سلطان القاسمي: إذا كانت العروبة تغرق فزورق إنقاذها الثقافة ومجدافه الشعر

أجرى صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، حواراً تلفزيونياً بث عبر شاشة قنوات وأثير إذاعات مؤسسة الشارقة للإعلام، ظهر أمس، وحاوره فيه مدير عام مؤسسة الشارقة للإعلام الإعلامي محمد حسن خلف، إذ تحدث سموه عن إصداراته ومؤلفاته الحديثة، مستعرضاً الدوافع التي قادته لإنتاجها وتأليفها، وموضحاً قيمتها الأدبية والفكرية والتاريخية، ومشيراً للقادم من إصداراته والموضوعات التي تدور حولها. وفي ما يلي جانب من الحديث:

حاكم الشارقة:

إذا كنت أكتب في التاريخ تجدني أيضاً أكتب في الأدب والمسرح والشعر، وشغوف بالجغرافيا.

هناك من يعجز أن يأتي بالشعر العمودي فيشوهونه، ونقول لهم قولوا ما تريدون لكن لا تصفوه بالشعر.

سيرة مدينة

حول كتاب «سيرة مدينة» ذكر سموه أنه «ليس بجديد، فقد صدر العام الماضي في سبعة فصول، وجرت العادة أن يكون لي كتاب أساسي في معرض الشارقة الدولي للكتاب، وكتاب (سيرة مدينة) لما وصلت إلى الفصل السادس، وحتى أكمل الكتاب وأربط أحداثه بأحداث (سرد الذات)، ومسافة بعيدة من الزمن وفي المادة المكتوبة، كتبت بعده الفصل السابع والوقت يدركني لقرب انطلاق المعرض، ومهما كتبت لن أجد المكان المناسب الذي أتوقف فيه، أقفل به الكتاب. في الثقافة، في الشعر، في المسرح، لابد أن تقفل في الآخر، حتى يبقى القارئ في ذاكرته آخر الكتاب، فوجدت في آخر الفصل السادس انتصار الشارقة على الإنجليز لأول مرة، الذي هو خطاب الضمان، وختمت على هذا، وهي نهاية جميلة».

وبيّن سموه أنه وجد خلال قراءته للكتاب فراغاً زمنياً بين «سيرة مدينة» إلى «سرد الذات»، فأكملت ما يقارب 10 فصول، فأصبح بذلك 17 فصلاً.

واختتم سموه الحوار بقوله: «إذا أنا كنت أكتب في التاريخ تجدني أيضاً أكتب في الأدب والمسرح والشعر، كما أني شغوف بالجغرافيا، وهناك كتابات عديدة قادمة».

إني أدين

حول كتاب «إني أدين» قال صاحب السمو حاكم الشارقة، إن «المسلمين في الأندلس لم يعتنِ بهم أحد، حتى الدول الإسلامية لم تستطع مساعدتهم، حيث قام ملوك إسبانيا في ذلك الوقت بارتكاب الكثير من المآسي في حقهم من تنصير وقتل وإعدامات ونفي وتشريد، وهناك اتفاقية بين أبوعبدالله الصغير آخر ملوك الأندلس والإسبان، يخفون هذه الاتفاقية حتى لا يتم إدانتهم، وجاء فيها: عدم المساس بالدين، عدم إجبارهم على أي شيء، عدم التدخل في الأحكام بينهم والقضاء، ولا يجبرون على البيع، وأمور أخرى كثيرة وردت بالتفصيل في الكتاب».

وأكد سموه أنه استطاع الحصول على الوثائق الأصلية والمختومة بختم الملك نفسه، وهي ليست اجتهادات شخصية من قادة الجيش، بل من الملك والملكة فهم يقومون بهذا الدور، وأنا وضعت كتابي عن طريق الإدانة، وهي ليست كالاتهام بشيء، والإدانة ثبوت، ولذلك ما ورد في الكتاب ثابت، وأنا أستطيع أن أقدمه لأي محكمة الآن، 10 إدانات أستطيع عبرها محاججتهم للحصول على حقوق الأندلس، أريد أموراً كثيرة، فنحن كمسلمين أوضاعنا سيئة، وأنا أنتظر إلى أن تنصلح أحوال المسلمين، ويأتي من بعدي من يطالب بذلك.

