في رواية وصلت إلى القائمة القصيرة لـ «البوكر»
ديمة ونوس وسيرة سورية مصنوعة من الخوف
جرعة تحتفي بالكتاب ومنابع المعرفة في شهر القراءة بالإمارات.. تطلّ على عناوين مازالت محمّلة برائحة المطابع.. تبرز إهداءات إلى البلد الطيّب أو لأعزاء محلّهم القلب، وتغريدات من عالم غير افتراضي، واقتباسات من ندى الماضي البعيد، وغيرها مما تيسّر.. علّها تكون إشارات إلى حدائق ذات بهجة: الكتب في شهرها.
خوف قديم متجذر، وليس طارئاً يرتبط بالحاصل بعد 2011 في سورية، يهيمن على أجواء رواية «الخائفون» للكاتبة ديمة ونوس، التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة «البوكر العربية»، إذ يسكن ذلك الوحش (الخوف) ذاكرة الشخصيات منذ زمن، يكبر معها، حتى يلتصق بأرواحها، فيحرم كاتباً من البوح باسمه الحقيقي، ويجبره على اللجوء إلى اسم مستعار «خوفاً من الملاحقة»، وليس ببعيد عن حال الكاتب صاحب الثلاث روايات، حال الطبيب الحموي، وغيرهما من ناس الرواية.
لا تحتاج «الخائفون» إلى صفحات طويلة للتمهيد، إذ تضغط على الجرح منذ البداية، فتجمع بشراً بنفوس هشة لم تعد تتحمّل ما يحدث، في عيادة طبيب أمراض نفسية في العاصمة دمشق، شخصيات تحاول أن تتخفف من أثقال الذاكرة والروح، يخصص لكل منهم في عيادة الدكتور كميل (الذي يبدو طوق نجاة وحيد) 50 دقيقة، كي يفضي بحكاياته الغريبة، أو بالأحرى همومه، وما أكثرها.
مخاطرة
في مسارين متقاطعين تسير «الخائفون»، تتفرّع إلى روايتين يكملان بعضهما بعضاً، يظللهما معاً ذلك الكابوس الذي يسمى الخوف، يتسلل بين شخصيات العالمين: سلمى وسليمى ونسيم، وما يمت إليهما، في «أوراق نسيم» المخطوط الذي تركه ذلك الكاتب لمن كانت حبيبة، وهرب من «فرع الموت والجنون»، عبر تركيا فاليونان وصولاً إلى ألمانيا، تاركاً الرواية بلا خاتمة، فقد تضعها من اختارت البقاء، أو من حكم عليها بذلك، وربما في ذلك إشارة إلى النهايات المفتوحة، والسيناريوهات الغامضة التي لا يعرف المشهد الأخير فيها أحد، ولا يستطيع خيال ما تصوّره، وكأن «الخائفون» تشتبك مع ماضٍ وحاضر، ولا ترنو إلى المستقبل، وكأنه لا أمل يلوح في الأفق القريب.
تخاطر ديمة، كما سواها من المبدعين السوريين الذين اختاروا الكتابة في هذه اللحظة، عن الحاصل (الحرب، الثورة، الانتفاضة، الأحداث، يسمّها كل ما يشاء) في حلب وحماة وحمص ودير الزور ودرعا.. و.. و.. و.. و.. ولن تنجو من تصنيف ما، حسب الموقف لا الكلمة، ربما تحاسب على عبارة فاضت من قلب مثقل بالقهر والخوف وفقد الأحبة، أو على شكاية على لسان شخصية متخيلة في أوراق نسيم ودفاتره، لها نظائر بالجملة في لحظة فاق فيها الواقع كل خيال، فولدت المأساة ملايين من الخائفين، وحولت بشراً إلى وحوش بلا حصر، بعد أن كانوا مجرد عدد يمكن إحصاؤه، ومعرفة إلى من ينتمي.
مخاطرة
لا تغيب ديمة عن روايتها، تستقي من سيرتها ما يغذي أوراق نسيم تحديداً، تتجاسر فتستدعي روح الوالد المبدع، ومشاهد من سعدالله ونوس، بلا ذكرالاسم، ولكن روحه حاضرة، ذلك الذي أخذه (المرض الخبيث) مبكراً، لم تفلح محاولات العلاج في باريس، ولا وصفات الأم وسعيها لإطالة عمر ذلك الذي صرح لابنته الصغيرة بأنه لم يبقَ له في الحياة سوى ثلاثة أشهر، وتظل الفتاة التي تخطت الثلاثين لا تريد الاعتراف بأن الوالد مات، تقول: راح، حتى استوقفها جندي على أحد المعابر، ويؤخر مرورها لأن اسم الأب على قوائم المطلوبين، رغم وفاته منذ زمن.. حينها توقن الابنة بأن الأب مات بالفعل.
ومن أجواء العمل: «لم أقل له شيئاً. وكنت مرتبكة أمام تلك الأوراق. أرسلها لي كمخطوط لرواية رابعة، ظننته أنهاها لأكتشف، وأنا ألتهمها كلمة كلمة، حرفاً تلو الآخر.. إنها رواية ناقصة، لم ينجزها كما ينبغي لرواية، إنها أقرب إلى سيرة ذاتية لامرأة مصنوعة من الخوف. مثلي، مثله. ماذا أراد نسيم؟ هل افترض أنني سأكتب نهاية لها؟ هل بدأ بها، وقد استغرقه الخوف، فلم يقوَ على إنجازها؟».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news