جمانة حداد و«اللصوص الـ 13»
حوارات من العيار الثقيل، تحضر في «صحبة لصوص النار»، يحتاج كل واحد منها عقب قراءته إلى طي الكتاب، وأخذ استراحة، ثم العودة مجدداً إلى ما بعد علامات الاستفهام، لتأمل إجابة نطق بها مبدع «تاريخ حصار لشبونة»، أو لتفكيك عبارة على لسان صاحب «اسم الوردة»، أو للبحث عن سر الخوف من «الورقة البيضاء الإرهابية»، والاحتشاد للعملية الإبداعية لدى قامة بحجم كاتب «حفلة التيس».
لا تتسلل الشاعرة اللبنانية جمانة حداد إلى رؤوس هؤلاء «اللصوص الـ13» فحسب، بل تسعى إلى الغوص في حيواتهم، والعودة من المقابلات ببعض الأسرار والطقوس، وجرجرة هؤلاء إلى البوح، بشكل مغاير، والنبش في ما وراء قصيدة أو شخصية أو عن حبيبة، أو حتى موقف.
تمهّد جمانة للحوارات (مع أمبرتو إيكو، وجوزيه ساراماغو، وإيف بونفوا، وبول إستر، وباولو كويلهو، وبيتر هاندكه، وماريو فارغاس يوسا، وألفريد يلينيك، وأنطونيو تابوكي، والطاهر بن جلون، ومانويل فاسكيث مونتالبان، ونديم غورسيل، وريتا دوف)، بكلمة في مديح الحوار، بمقدمة عن الرحلة الممتعة والشاقة في وجدان مبدع، تحضير السؤال، وغيره مما يأتي عفو الخاطر خلال جلسة المقابلة، وعلامة الاستفهام اللحوحة التي تطلّ رغماً عن المحاور، وكذلك الإجابة المفاجئة لكلا الطرفين. وتكتب المؤلفة ما يشبه قصة كل لقاء، والاستعدادات التي سبقته، وجهد الأشهر والسنوات ربما للفوز بلقاء «نجم» يزدحم جدوله بالكثير، لكنها ترى كل ذلك هيناً، في سبيل تحقيق الغاية في صحبة من سكنوا عقلها طويلاً: «لقد حالفني الحظ فعلاً، وعليّ أن أقر بذلك. فالعديد من هؤلاء الأدباء الذين التقيتهم وحاورتهم خلال الأعوام الماضية، كانوا أصلاً يسكنون فكري وروحي، وكانت مؤلفاتهم أشبه بخبزي اليومي. في الواقع لم أكن أحلم بنجوم السينما والغناء، على ما كانت عليه أحوال صديقاتي، بل طويلاً خبأت في أحلامي المتقدة أشباح مايكوفسكي، وبو، وإيلوار، وسالينجر، ونابوكوف، ودوستويفسكي، وساد (نعم، ساد!) وأشباههم من آباء وورثة».
يجدّد كتاب «صحبة لصوص النار» الذي صدر عن دار أثر للنشر والتوزيع في الدمام بالسعودية، في 335 صفحة، ويستدعي الحوارات التي نشرت في جريدة النهار اللبنانية، قبل سنوات، ويسلط الضوء على الكثير في حياة أولئك الكتّاب العالميين، وأقلامهم، تنتصر رغماً عنها الشاعرة لـ«لصوص السرد» من الروائيين الذي يطلون بكثرة، مقارنة بنظرائهم من الشعراء، ربما لأن الحوارات أجريت في زمن الرواية الذهبي الذي مازال مستمراً، ليتصدر المقابلات كل من الإيطالي أمبرتو إيكو، والبرتغالي جوزيه ساراماغو، وكلاهما صبر طويلاً على الموهبة والشهرة، كما أن أعمالهما لم تمر مرور الكرام، فثمة أزمات أثارتها «اسم الوردة» للأول، ولم ينجُ الثاني من المصير نفسه، ما اضطره إلى مغادرة بلده إلى منفى اختياري في جزر الكناري. يحفل الكتاب بتنويعة من بقاع عدة على الخريطة، إلا المساحة العربية، تحطّ المؤلفة بين لغات عدة، يكتب بها المحاورون، من الإنجليزية إلى الإيطالية إلى الفرنسية إلى البرتغالية إلى الإسبانية، إلى حتى التركية، وتستشعر جمانة بأن ذلك ربما يستوقف قارئاً ما، فتبرر: «سؤال مجحف: لماذا تحاورين كتّاباً أجانب؟ ألا يعجبك الكتّاب العرب؟ بم أجيب؟ إنها، ببساطة الرغبة في عبور النهر والذهاب إلى الآخر البعيد. واكتشافه وكشفه. الرغبة في محاورة من لم يحاورهم الإعلام العربي مباشرة من قبل».
جرعة تحتفي بالكتاب ومنابع المعرفة في شهر القراءة بالإمارات.. تطلّ على عناوين مازالت محمّلة برائحة المطابع.. تبرز إهداءات إلى البلد الطيّب أو لأعزاء محلّهم القلب، وتغريدات من عالم غير افتراضي، واقتباسات من ندى الماضي البعيد، وغيرها مما تيسّر.. علّها تكون إشارات إلى حدائق ذات بهجة: الكتب في شهرها.
لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.