خبراء: تنقية الموروث العربي ضرورة لمواجهة التطرف
دعا أكاديميون وخبراء تراث خليجيون إلى تنقية الموروث الثقافي العربي والإسلامي وفق رؤية علمية تستند إلى أدلة واضحة لمواجهة التطرف والتصحّر الفكري الذي تعاني منه المنطقة، معتبرين أن برنامج التربية الأخلاقية الذي اعتمدته دولة الإمارات أخيراً يحمل طابعاً عالمياً، وفي الوقت نفسه يعبّر عن مجتمع الإمارات وقيمه وعاداته وخصوصيته.
إعادة الفكر المختطف أكدت رئيس قسم التاريخ في جامعة الإمارات العربية المتحدة الدكتورة فاطمة الصايغ، ضرورة وضع رؤية متجددة لفحص الموروث الثقافي لتقديم صورة جديدة قائمة على توظيف أفضل ما فيه، مشيرة إلى أن الباحث تتوافر له آليات لا تتوافر لغيره لمناقشة الموروث مناقشة جادة، وتنقيته باستبعاد السلبي منه، وترسيخ الجيد. وأوضحت أن تنقية التراث يسهم في فضح تيارات التطرف والغلو والتصحر الفكري التي تعاني منها المنطقة العربية اليوم، والتي تكفر وتقتل وتشرد الآلاف باسم الدين، وتدمّر التراث المعرفي والتاريخي وتقضي على العلماء، داعية إلى إعادة الفكر الإسلامي المختطف إلى الطريق الصحيح، من خلال تفنيد الفتاوى الخاطئة وتقديم رؤية علمية قائمة على أدلة. وأضافت الصايغ: «نريد خلق أمة جديدة تقرأ بعقلانية وترجع إلى القرآن والسنة دون ربطهما بأسباب سياسية أو أيديولوجية، ووضع نظريات للتعايش مع الآخر دون إقصاء». |
وشدد المشاركون في المؤتمر الخليجي الخامس للتراث والتاريخ الشفهي الذي أقيم في أبوظبي على مدى اليومين الماضيين تحت عنوان «التربية الأخلاقية تراث خليجي أصيل»، بتنظيم من دائرة الثقافة والسياحة، واختتم فعالياته أمس، شددوا على أهمية دور التربية الأخلاقية في ترسيخ قيم التسامح وقبول الآخر والاعتزاز بالهوية الوطنية لدى الأجيال الجديدة.
مبادرة
من جانبه، أوضح مدير مكتب شؤون التعليم في ديوان ولي عهد أبوظبي محمد خليفة النعيمي، أن «برنامج التربية الأخلاقية الذي صمم في دولة الإمارات بأبعاد عالمية يعد برنامجاً فريداً من نوعه يستمد أصوله من القيم التاريخية والثقافية والخصائص التقليدية العريقة لدولة الإمارات، ضمن إطار يتناسب مع جمهور عالمي معاصر»، مشيراً إلى أن البرنامج يمثل مبادرة مبتكرة تستشرف آفاق المستقبل، إذ يسهم في تطوير أجيال المستقبل، وكذلك التشجيع على بناء مجتمع مستدام محوره السعادة والصحة والرفاهية لجميع الشرائح.
وقال النعيمي إن برنامج التربية الأخلاقية يقوم على تمكين جميع أفراد المجتمع الدولي من الاستفادة من القيم العالمية، ووضعها في سياق محلي فريد، «فهو وإن نشأ في دولة الإمارات فإن لديه أبعاداً وأهمية عالمية شاملة». وأشار إلى أن البرنامج يهدف إلى ترسيخ المبادئ والقيم العالمية التي تشكل التجارب الإنسانية المشتركة في جيل الشباب من جميع الجنسيات والأعمار والمقيمين في دولة الإمارات، إذ يقوم على أسس عالمية، مستفيداً من الثقافة والتاريخ المحلي والعالمي تحقيقاً لأهدافه، وتعزيزاً لإقامة مجتمع متلاحم ومتماسك وحيوي.
محاور
من ناحيتها؛ سلطت مديرة إدارة المناهج بدائرة التعليم والمعرفة الدكتورة سارة سالم السويدي في ورقتها «منهاج التربية الأخلاقية في دولة الإمارات العربية المتحدة وآفاقه المستقبلية» الضوء على أهم محاور المنهاج، وهي الشخصية والأخلاق، التي تُعنى بأهمية تدريس القيم الأخلاقية العالمية والتعاطف المعرفي، والفرد، والمجتمع الذي يولي أهميةً لمشاعر الأفراد، وكيفية تنمية التفكير الأخلاقي والوعي الذاتي، والدراسات الثقافية التي تتناول التراث المحلي وأشكال السرد الشفوي واستخدامه في فهم ثقافة دولة الإمارات، ونقل المعرفة، والدراسات المدنية التي تهتم بالتاريخ الإماراتي والمواقع الأثرية والتراث المعنوي والعالمي والمواطنة العالمية. وتناولت المهارات الأساسية التي يركز عليها منهاج التربية الأخلاقية، منها تثقيف العقل والقلب والمهارات التطبيقية.
