عبدالكريم الشطي على خطى نيرودا وتشي ومارادونا
جرعة تحتفي بالكتاب ومنابع المعرفة في شهر القراءة بالإمارات.. تطلّ على عناوين مازالت محمّلة برائحة المطابع.. تبرز إهداءات إلى البلد الطيب أو لأعزاء محلهم القلب، وتغريدات من عالم غير افتراضي، واقتباسات من ندى الماضي البعيد، وغيرها مما تيسر.. علّها تكون إشارات على حدائق ذات بهجة: الكتب في شهرها.
ولو بالتسكع والدَّين والنوم كضيف على كنبة في بيت متواضع، اعتزم الرحالة عبدالكريم الشطي أن يجوب قارة بابلو نيرودا وتشي ومارادونا، ضارباً إلى مساحات قصية عن الخليج العربي، ملتحقاً بجامعة الأسفار التي تعلم واكتسب منها ثقافات وذكريات وصداقات، ربما لا تتاح لمن يكتفون من العالم بالسفر في «غروبات»، وزيارة القارة العجوز، وبلاد العم سام، والوجهات الشهيرة.
يوثّق المؤلف الكويتي سفراته بين الأرجنتين وفنزويلا والمكسيك وكوبا في كتاب جديد بعنوان «تسكع في أميركا اللاتينية»، مستهلاً الحكاية التي تتخطى محطات السفر والمعالم السياحية والحديث عنها، مع رمز من رموز تلك القارة، تشي جيفارا، الذي بدأ قصته مع رحلة الثورية ربما برحلة عادية، رأى فيها بلاداً مكتنزة بالخيرات، وناسها يعيشون في ظروف بائسة: «دون أن يشعر جيفارا، كانت هذه الرحلة تنحته، تحوّله من شاب غض مترف إلى رجل صلب، تعبر به من حرير الأغنياء إلى صوف الفقراء».
يكشف عبدالكريم الشطي عن فوائد السفر وحيداً، وأسراره وخطة سيره أو (تسكعه)، وكيف تحوّل من مجرد مسافر سوّاح إلى رحّالة، يهدي قارئه طقوسه عن السفر، ولا يخفي ما يستشعر البعض أنه جنون عاقل ربما، تناديه «نداهة» الرحلة، فيصغي، ويحزم الحقائب ويمضي، لكنه يتأهب ويستعد بشكل ما حينما يعتزم اكتشاف بلد: «أقرأ عنه أربعة كتب: دليل سياحي، تاريخ البلد، مذكرات شخصية مؤثرة في التاريخ، رواية عن البلد. وقبل الرحلة بأسبوعين أواظب على قراءة صحيفة يومية. مثل هذا الاستعداد الفكري يسهل عليك التحرك داخل البلد في زيارتك الأولى».
لا يتأمل الشطي البلاد التي ينزل فيها من أعلى، كي يصفها بشكل بانورامي، بل يختلط بناسها، يحاول تدريب لسانه على جزء من لغتها، يسعى إلى اكتساب ثلاث كلمات في اليوم، يركب «باص» عادياً، ويخشى على ما يحمله من مال من لصوص الزحام، ويقيم مثلاً في منزل عائلة بمبلغ ضئيل، ويهديهم بعض ما يحمله من وطنه، فيرى عواطف أهل تلك البقاع الحقيقية، وكيف يعبّرون عن امتنانهم الفياض بتلك الهدايا البسيطة.
يتعمد صاحب «التسكع» السير في دروب مغايرة، ولا يهاب المغامرة، ليعود بحصاد الرحلة الوفير من الخبرات والمشاعر الحياتية عن بشر تلك المناطق، التي ربما يكون قد حطّ فيها بحالة وتركها بحالة مغايرة، ذهب إليها بما اشتهر عنها، ويعود منها بشيء مختلف، كما الحكاية مثلاً مع الأرجنتين، التي تكاد تقدس كرة القدم، تعتبرها «ديناً» وليست مجرد لعبة، إذ ينير الشطي لنفسه وقراء كتابه مساحة مختلفة عن بلاد مارادونا ربما: «تغيّر فكري أكثر. رسمت الأرجنتين معتمداً على ما قرأت من الكتب، وزياراتي لدول الجوار. رسمي كان بشعاً، لم أتخيل كل هذه الفنون، رقي الناس، حبهم للحياة، حبهم للثرثرة. في كثير من اللحظات كنت أشعر بأنني في أوروبا الغربية. لم أكن أعرف أن ثراء العشرينات لايزال موجوداً في أبنية المدينة ونفوس الناس. لم أدرك كيف يمكن للحكومات العسكرية أن تبني من الرعب تخلفاً، إلا بعد ما رأيت ما حصل لكم. لم أكن أفهم لماذا انصدم جيفارا حينما شاهد الظلم والفقر يخيم على أميركا اللاتينية، إلا بعد ما جلست معكم وفهمت غناكم، من يعش في بيئة غنية تفجعه مناظر الفقر، آمنت بإدخال كل الأغنياء مدرسة الفقر كي يتغيروا».
لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.