«أدباؤنا» أصدق من يرى الحب
5 من فصول «الرومانسيين» في يومهم
مع أنبل المشاعر؛ وحكايات المبدعين معه، أمثال طه حسين ومحمود عباس العقاد وتوفيق الحكيم وصلاح عبدالصبور ويوسف السباعي؛ يرتحل هذا الكتاب الذي يطلّ من سبعينات القرن الماضي؛ وهو «أدباؤنا.. والحب» من تأليف فتحي الإبياري.
يحاول صاحب الكتاب أن يرصد تلك القيثارة العذبة، وكيف عزف عليها المبدعون، وكيف صنع منها البعض ألحاناً رومانسية، بينما شقي بها آخرون، فأنتجوا أنغاماً حزينة، ويتطرّق إلى حياة بعض الأدباء وكيف أثّر الحب واقعياً فيها، فأنصف شخصاً مثل عميد الأدب العربي؛ فكانت حكاية عشق مصرية – فرنسية (طه وسوزان)، وخذل آخر مثل العقاد فلم تكتمل قصة العقاد مع مي زيادة أو سواها.
يقول الإبياري: «سوف تظل أسطورة الحب ملهمة للأدباء والفنانين والكتّاب والمفكرين والفلاسفة إلى نهاية العالم. والرؤية التي خرجت بها من تلك الرحلة القصيرة جداً بين إبداعات هؤلاء الأدباء، هي أن الإنسان يستطيع أن يشتري أي شيء في العالم بأمواله وسلطانه وجبروته إلا الحب.. لماذا؟ لأنه قدر وطوفان.. تصاب به القلوب العاشقة فقط».
وهنا خمس محطات من الكتاب في يوم المحبين (الفلانتين):
1
يتأمل المؤلف الكلمة المحيّرة، يطارد معنى الحب، وتعريف ما لا يعرف ربما، ولماذا كان اسمه الحب وليس شيئاً آخر؟ وهل لتخيّر حرفي الحاء والباء دلالة خاصة؟ ويلجأ إلى السيوطي في هذا الملمح بشكل خاص: «اختير حرف الحاء لأنه ينطق من أقصى الحلق، وهو مبدأ الصوت، ومخرجه قريب من معدن الحب وقراره.. أعني القلب». بينما الباء من الشفتين «وهما آخر مخارج الصوت، وهكذا جمع الحرفان بداية الصوت ونهايته». ولا ينسى الإبياري «ضمة» الحاء، لماذا لم تكن فتحة أو كسرة: «فلأن قوة معنى العاطفة وتمكنها من النفس مما يقتضي اختيار أقوى الحركات فاختاروا الضمة لأنها أقواها، حتى يتشاكل اللفظ والمعنى».
وربما تبدو التعليلات مقبولة لدى فريق، وغير ذلك لدى آخر، فحتى لو وردت الكلمة بحرفين غير الحاء والباء، وبحركة مغايرة للضمة، لكانت ثمة تحليلات تبرّر ذلك، وتنسبه إلى ما تعتقد بصحته حول المعنى المحير للعقول؛ ربما لأنه نابع من محل آخر، وهو القلوب.
2
يفرد الكتاب مساحة لحكاية طه حسين مع الحب، وهي تستحق، في الواقع والخيال، من قصته مع حبيبته التي صارت زوجته الفرنسية، وكذلك مع بطلة «دعاء الكروان». يفصّل المؤلف ملمحاً من سيرة طه حسين، من عشق بأذنه وبصيرته، وعاش حب حياته الأول والأخير في باريس، كما يروي: «لقد كنت أسمع صوتها وهي تقرأ لي أو تتحدث إليَّ فأشغل بهذا الصوت مما كان يحمل إليَّ من الألفاظ عما كانت تدل عليه هذه الألفاظ من معانٍ». ويخاطب طه سوزان، بعد أن يأمرها بالكفّ عن القراءة: «صحيح أنني لم أرك بعيني، (ولكنني) أراك كل لحظة بقلبي، وهو أصدق من يرى».
3
«إنك لا تحب حين تختار ولا تختار حين تحب، وإننا مع القضاء والقدر حين نولد، وحين نحب، وحين نموت».. مع صاحب المقولة، يعيش مؤلف الكتاب، عارضاً قصة حب مغايرة لم تكلل حبه بالزواج، بينما العقاد لم يكتمل حبه الأول ولا حتى الثاني، وعاش صاحب «سارة» مكتفياً بالحب على الورق نثراً وشعراً. انتهت قصة العقاد مع مي زيادة، الأديبة الشهيرة التي تعلق بها كثيرون، بشكل درامي، بعد أن تعذب قلب ذلك الشاب الذي حقق نجاحاً، وصار علماً وهو في الثلاثين من عمره. ولم تكن حاله مع المحبوبة الأخرى التي كنى عنها باسم آخر في روايته «سارة» بأحسن حالاً، وربما كانت الكتابة نوعاً من علاج النفس من ذلك الحب للمرأة، التي كانت تدعى أليس وليس سارة.
4
ينتقل مؤلف «أدباؤنا.. والحب» إلى أحد أفراد العائلة التيمورية، وصاحب قلم كتب كثيراً عن ذلك الشعور في قصصه ورواياته، وهو محمود تيمور، الذي استمد في بعض أعماله، ومن بينها: «نداء المجهول» و«إلى اللقاء أيها الحب» و«المصابيح الزرق»، صوراً مختلفة للحب ودروبه.
يقول تيمور: «في عام 1920 جاءني والدي وأخبرني بأنه اختار لي عروساً لم أرها، فرسمت لها في خيالي صورة رائعة، وفي يوم كتب الكتاب.. رأيتها وتحدثت إليها لأول مرة، فوجدتها أجمل وأرق من الصورة التي رسمتها في خيالي بكثير، ثم التقيت بها، وكانت هذه الفترة هي فترة اختبار للحب الذي عشته بكل عواطفي وكياني طول عمري، وتزوجتها، وأحسست أنها حبي الأول والأخير، وبعدها ختمت قلبي بالشمع الأحمر، ولم أحب سواها». وبالفعل ظل تيمور ناذراً روحه لتلك الزوجة الحبيبة، حتى بعد رحيلها، إذ لم يقترن بسواها، إخلاصاً لذكراها، وكذلك خشية أن تسيء الزوجة الجديدة ربما إلى الأبناء.
5
«بموت الحب في الأرض ينتهي العالم».. هكذا يرى صاحب «عودة الروح» توفيق الحكيم الذي «عاش الحب الهادئ، والحب الحارق، والحب المحروم، والحب الملهم لفنه، وفكره، وأدبه»، كما يصف فتحي الإبياري، الذي يشير إلى أن بعض قصص الحكيم تسرد طرفاً من حكاياته مع الحب، كما كانت الحال في التجارب العاطفية لبطلي: «عودة الروح» و«عصفور من الشرق»، فثمة خيط من الواقع يربط بين المعيش والمكتوب، رغم أن البعض أطلق على توفيق الحكيم لقب «عدو المرأة» في الواقع، فإنه على الورق كان بخلاف ذلك، وربما كان ذلك من قبيل الطرائف، كما الحال عندما كان يوصف صاحب «الرباط المقدس» و«أهل الكهف» بأنه من البخلاء.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news