«مساجلات شعرية»

استهل صاحب السمو حاكم الشارقة حديثة في الحوار حول كتاب «مساجلات شعرية بين الشيخ سلطان بن صقر القاسمي وصديقه الشيخ محمد بن عبدالعزيز الصديقي»، وقال سموه: «في بداية حكم الشيخ سلطان بن صقر القاسمي لإمارة الشارقة في سنة 1925، وكان قاضي الشارقة حينها الشيخ سيف بن مجلاد المدفع قد خرج من الشارقة بعد تغير الحكم وذهب إلى أم القيوين، فطلب الشيخ سلطان بن صقر القاسمي من الأمير عبدالعزيز بن سعود في ذلك الوقت أن يبعثوا له بقاضٍ للشارقة»، موضحاً سموه أن «كل قضاة الشارقة من المملكة العربية السعودية، فلما حضر القاضي الشيخ محمد بن فيصل المبارك أتى معه مساعدون له من ضمنهم محمد بن عبدالعزيز الصديقي، وبقوا في الشارقة، ونمى العلم للإنجليز أن هذا القاضي السعودي ومعه النجديون يحرّضون الشيخ سلطان بن صقر أن يأتي بأمير من السعودية لحكم الشارقة، فطلبوا من الشيخ سلطان بن صقر إبعادهم، فلما أبعد المبارك أبعد معاونيه معه، ورجعوا إلى نجد».

وأكد سموه أن الشيخ سلطان بن صقر ورث عن والده الموهبة الشعرية، حيث كان للشيخ صقر بن خالد قصائد جميلة في النصح والتوجيه، والذين كانوا مع سلطان بن صقر وأترابه كلهم متعلمون، ومنهم الشيخ أحمد محمد المحمود، وآخرون، وكذلك ارتحل إلى الهند أكثر من مرة يأخذ فترة هناك يجالس العلماء، فهذه كلها شكلت شخصيته الأدبية، ولديه مكتبتان، واحدة في الحصن والأخرى في بيته، والتي في بيته لها مواصفات، حيث كانت مربوطة بغرفة النوم وسهل أن يلج للمكتبة ليلاً دون المرور بفناء المنزل، فكان المكان هذا مبنياً عليه ومقفلاً. وأشار سموه إلى أنه خلال عمليات ترميم بيت الشيخ سلطان بن صقر، قلت لهم إنه يوجد في هذا المكان باب وأنا أتذكر ذلك، ولما بحثوا وجدوا مكان هذا الباب، فهذه من ناحية المكتبة التي في بيته.

وبيّن سموه الأسباب التي جعلته أكثر تعلقاً بالأدب والشعر على وجه التحديد قائلاً: «إذا كانت العروبة تغرق فزورق إنقاذها الثقافة ومجدافه الشعر، ولذلك على قدر اهتمامنا بالثقافة يجب علينا أن نركز على المجداف الأساسي الذي هو الشعر»، موضحاً أن الشعر دخلت عليه أمور كثيرة، وهناك من يعجز أن يأتي بالشعر العمودي فيشوهونه، ونحن نقول لهم قولوا ما تريدون لكن لا تصفوه بالشعر، سموه قطعة أدبية أو نثراً جيداً، لذلك هناك من يرفضه وهناك من يتقبله، ودخلنا في صراعات لم يكن لها داعٍ، ولذلك الآن نحن نعيد للشعر قيمته، ومكانته، نجمعهم مع بعض، يقولون ما شاؤوا لكن لا في متاهات الحداثة، نحن نجحنا في أن نمنح الفرص للكثيرين الذين أخذوا يتوارون أولاً من الإهمال أو أنهم شباب لم يعتنِ بهم أحد، نحن في هكذا على شقين: نعتني بالشعراء الكبار المعروفين، ونرفع من قيمتهم ونعطيهم فرصة في المحافل، والشعر لابد أن يكون له في المحافل صوت، وبالنسبة للشباب نحن نعيد كتاباتهم مرة أخرى مع العناية بتصحيح بعض ما كتبوا، ونأخذ كتبهم وننشرها لهم من خلال الملتقى السنوي الذي درنا به أكثر من عاصمة ومدينة عربية».

