكبيرة مكاناً لتنظيم مختلف الفعاليات الثقافية والتراثية، كما أضيف المدخل الحالي القائم بين البرجين الكبيرين.
 

يعود تاريخ بناء القلعة، التي تقع في القسم الجنوبي الشرقي من مدينة العين بالقرب من متحف قصر العين، إلى فترة حكم الشيخ زايد الأول، وبدأ بناء القلعة في عام 1891، وانتهى بناؤها في عام 1898. وإلى جانب استخدامها للأغراض السكنية، شكلت القلعة موقعاً نموذجياً للأعمال العسكرية، لكونها تقع على مقربة من مصادر المياه وتحيط بها الأراضي الخصبة للزراعة. شكلت القلعة مقراً للإقامة في فصل الصيف من قبل أسرة آل نهيان، بعيداً عن المناخ الرطب في ساحل أبوظبي، وظلت القلعة السكن الخاص بأسرة آل نهيان، حتى بعد وفاة الشيخ زايد الأول في عام 1909.

مع مرور الزمن؛ تراجعت الأهمية التي حظيت بها القلعة جرّاء بناء حصون جديدة في مواقع استراتيجية. وفي بداية خمسينات القرن الماضي اتخذت القوات البريطانية قلعة الجاهلي قاعدة لجنود ساحل عُمان، وقامت بتوسيع المرافق وإضافة الإنشاءات، إلى جانب إقامة مستشفى صغير، ووضع سياج كبير حول القلعة الأصلية، كما استخدم الجيش الإماراتي لاحقاً تلك المرافق مركزاً لإحدى فرقه. تتكون قلعة الجاهلي من مبنيين رئيسين: القلعة المربعة والبرج الدائري. وبالنسبة للقلعة المربعة، فهي توجد في الربع الشمالي من مبنى قلعة الجاهلي، وتشكل الجزء الأساسي منه، ولها أربع واجهات تعلوها فتحات للبنادق، وصفٌّ من الشرفات المثلثة، وتم بناؤها من قبل الشيخ زايد الأول ما بين 1891 وحتى 1898. وتضم القلعة المربعة الأصلية أبراجاً دائرية في ثلاث من زواياها، في حين تحتضن الزاوية الرابعة مجلساً للشيخ كان يمارس فيه مهامه اليومية، ويستقبل فيه الضيوف الرسميين والمواطنين في الفترتين الصباحية والمسائية.

أما البرج الدائري، فهو برج منفصل يقع في الشمال الغربي من القلعة، ويتكون من أربع طبقات متحدة المركز. وصمّم هذا البرج الفريد بطابعٍ معماريٍّ مميز يتناغم وعناصر البيئة المحلية، ويعكس تصميمه تقليداً قديماً مرتبطاً بتحصين واحات العين، حيث تم العثور على برج دائري الشكل من التصميم نفسه يعود تاريخه إلى آلاف السنين في موقع هيلي الأثري. ومن المرجح أن يكون هذا البرج أقدم من القلعة المربعة ذاتها، ويبدو أنه كان في الأصل برجاً بسيطاً للمراقبة تمّ تعزيزه في ما بعد بالتحصينات لحراسة الواحة وحمايتها من المغيرين. وفي وقتنا الحاضر أصبح هذا البرج في قلعة الجاهلي رمزاً حضارياً من رموز دولة الإمارات العربية المتحدة.

يقع مسجد قلعة الجاهلي على مقربة من القلعة، وقد جرى ترميمه أخيراً، ويعتقد أن المسجد تم بناؤه على الأرجح خلال فترة بناء القلعة الأصلية، أي في تسعينات القرن التاسع عشر. وتُظهر الصور القديمة للواحة أن التجمعات السكانية في الواحة كانت تمتد بالقرب من هذا المسجد، أي في المنطقة التي توجد فيها الحدائق حالياً. واكتُشف أخيراً مكان الفلج الذي كان يغذي المسجد والتجمعات السكانية المحيطة به خلال أعمال ترميم قلعة الجاهلي. منذ عام 2007، أصبحت قلعة الجاهلي تمثل محوراً لمشروع حضاري له أهمية بالغة للمحافظة على المبنى التاريخي للقلعة، في الوقت الذي يتم فيه تحويلها إلى مركز ثقافي نشط ووجهة رئيسة للزوار والسيّاح. وقد اتبع التصميم الهندسي الجديد المخطط التاريخي القديم للقلعة والمنافذ الأصلية للمباني التاريخية، فالأروقة التي أضيفت خلال الثمانينات تم إغلاقها بالزجاج، فيما تم إنشاء أماكن جديدة لتنظيم العروض، إلى جانب مركز خاص بالزوار. كما اعتمدت عملية البناء على حجارة الطين التقليدية، وجبس الطين، وسعف النخيل، مع إعادة استعمال المواد القديمة المتوافرة. وللتحكم في درجة الحرارة داخل المباني، تم الجمع بتجانس واضح بين التكنولوجيا الحديثة وبعضٍ من أقدم الطرق التي عرفها الإنسان، مثل طوب الطين الذي يعد من مواد البناء القديمة وله خاصية عزل ممتازة، حيث يساعد على إبقاء حرارة النهار خارجاً، ويعادل الفرق بين درجات حرارة النهار والليل. وأضيف على هذا التحكم الطبيعي في درجات الحرارة شيء آخر من خلال دمج أنابيب المياه الباردة داخل جبس طين الجدران، ويساعد هذا المزيج المتكون من جدران الطوب الطيني والمياه الباردة المتدفقة داخل الأنابيب على إبقاء درجة الحرارة الداخلية عند حد مريح وثابت لا يتجاوز 22 درجة مئوية.

وتحتوي القلعة حالياً على مركز معلومات الزائرين ومحل تجاري ومقهى، إلى جانب مرافق خاصة لاستضافة الأحداث الثقافية التي تجري بالخارج ومساحات عرض أوسع. كما خُصِّص معرض دائم لـ«ويلفريد ثيسجر»، المستكشف والرحالة الإنجليزي، الذي أقام في العين، واستضافه المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مرات عدة، خلال أربعينات القرن الماضي. ويضم هذا المعرض الصور التي التقطها ثيسجر بنفسه وكلماته الشخصية التي تقدم لمحة عن حياته، إضافة إلى فتح نافذة على ماضٍ عريق، حيث ظل ثيسجر على امتداد مسافات أسفاره، يلتقط صوراً بالأبيض والأسود تعكس جمال تقاليد الشعوب ومناظر طالما افتتن بها.

الأكثر مشاركة