6 محطات تردّ الاعتبار إلى «صرح العربية»
يجدّد اليوم العالمي للغة العربية، الذي يوافق 18 ديسمبر، الحديث حول شجون لغة الضاد، وحاضرها الذي ليس على ما يرام، رغم المحاولات التي تسعى إلى النهوض بها، ورد الاعتبار إليها، وكذلك إلى رموزها والمهمومين بها، ومن يراهم البعض سبباً في الحال التي لا تسرّ.
حاول معنيون بـ«العربية» دفع التهمة عن أنفسهم، ومن هؤلاء الراحل شوقي ضيف الذي يبرز في أحد الأغلفة الآتية من بعيد، وهو كتاب «مجمع اللغة العربية في خمسين عاماً: 1934-1984م» جهود علماء من أجل اللغة، ومجاراتها للعصر، وعدم توقفها عند محطة بعينها.
وهنا ست وقفات مع الكتاب الذي يعود إلى عام 1984.
1
سلّط الدكتور شوقي ضيف الضوء على ما أنجزه المجمع، وما حققه من أشياء لا يلتفت إليها كثيرون. وقال: «مهما تحدثت عن هذا الصرح الأشمّ للعربية وأعضائه الأعلام فلن أستطيع أن أصوّر - في دقة - ما بذلوا من جهود علمية، ظلوا يصلون فيها كلال ليلهم بكلال نهارهم سنوات طوالاً، لا يستريحون ولا يفترون، حتى حققوا للعربية ما طال عليها انتظاره من المعاجم اللغوية والعلمية والفنية، ومن ألوف المصطلحات في كل علم وفي كل فن حتى لتوشك أن تصبح - عما قريب - لغة علمية عالمية، وإني لأعترف بأن كل ما كتبته عن مجمعنا في سنواته الـ50 الماضية إن هو إلا لمامة سريعة بوجوه نشاطه اللغوي والعلمي والأدبي، وإنها لأكبر من أن يحيط بها كتاب مفرد».
2
يستعرض ضيف تاريخ المجامع اللغوية والعلمية العربية، بداية من دمشق (1919) ومروراً ببغداد (1947) ووصولاً إلى عمّان (1976)، ويقف عند فكرة اتحاد المجامع العربية التي نشأت للمرة الأولى في عام 1956، برعاية الجامعة العربية، ولم تتحقق الفكرة بشكل مكتمل إلا في عام 1971، وتكون الاتحاد من مجامع القاهرة ودمشق وبغداد، كما يقول الدكتور شوقي ضيف، مشيراً إلى أن باب الاتحاد ظل «مفتوحاً لكل مجمع لغوي علمي تؤسسه دولة عربية، ووُضع له منهج سديد، بحيث ينظم الصلة العلمية بين المجامع العربية، ويعمل على تعاونها تعاوناً فعالاً مثمراً في شؤون اللغة العربية وتراثها النفيس، وفي توحيد المصطلحات العلمية والفنية وألفاظ الحضارة في أنحاء العالم العربي جميعه».
3
يهتم ضيف بمجمع بالقاهرة، منذ محاولات تأسيسه، أواخر القرن الـ19، حين كان يجتمع طائفة من الأدباء «يتخذون من دار آل البكري بالخرنفش، منتدى يتبادلون فيه الرأي في ما ينبغي أن يكفل للعربية من ضبط دقيق لمفرداتها وتنقية لها من الشوائب» غير أن المجمع لم يلبث أن توقف بعد سبع جلسات، واستمرت المحاولات حتى رأى النور عام 1932، لكن لم تلتئم اجتماعاته إلا في 1934.
4
20 عضواً ضمهم المجمع، ولم يشترط أن يكونوا مصريين، إذ نص مرسوم المجمع أن يكون العضو «عالماً بَعيد الغور في العلم بالعربية، واقفاً على أسرارها، متقناً لتلك الخصائص والأسرار فهماً وعلماً وتمثلاً. وليس من الضروري أن يكون مصرياً أو عربياً». فضم المجمع في انطلاقته 10 علماء مصريين، وخمسة مستشرقين وسوريين اثنين ولبنانياً وتونسياً وعراقياً.
5
يتطرق الكتاب إلى المجمع وكل ما يتعلق به من لجان، ربما لا يتصور وجودها أحد، لتتصدى لكل جديد، ويبرز جهود الأعضاء، والقرارات التي تمخضت عنها الاجتماعات: «عني المجمع منذ إنشائه بالألفاظ والأساليب العصرية المستحدثة في الكتابات المعاصرة، يدرسها ويعلن منها ما يراه صحيحاً لغوياً، تمشياً مع ما حدث للعربية من تطور على أقلام الكتاب».
6
عبر لجنة الأدب في مجمع اللغة العربية، طرحت مسابقات عدة، حاز جوائزها مبدعون ملأوا الدنيا كتابة، لعل من بينهم نجيب محفوظ. ويقول الدكتور شوقي ضيف في كتابه الاحتفائي بخمسينية المجمع في القاهرة: «لاشك أن هذه المسابقات، التي لايزال ينهض بها المجمع، من شأنها أن تحفز همم الشباب للحصول على قصب السبق في مضمارها، وقد بشرت مراراً بقصاص وشاعر وباحث ومحقق من طراز فريد، وحققت الأيام نبوءتها لا في الشباب وحدهم بل أيضاً في الشابات، فطارت شهرة كثيرين ونالوا حظاً غير قليل من المجد الأدبي، بل لقد ارتقى بعضهم ذرى الريادة في الصحافة والجامعات المصرية والعربية والمجلس الأعلى للثقافة ومجمعنا اللغوي».