«حرب النعل».. فانتازيا المخرج وكوميديا النص تدهش الجمهور
الكوميديا التي يتم توظيفها بشكل جيد لخدمة الفعل الدرامي، لا تفسد ولا تشوش على المقولات والقضايا الرئيسة للعرض، بل على العكس، يمكن توظيفها لنسج وصال أكبر مع الجمهور، وهذا ما عكسته بالفعل مسرحية «حرب النعل»، ثاني العروض المشاركة في المسابقة الرسمية لمهرجان «أيام الشارقة المسرحية» في دورته الـ28 التي استضافتها، أول من أمس، خشبة قصر الثقافة، من إنتاج جمعية دبا الحصن للثقافة والتراث والمسرح، وتأليف إسماعيل عبدالله وإخراج حسن رجب، وتمثيل جمال السميطي وحسن يوسف ومحمد بن يعروف وسلطان بن دافون ونورة علي.
عبدالله: اتهام مُشرّف ردّ مؤلف «حرب النعل»، الفنان إسماعيل عبدالله، على تساؤل أحد المتداخلين في الندوة التطبيقية، حول ما إذا كان العمل يكرس اتهامه بأنه دائماً ما ينحاز لحضور المرأة في مجمل أعماله، على نحو يكاد يكون مبالغاً فيه، بقوله: «إذا كان الأمر كذلك، فيشرفني أن أكون نصيراً للمرأة». وداعب عبدالله، في مداخلته، المخرج حسن رجب، بقوله: «أنت صديق الطفولة، والآن أتعلم من جماليات رؤاك الإخراجية، وما حققته من خبرة أكاديمية وعملية». جيانا عيد: عن روح الإمارات توقفت الفنانة، جيانا عيد، تحديداً عند روح البيئة المحلية الإماراتية، مضيفة: «أتحدث عن الروح التي أبرزها العرض، وجعل منها امتداداً لصيغة عالمية، نجد ما يوازيها في مختلف عصور المسرح، لكنها هنا بنكهة إماراتية خالصة». وأضافت: «خصوصية العمل تنسحب على عالم عربي يواجه حرباً كونية تسعى لمحو نسقه القيمي والأخلاقي، ليصير مسخاً لا ينتمي لأصله ولا يشبه سواه، بسبب موجات الانقسامات والتشرذم المتلاحقة». |
حسن رجب أخذ نص إسماعيل عبدالله، إلى مساحته المفضلة، ليجدده على الخشبة بالمعالجة الفانتازية الساخرة، التي تتوسل بالكوميديا، وتغوص بتراجيديا عميقة، في ذواتنا ومخيلاتنا، لينتج عملاً جديداً بالكلية، محققاً تواصلاً مدهشاً مع الجمهور أمام الخشبة، على الرغم من أن النص سبق تقديمه في مناسبتين برؤية إخراجية مغايرة، في عامَي 2011، و2015، لتكون رؤية رجب مختلفة، ليس لجهة حداثتها فقط، بل بإخلاصها لجيناته الإخراجية الخاصة.
فانتازيا التشظي، والطغيان، وذوبان الهوية، والانبطاح المسبق لتكالب الآخر، هي ما تصوغ الوجع في «حرب النعل»، وهي حالات، مهدت لها سيادة الظلم، عبر شخصية «حوت» النوخذة الظالم، الذي يتحكم في قوت قرية ساحلية يقتات أهلها على مهنة صيد الأسماك، وهو الدور الذي يؤديه الفنان حسن يوسف، في حين يؤدي دور الوكيل وأهم رجال بطانته الخاصة، محمد بن يعروف، وعلى النقيض يبقى الرجل الضرير «غيث» الذي يؤدي دوره سلطان بن دافون، مناهضاً دائماً لتصرفات النوخذة، ومعه ابنته «حور»، في دور للممثلة نورة علي، أما الأكثر محورية في تطور الأحداث دائماً، شخصية «الصنقل» السكير العربيد خفيف الظل، فجسد دوره بإتقان لافت الفنان جمال السميطي.
إلى أي مدى يمكن أن يكون الطغيان والتجبر تمهيداً لانكسارات لا تُبقي ولا تذر، لا تفرق بين الطغاة، والمغلوبين على أمرهم، لا سيما حينما تكون الاستهانة بالخطر المقبل، منشؤها رأس التجبر والطغيان الذي يرى أن التسلح بـ«النعال» كافياً لردع القطط الغازية، فتصبح مهمة المتكالبين من الخارج على خيرات المستضعفين بالداخل، أكثر سهولة.
فالقرية المظلوم أهلها لمصلحة متجبر فرد، تتعرض لغزو من مجاميع قطط، يستهان بها، حتى يستفحل خطرها، ويكتب لها السيادة في القرية، متحكمة في أهلها ونتاجهم من الأسماك، بل غازية بيوتهم، لتكون لحظة الأمل في مولود القرية القادم هي نفسها ذروة الانكسار، فالمولود القادم مسخ، أقرب لملامح الأعداء، لا لسمات أهل الدار الذين تلاشوا أمام جموع القطط الغازية.
اختار رجب منذ البداية فضاء رحباً لحركة الممثلين، غابت معه قطع الديكور بالكامل في معظم الفترات، لكنه استعان بجماليات الإضاءة الموظفة توظيفاً فنياً دقيقاً، لدرجة أنها أصبحت عوضاً عن قطع ديكور ضرورية، كما في مشهد مونولوج حميمي بين «الصنقل»، وأمه الراقدة في قبرها، ومنذ استهلال «حرب النعل»، تبين أن المخرج الذي صمم بنفسه الإضاءة والموسيقى، يُعلي من توظيف هذين العنصرين، فحضرت أيضاً الموسيقى الحية، قبل أن تتحول إلى مسجلة بعد ذلك، في خيار فني يبدو أنه جاء اضطرارياً لظروف ضيق وقت البروفات السابقة للعرض.