جهود
وحول جهود دائرة الثقافة والسياحة في مراجعة وإثراء منهج التربية الأخلاقية في دولة الإمارات؛ جاءت مداخلة رئيس قسم تطوير المحتوى التعليمي في الدائرة الدكتور موسى سالم الهواري، الذي أشار إلى أن الدائرة عملت من خلال فريق عمل من المتخصصين في الثقافة والتراث والتعليم والفنون على مراجعة محتوى المنهاج وإثرائه بمقومات التراث المادي والمعنوي من ممارسات اجتماعية، وتقاليد، وأدب شعبي، وفنون، تلخص مسيرة مجتمع الإمارات، وسيرته الحضارية، وتنقل محتوى المنهاج من الإطار النظري إلى الإطار التطبيقي العملي المستلهم من الإرث الحضاري لدولة الإمارات.
وذكر الهواري أن الدائرة تبنت في عملها استراتيجية ترتكز على دعم المنهاج بالوثائق، والأدلة، والمستندات، وغيرها من المصادر التاريخية والشفاهية، التي تشكل في مضمونها أسس المجتمع الإماراتي، وتطلعاته الحالية والمستقبلية، وتجعل المتعلم محور العملية التعليمية والتربوية، فاعلاً ونشطاً في اكتساب المعارف والمهارات الحياتية، واعياً ومدركاً لمسؤولياته الوطنية والإنسانية الشاملة.
تأسيس للشخصية
وتتبع عضو هيئة التدريس بجامعة عجمان الدكتور حاتم أحمد القضاه، في ورقته، القيم الأخلاقية الإنسانية التي تضمنتها كتب اللغة العربية لطلبة الحلقة الأولى من التعليم الأساسي بدولة الإمارات، لافتاً إلى أهمية المراحل التأسيسية باعتبارها تؤسس للشخصية.
واعتبر أن القيم الأخلاقية التي تضمنها منهج اللغة العربية أقل من توقعاته، وتركزت في معظمها حول: إسعاد الذات، النظافة، النظام، إسعاد الآخرين، إتقان العمل والانتماء الوطني.
من جانبه؛ تناول المنسق العام لبرنامج خليفة لتمكين الطلاب «أقدر» الدكتور إبراهيم محمد جاسم الدبل، دور البرنامج في تعزيز القيم الأخلاقية، والمبادرات والبرامج الاستراتيجية التي نفذت، وأهم النتائج المحققة. وأوضح أن البرنامج يقوم على استراتيجية لتعزيز القيم الأخلاقية من خلال أربعة مستويات، هي: المستوى الأول: الطالب في جميع المراحل التعليمية، والثاني: أولياء الأمور وبناء علاقة إيجابية قائمة على تفهم دور كل منهما، والثالث: البيئة التعليمية من مدرسة ومعلمين وهيئة إدارية، بتعريفهم بأدوارهم الخاصة بتعزيز القيم الأخلاقية التي لها تأثير على مستقبل أبنائهم، والرابع: المؤسسات ذات العلاقة بالطالب والتي لها دور توجيهي وإرشادي للطلاب من خلال تأهيليهم معرفياً ومهارياً.
عودة
بدوره؛ قدم مدير إدارة التعليم في الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي الدكتور محمد بن مسلم المهري، ورقة حول أزلية الترابط بين الموروث والقيم الأخلاقية «قراءة في الحكاية الشعبية في ظفار»، أوضح فيها أن الموروث الشعبي يجمع في جزئياته الحياة التي لم تتجل على أيدي أصحاب السير والتواريخ، في الوقت الذي يهتم فيه المؤرخون بتقييد الأحداث الجسام.
وتطرق إلى الدور البارز الذي لعبه الموروث الشعبي في الجزء الجنوبي من سلطنة عمان (ظفار) في ترسيخ القيم الأخلاقية من خلال سرد واستنطاق الحكاية الشعبية التي تؤسس للقيم الخلقية في المجتمع، وتجعل من الحكاية الخرافية من المقومات التي يقف عليها بنيان المخيلة الشعبية بما تدعو إليه من نبل.
من ناحيتها؛ شددت المستشارة الإعلامية بمؤسسة التنمية الأسرية شيخة الجابري على أن التربية الأخلاقية في التعليم واجب مجتمعي ومسؤولية وطنية، مشيرة إلى حرص منهج التربية الأخلاقية بدولة الإمارات على الربط بين ما يحمله الموروث الثقافي من قيم ومعارف وعادات وتقاليد وأسلوب تعامل يتعلق بمفاصل الحياة المختلفة، وبين تحولات العصر الحديث بكل ما يحمله من تغيرات ومعطيات أخلاقية من أجل مستقبل أكثر إيماناً بماضيه وإرث أجداده، ومنظومته الأخلاقية.