رحلة بالغة الأهمية

انتقل صاحب السمو حاكم الشارقة للحديث حول كتاب «رحلة بالغة الأهمية» – المخطوطة الكاملة لكتاب دوارتي باربوزا 1565 – وعاد سموه بذاكرته إلى أيام دراسته الجامعية في جامعة دورهام البريطانية وقال: «عندما كنت أدرس في قسم الجغرافيا بجامعة دورهام، وكنت أجمع الكثير من الخرائط وجمعتها في كتاب بهذه الصورة، بها مجموعة من الخرائط الأصلية، وكيف أنها تطورت، ومن ضمنها خارطة لخطاط جغرافي اسمه (قسدالي)، وإذا هو يضع مدينة كلباء جنوب جلفار، وبجانب الشارقة، فقمت بدراسة قسدالي، ومن أين أتى بالمصدر، فوجدت أنه إذا أراد أن يخط خرائطه رجع للرحالة العرب أو ما كتبوه في كتب رحلاتهم التي توصف الأماكن، فمثلاً لدينا في كاظمة في الكويت، وكتب ابن الحوقل كتاباً قال فيه إذا خرجت من كاظمة واتجهت إلى الشمال ستصل إلى الأبولا، وهي مدينة على شط العرب في الضفة الفارسية، وهي معروفة، وهو لم يذكر أنك ستعبر من على مياه شط العرب، فالخطاط الذي هو دالبير غير خرائطه لأنه قرأ كتاب شخص فرنسي يدعى جوج، يعرف اللغة العربية، وترجم ما قال ابن الحوقل، وقد أتى بأبولا ناحية الشق العراقي من شط العرب، لأن جوج لم يذكر أن هناك عبوراً للشط، لهذه الدرجة يأخذون بالكلام في رسم خرائطهم، وأنا خلال بحثي لقسدالي أرى من أين أخذ كلامه ورسم خريطته».

الكتاب الذي بين أيدينا مخطوطة باربوزا، الكتاب الكبير، وترجم لأكثر من لغة حيث إن لغته الأصلية هي البرتغالية القديمة، ثم وضع باللغة البرتغالية الحديثة وترجم إلى الإنجليزية، وبعدها ترجم إلى اللغة العربية.

وهذا الكتاب يحوي الأربع لغات إضافة للمخطوطة القديمة، لما قرأت ذهبت لأبحث عن مخطوطة باربوزا فإذا هي مفقودة، وإذا كانت في إيطاليا وهذا قسدالي في إيطاليا، وصلته مخطوطة نصفها مكتوب بالإيطالية، مضاف إليه، وحرصت أن أرى بنفسي النص وأنا أبحث في كثير من الأماكن، ووقعت في يدي هذه المخطوطة، وهي بخط تحتاج إلى مجهود كبير لقراءتها، وهو يتكلم عن جلفار ويقول إلى الخلف منها خورفكان، وهذا صحيح، وكلباء تكون إلى جنوبها الآن، لأنك إذا كنت في بر فارس وتنظر إلى جلفار يسوق إلى كلباء أي إلى جنوبها، لكن هذا الذي قرأ وهو قسدالي ووضعها رأساً من خلال رسمته على الساحل (حيث تقع الشارقة)، والآن فيه استفادة كبيرة بالنسبة لي ليس لوصف ساحل عمان اللي هو بحر عمان، وكذلك وصف ساحل فارس كله، وأول ما وصل دخل البحر الأحمر وذهب مباشرة إلى الهند، وغطى ساحل الهند كله وانتقل إلى بلدان أخرى، والعجيب هنا عندما تصل إلى ما بعد الهند والبنغال ترا ساحل أراكان، حيث يستوطنون الريهوانجا ولهم ملك ودولة، وهذا إثبات من هذه المخطوطة، تثبت للقادمين من بورما أن هذه ليست بلدكم.

وحول اسم جلفار ورأس الخيمة، قال سموه: «جلفار هي رأس الساحل وهي مستحضرة أرمنية وأهلها يتاجرون (التجارة في الخليج وزعت الموانئ إلى ميناء رئيسي وموانئ توزيع أو فرعية)، فلما نأتي نقول في البحرين تكون مسؤولية التوزيع في الجزيرة، ونقول ميناء مسقط أو صحار توزع للداخل، بينما ميناء جلفار يورد إلى هذه المنطقة التي نحن بها، ولما نأتي للناحية الأخرى من ساحل الخليج نجد هناك بندر عباس أو بوشهر، ينتقل الميناء الرئيسي، ولذلك هذا المكان كان الذين فيه يسمون أرمن، ولهم تجارة وأغنياء، والعرب ما كان لهم سلطة في هذا المكان، أما رأس الخيمة فليست على الساحل، حيث الأرمن، ولذلك في سنة من السنوات وعلى الساحل اكتشفوا آثاراً ومباني، واكتشفوا بيوتاً فيها غطاها التراب والبحر، بها أوانٍ وزخرفة وذهب ونقود وكنز، وهي التي في الساحل منطقة تسمى الندود وهي أصل جلفار، أما رأس الخيمة فهي في الداخل، يعني حيث منطقة النخيل التي تحيط بها».

الأكثر مشاركة