السويدي يهدي غيلان السياب عملاً فنياً يستدعي الشاعر الراحل. من المصدر

ليلة السياب.. شعر وموسيقى ورائحة البصرة في «الندوة»

احتاجت سهرة شعرية طربية تحيي الذكرى التسعين لميلاد بدر شاكر السياب، وقتاً طويلاً من الإعداد، كي يتم إنجازها في الوقت المحدد في ندوة الثقافة والعلوم، التي فتحت مسرحها الكبير لاستضافة حضور جعلوا مهمة الحصول على مقعد شاغر مع انطلاقة الحدث ليست يسيرة.

سلطان صقر السويدي: حضور مبهج

أشاد رئيس مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم، سلطان صقر السويدي، بزخم الحضور، الذين امتلأ بهم مسرح الندوة، وتابعوا الأمسية التي تحولت الى سهرة شعرية طربية بامتياز من مستهلها حتى منتهاها.

وقام السويدي، الذي وصف هذا الكم من الحضور المحتفي بإبداع الشاعر الراحل بـ«المبهج»، بتكريم المشاركين في إنجاح الحدث، فضلاً عن ابنه غيلان بدر شاكر السياب.

السياب الابن ضمن الحضور

فوجئ حضور سهرة «غريب على الخليج»، بوجود ابن الشاعر العراقي المحتفى بمرور 90 عاماً على مولده، وهو غيلان السياب.

وبادرت بروين حبيب بنقل تحية همست بها المطربة الأردنية مكادي نحاس، للسياب الابن، لكنه احتفظ بتواجده ضمن الحضور، إلى أن طلبت منه حبيب الوقوف؛ ليكون موضع ترحاب شديد من الحضور.

حافظت الندوة على تقليد الاحتفاء بشعراء رحلوا لكنهم تركوا أثراً وأحدثوا تغييراً مهماً ليس فقط في مراحل تطور الشعر من حيث الشكل والمضمون، بل في مساحات حضوره في المجتمع أيضاً.

وجاء الحدث كليلة خاصة للسياب لينثر خصوصية إبداعه الشعري مستعيناً بجماليات الالقاء، والطرب والموسيقى، في أجواء طغت عليها رائحة البصرة، موطن الشاعر الراحل، أول من أمس، ليكون التعاون الثاني الذي يجمع بين «أثر» للفنون والآداب، وبين ندوة الثقافة والعلوم.

وحملت السهرة عنوان «غريب على الخليج»، وهو الحدث الذي تواجد فيه ابن الشاعر الراحل غيلان بدر شاكر السياب، وشهد حضوراً مميزاً من عدد من الفعاليات الثقافية بالدولة، خصوصاً الفنانين والشعراء والمثقفين العراقيين.

وبأسلوب الحكاية الرشيقة، سعت مقدمة الحفل الإعلامية بروين حبيب إلى جر الحضور لنشأة وترعرع صاحب دواوين «أزهار وأساطير» و«المعبد الفريق» و«أنشودة المطر» و«شناشيل ابنة الجلبي»، وصولاً الى ازدهار شعره وذويوع صيته، قبل أن تنتقل الى إلقاء الشعر، في سهرة شهدت مزجاً بين الإلقاء من جهة، والغناء من جهة أخرى بصوت الفنانة الأردنية مكادي نحاس، والعراقي أنور داغر، بمصاحبة فرقة موسيقية سداسية، في حين شكلت بعض صور السياب خلفية مضاءة للمسرح.

حبيب أشارت إلى أن السياب الذي وُلد عام 1925 في قرية جيكور في البصرة، سعى مبكراً إلى التثقف بالأدب العربي، خصوصاً النتاج الشعري والأدبي للمتنبي والجاحظ وأبوالعلاء المعري، رغم تخرجه في دار المعلمين العالية قسم اللغة الإنجليزية.

وأضافت: «عاش السياب حياة قاسية لم تخل من المعاناة، فقد أمه وجدته، فعاش مريضاً متخبطاً بالكثير من المحن، ما صقل شعره العذب، وظل يعاني في حياته من مرض لازمه فترة طويلة حتى قضى نحبه سنة 1964».

ووصلت بروين قبل بلوغها إلقاء قصائد من شعر السياب إلى حالة وجدانية خاصة، حين قرأت ما أسمته «رسالة إلى السياب»: «مر تسعون عاماً على يقظتك الأولى في هذا العالم واثنان وخمسون على إغماضتك، وما بين اليقظة والإغماضة مر كثير من الموت علينا، أما المنافي التي وقفت يوماً وحسبت نفسك أنت الغريب الوحيد على الخليج، فأطمأنك بحرارة صادقة بأن كل شيء بات غريباً حولنا، وإن الشواطئ عجت بالفارين من ليل العراق».

وتابعت: «فهمنا أخيراً أن الشعر يمكن أن يحول نهراً صغيراً وضائعاً إلى نهر من أنهار الميثولوجيا، وأن اسماً من جنوب العراق يمكن أن يرن صداه أبعد من كل خليج.. أما السوق القديم فلم يبق فيه سوى غمغمات عابرين خائفين كأن قصيدتك كانت نبوءة».

وألقت حبيب قصيدة كتبها الشاعر محمود درويش للسياب بعنوان «موسيقى لأمي» قبل أن تنطلق في فضاء شعر السياب، بقصيدة «أنشودة المطر».

وغنى أنور داغر من أشعار السياب أغنية «سفر أيوب» التي تقول كلماتها:

لك الحمد مهما استطال البلاء

ومهما استبدّ الألم،

لك الحمد، إن الرزايا عطاء

وان المصيبات بعض الكرم.

ألم تُعطني أنت هذا الظلام

وأعطيتني أنت هذا السّحر؟

فهل تشكر الأرض قطر المطر

وتغضب إن لم يجدها الغمام

كذلك غنى داغر بعض الأغاني التراثية العراقية من مقامات البصرة كأغنية «مدلولة» و«خالة شاكو».

الوصول إلى فقرات الفنانة الأردنية مكادي نحاس كان بمثابة محطة أخرى في السهرة الشعرية الطربية، حيث استهلت بأغانٍ من التراث العراقي، منها أغنية «صغير كنت» و«جي مالي» من التراث العراقي، التي شهدت أوج التجاوب مع جمهور ودع الحفل، بشعور أن بدر شاكر السياب سيظل في قائمة أبرز الشعراء الذين رحلوا لكنهم حاضرون بأثرهم، وخصوصية إبداعهم الخالد.

الأكثر مشاركة